شهر رمضان هو موسم الدعاء والابتهال
رمضان شهر الدعاء
الحمد لله الذي يستجيب الدعوات ويكشف الكربات، والصلاة والسلام على خير البشر، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يُعدُّ الدعاء من أعظم العبادات وأقواها أثرًا، فهو صلة مباشرة بين العبد وربه، يجسد بها توحيده لله وتفويضه الكامل لأمره. ولم يكن هناك زمان أفضل للتقرب إلى الله بالدعاء من شهر رمضان، فهو فرصة عظيمة لمضاعفة الحسنات، واستجابة الدعوات، ومغفرة الذنوب. ولعل الحكمة من ذكر الدعاء عقب آيات الصيام في القرآن الكريم تكمن في إبراز أهميته في هذا الشهر الفضيل، حيث يقول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
معنى الدعاء وأهميته
الدعاء هو طلب الخير من الله، والتضرع إليه لكشف الضر، وهو مظهر من مظاهر العبودية والافتقار إلى الله. وهو كذلك تعبير عن ثقة العبد بربه، وإقرار بقدرته المطلقة على تحقيق المطالب، وإزالة الكروب.
أما فضائل الدعاء فهي كثيرة ومتعددة، منها:
1. الدعاء طاعة لله: فقد أمرنا الله به فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
2. الدعاء عبادة: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدعاء هو العبادة” (رواه الترمذي وصححه الألباني).
3. الدعاء من أسباب رفع البلاء: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يغني حذرٌ من قدر، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل” (رواه الطبراني وصححه الحاكم).
4. الدعاء وسيلة لانشراح الصدر وزوال الهموم: فهو يبعث الطمأنينة في قلب المؤمن، ويزيده يقينًا برحمة الله.
5. الدعاء دليل على التوكل على الله: إذ لا يرفع الحوائج إلا إلى الله، فيتحرر العبد من التعلق بالمخلوقين.
6. الدعاء علامة على قوة الإيمان: إذ لا يدعو إلا من يوقن بأن الله هو القادر على كل شيء.
شروط وآداب الدعاء
لكي يكون الدعاء مستجابًا، لا بد من توفر بعض الشروط، ومنها:
الإخلاص لله في الدعاء، فلا يُسأل إلا الله وحده.
الثقة في قدرة الله على الاستجابة، واليقين بأنه يسمع ويرى.
حضور القلب أثناء الدعاء، وعدم التلفظ به بلسان غافل.
اجتناب الاستعجال في الاستجابة، لأن الله أعلم بزمان تحقيق الخير لعباده.
تحري أوقات الإجابة، مثل ليلة القدر، وعند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل.
تجنب الدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم، لأن ذلك يمنع الاستجابة.
أما آداب الدعاء فمنها:
استفتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
التضرع والخشوع، ورفع اليدين عند الدعاء.
الدعاء بصيغ جامعة من الأدعية النبوية التي تشمل خيري الدنيا والآخرة.
الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس من التأخر في الاستجابة.
حكمة تأخر الإجابة
قد يتأخر تحقق ما يطلبه العبد في دعائه، وهنا يجب أن يدرك أن الله يختار لعباده ما هو أصلح لهم، فقد يكون في تأخير الإجابة خير لا يعلمه العبد. ومن حكم ذلك:
1. الابتلاء بالصبر والتمسك بالدعاء، فكما أن سرعة الاستجابة اختبار، فإن تأخرها أيضًا اختبار للإيمان.
2. تنقية النفس من الذنوب، فقد يكون التأخير بسبب معاصٍ تحتاج إلى توبة صادقة.
3. تحقيق التقرب إلى الله أكثر، فالداعي يستمر في اللجوء إلى الله، مما يعزز علاقته به.
4. صرف الشر عن العبد، فربما لو تحقق له مطلوبه لكان فيه ضرر عليه لا يعلمه.
5. تخزين الأجر والمثوبة في الآخرة، فقد يكون الدعاء مدخرًا له ليوم القيامة.
