رمضان وفرصة مضاعفة الأجور
رمضان ومضاعفة الأجور
الصيام: عبادة السر وأجرها العظيم
ورد في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
“كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.”
يظهر لنا من هذا الحديث عظم أجر الصيام، فهو عبادة خفية بين العبد وربه، لا يطّلع عليها أحد، لذا كان لها منزلة خاصة. وقد قسم العلماء الصيام إلى ثلاث مراتب:
1. صيام العوام: وهو الامتناع عن المفطرات فقط.
2. صيام الخواص: وهو حفظ الجوارح عن كل المعاصي، فلا يقتصر الصيام على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يشمل صيام البصر واللسان والسمع وسائر الجوارح.
3. صيام خواص الخواص: وهو صيام القلب عن كل ما يشغل عن الله، فلا ينشغل إلا بذكره وطاعته.
فلنحرص على تحقيق أعلى مراتب الصيام، ليكون صيامنا مقبولًا عند الله خالصًا له.
قيام الليل: طريق للقرب من الله
في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين.”
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يطيل القيام في ليالي رمضان، فقد ورد عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنه صلى معه ذات ليلة، فقرأ النبي بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، يقف عند كل آية رحمة فيسأل، وعند كل آية عذاب فيتعوذ.
ومن السنن أن يصلي المؤمن مع الإمام حتى ينصرف، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-:
“من قام مع إمامه حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة.”
قيام الليل فرصة عظيمة للتقرب من الله، وتطهير القلوب، فلا نحرم أنفسنا من هذا الفضل العظيم.
ليلة القدر: أعظم ليالي السنة
قال تعالى:
“إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم.” (الدخان: 3-4)
وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر.”
فضائل ليلة القدر كثيرة، منها:
أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن.
العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.
تتنزل الملائكة فيها بالرحمة والخير.
يغفر الله فيها لمن قامها إيمانًا واحتسابًا.
فلنحرص على اغتنام هذه الليلة العظيمة بالدعاء والعبادة، فهي فرصة لا تعوض.
الدعاء: مفتاح الرحمة الإلهية
قال الله تعالى في سياق آيات الصيام:
“وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان.” (البقرة: 186)
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“إن للصائم دعوة لا تُرد عند فطره.”
مواطن استجابة الدعاء كثيرة، ومنها:
جوف الليل.
وقت السحر.
ليلة القدر.
بين الأذان والإقامة.
في السجود.
في يوم الجمعة.
فلنحرص على رفع أكف الدعاء في هذه الأوقات المباركة، ونتجنب موانع الإجابة مثل الاستعجال أو الدعاء بإثم أو أكل الحرام.
الكرم والإنفاق في رمضان
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:
“كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن.”
ومن صور الجود في رمضان:
تفطير الصائمين، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء.”
التصدق على المحتاجين.
دعم أهل القرآن والمعتكفين.
رمضان شهر العطاء، فلنغتنم الفرصة ونكون من أهل الجود.
العمرة في رمضان: فضلها عظيم
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“عمرة في رمضان تعدل حجة، أو قال: حجة معي.”
وهذا يدل على عظيم فضل أداء العمرة في هذا الشهر الكريم، حيث يتضاعف الأجر، ويكون فيها من البركة ما لا يكون في غيرها.
القرآن في رمضان: غذاء الروح
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعظم شأن القرآن في رمضان، فقد كان جبريل -عليه السلام- يراجعه معه كل عام، وفي عام وفاته راجعه مرتين.
من الأمور التي تعين على الارتقاء مع القرآن في رمضان:
الإكثار من التلاوة.
الاجتماع على تدارس القرآن.
تدبر معانيه والعمل به.
ختم القرآن مرة أو أكثر خلال الشهر.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون.”
فلنجعل رمضان شهر القرآن، فهو شهر أنزل فيه أعظم كتاب للبشرية.

مشاريع رمضانية لتطوير الذات بالقرآن
لأن شهر رمضان هو شهر القرآن، فمن المهم أن نضع لأنفسنا خططًا عملية تساعدنا على الارتقاء بالقرآن الكريم خلال هذا الشهر الفضيل، ومن بين المشاريع التي يمكن تنفيذها:
1. ختم القرآن مرة أو أكثر
قراءة جزء يوميًا تعني ختم القرآن مرة واحدة في الشهر.
قراءة جزأين يوميًا تعني ختمه مرتين، وهكذا
2. التدبر والتفسير
قراءة تفسير مختصر للآيات أثناء التلاوة.
اختيار موضوع معين للبحث فيه، مثل آيات الصبر، أو آيات الرحمة.
3. حفظ جزء من القرآن
يمكن اختيار جزء يسير لحفظه خلال الشهر، مثل جزء عم أو تبارك.
4. الاستماع للقرآن يوميًا
الاستماع إلى تلاوات خاشعة من القراء المتقنين يساعد على التدبر وتحسين النطق
5. تعليم القرآن للآخرين
تخصيص وقت يومي لتعليم الأطفال أو الأسرة بعض السور القصيرة مع معانيها.
6. الالتزام بالقرآن بعد رمضان
وضع خطة لاستمرار قراءة القرآن بعد انتهاء الشهر الفضيل، ولو كان ذلك بقراءة ورد يومي بسيط.
الاستعداد لوداع رمضان
رمضان أيامه معدودة، وسرعان ما ينقضي، لذلك لا بد أن نحسن ختامه بأفضل الأعمال، ومنها:
1. الإكثار من الدعاء في العشر الأواخر
طلب المغفرة والقبول، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.”
2. مضاعفة الأعمال الصالحة
الصدقات، والذكر، وقراءة القرآن، والاعتكاف لمن استطاع.
3. إخراج زكاة الفطر
تطهيرًا للنفس، وإدخالًا للسرور على الفقراء.
4. الاستمرار على الطاعة بعد رمضان
الحرص على صيام ستة أيام من شوال.
مواصلة قيام الليل ولو بركعتين.
الاستمرار في تلاوة القرآن وتدبره.
كلمة أخيرة
رمضان مدرسة إيمانية تهذب النفوس وتفتح أبواب الخير، فليكن هذا الشهر بداية جديدة لعهد مع الله، نحرص فيه على الطاعات، ونبتعد عن المعاصي، ونجعل العبادة جزءًا من حياتنا بعد رمضان كما كانت خلاله.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا من الفائزين برحمته ورضوانه.
ختامًا
رمضان فرصة عظيمة لحصد الأجور، فالصيام والقيام والقرآن والكرم والدعاء كلها أبواب مفتوحة للخير، فلنحرص على اغتنامها، ونسأل الله أن يجعلنا من المقبولين.