تأخر الإجابة وأسبابه
قد يشعر المؤمن أحيانًا بتأخر استجابة دعائه، وهذا قد يدفعه للتساؤل عن السبب. غير أن تأخر الإجابة لا يعني رفض الدعاء أو عدم قبوله، بل له حِكَم عظيمة ينبغي إدراكها، ومن ذلك:
1. اختبار الصبر والإيمان: فالمؤمن يُبتلى بتأخر الإجابة ليزداد يقينه بالله، ويظهر مدى صدق توكله عليه.
2. اختيار الله لعبده ما هو خير له: فقد يكون ما يسأله العبد شرًا له، والله أعلم بمصلحته أكثر من نفسه.
3. حفظ العبد من الوقوع في الغرور أو التكبر: فقد يكون تحقيق المطلوب سببًا للانشغال بالدنيا، فيحرمه الله منه رحمة به.
4. مغفرة الذنوب ورفع الدرجات: فإن كان الدعاء سببًا لتكفير الذنوب، فإن تأخر الإجابة يزيد من ثواب العبد وأجره.
5. قد يكون الدعاء مستجابًا لكن بطريقة أخرى: كأن يُدفع عن الداعي بلاء كان سيصيبه، أو يُدّخر له الأجر في الآخرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يُعجل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها” (رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني).
كيف نضمن استجابة الدعاء؟
الإلحاح والاستمرار في الدعاء: لا ينبغي للمؤمن أن يملّ أو يتوقف عن الدعاء لمجرد تأخر الاستجابة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي” (رواه البخاري ومسلم).
الإكثار من الأعمال الصالحة: فإن تقوى الله وطاعته من أعظم أسباب قبول الدعاء.
تحري الأوقات المباركة: مثل ليلة القدر، وعند السحر، وبين الأذان والإقامة، وأثناء السجود.
الدعاء بقلب حاضر وخشوع: فإن الله لا يستجيب من قلب غافل لاهٍ.
الإكثار من الاستغفار والتوبة: فإن المعاصي تحجب الدعاء، والتوبة الصادقة تفتح أبواب الرحمة.
أوقات وأحوال يكون فيها الدعاء مستجابًا
هناك أوقات وأحوال يُرجى فيها قبول الدعاء، ومنها:
1. في الثلث الأخير من الليل: حيث ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: “هل من داع فأستجيب له؟” (رواه البخاري ومسلم).
2. عند السجود: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء” (رواه مسلم).
3. بين الأذان والإقامة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة” (رواه الترمذي وأبو داود).
4. عند الإفطار في رمضان: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “للصائم عند فطره دعوة لا تُرد” (رواه ابن ماجة).
5. في يوم الجمعة: ففيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله إلا استجيب له (رواه البخاري ومسلم).
6. عند نزول المطر: فقد ورد أن الدعاء مستجاب عند نزول المطر (رواه أبو داود).
7. عند الشدائد والاضطرار: فقد قال الله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل: 62).
الدعاء سلاح المظلوم والمستضعف
الدعاء هو ملجأ كل مظلوم وضعيف، فهو طريق سريع إلى الله، لا تحجبه الأبواب، ولا تمنعه الحدود. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب” (رواه البخاري ومسلم).
فالمؤمن إذا أصابه ظلم أو ضاقت عليه الدنيا، فليس له إلا أن يلجأ إلى الله بالدعاء، فهو القادر على نصرته، وإعادة حقوقه إليه.

خاتمة
رمضان هو موسم الدعاء، وهو فرصة عظيمة لنيل العفو والمغفرة، وتحقيق الأمنيات، وكسب الأجر المضاعف. فعلينا أن نغتنم هذه الأيام المباركة بالإكثار من الدعاء، والاستغفار، والتقرب إلى الله، والإلحاح في المسألة، فإن الله لا يرد عبده إذا دعاه بإخلاص.
نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، وأن يرزقنا الاستجابة لدعواتنا، ويجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.