رحلة المرأة مع العذر الشرعي في رمضان: فهمٌ وتقبلٌ للطاعة
عندما تمر المرأة بظرف شرعي يمنعها من الصيام في رمضان
فإن ذلك ليس مدعاة للضيق أو الشعور بالنقص، بل هو جزء من رحمة الله بعباده وتيسيره لهم. فقد أباح لها الإفطار، لكنه في المقابل لم يغلق أمامها أبواب الطاعة، بل جعل لها سبلًا عديدة لنيل الأجر والثواب. فالذكر، وقراءة القرآن، والتصدق، وبذل المعروف، وصلة الأرحام، ومساعدة المحتاجين، كلها أعمال عظيمة تثقل الميزان وتعزز القرب من الله.
إن حقيقة الإيمان لا تكمن فقط في أداء العبادات الظاهرة، بل تتجلى أيضًا في التسليم لحكم الله، والرضا بأمره، والاشتياق لطاعته. فحينما تشعر المرأة بالحزن على فوات الصيام، وتبقى روحها معلقة بالعبادة، فإن ذلك في حد ذاته برهان على صدق إيمانها وحرصها على القرب من الله، وقد وعد الله عباده الصادقين بالخيرات، إذ قال: “إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا”.
علاوة على ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وقد شرع الرخص تيسيرًا ورحمة، وليس حرمانًا. فكما أن الصيام طاعة، فإن الامتثال لرخصة الإفطار هو أيضًا طاعة واستجابة لأمر الله. والأجر في ذلك محفوظ، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: “إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل وهو مقيم صحيح”، والمرأة في حال العذر الشرعي تدخل في هذا المعنى، فيُكتب لها ثواب ما اعتادت فعله، وكأنها لم تنقطع عن العبادة.
إن الفضل الإلهي واسع، ورحمته تسبق كل شيء، والمهم أن يبقى القلب عامرًا بالإيمان، والعزم متجددًا على استئناف الطاعة متى ما زال العذر.
وحينما يرفع الله العذر وتتمكن المرأة من استئناف عباداتها، فإن ذلك يكون فرصة عظيمة لتعويض ما فاتها بروحٍ متجددة وشوقٍ إلى الطاعة. فالله سبحانه وتعالى يجزي عباده على نواياهم وأعمالهم، ولا يضيع أجر من أحسن عملًا. ومن كرم الله أنه جعل مواسم الخير متعددة، فلم يقتصر الأجر على أيام الصيام فقط، بل جعل للعبادات الأخرى أثرًا عظيمًا في ميزان الحسنات، كالدعاء، والاستغفار، وتفريج الكرب، وبذل المعروف، التي لا تتطلب جهدًا بدنيًا ولكنها ترفع العبد إلى مراتب عالية من القرب منه.
إن الإيمان الصادق لا يُقاس فقط بعدد الصلوات والصيام، بل بمقدار اليقين في الله والرضا بحكمه، والحرص على الطاعة في كل الأحوال. ومن تفكر في أحكام الله وجد فيها رحمةً عظيمة، إذ لم يجعلها مشقةً على عباده، بل جعلها وفق قدرتهم وظروفهم.
لذلك، ينبغي للمرأة أن تستشعر هذه النعمة، وأن تدرك أن الامتثال لأمر الله في كل حال هو بحد ذاته عبادة، سواء كان ذلك في الصيام أو الإفطار، في القيام أو في الرخصة. فالأجر ليس مرتبطًا بالفعل وحده، بل بنيّة القلب وإخلاصه، والله واسع الفضل، يعطي بلا حدود، ويجزي على النوايا كما يجزي على الأعمال.
فليكن القلب مطمئنًا إلى رحمة الله، ولتستمر المسيرة في الطاعة، ولتبقَ الروح متعلقةً بالخالق، متى ما سنحت الفرصة للعبادة استُغلَّت، ومتى ما حال العذر دونها، بقيت النية الصادقة شاهدًا على الإيمان، والله عنده حسن الثواب.
وعندما يدرك العبد أن الطاعة ليست مقصورة على أعمال بعينها، بل هي منهج حياة يشمل القلب والجوارح معًا، فإنه يزداد طمأنينة ويقينًا برحمة الله وسعة عطائه. فالله سبحانه وتعالى يضاعف الأجر لمن صدقت نيته، ويجزي العبد على شوقه للعبادة كما يجزيه على أدائها، بل ربما يكون اشتياق القلب إلى الطاعة في حال العذر سببًا في رفعة الدرجات عند الله.
وهنا يتجلى معنى العبودية الحقّة، إذ لا تنحصر في أوقات معينة، ولا تتوقف على شعائر محددة، بل تمتد لتشمل كل لحظة من حياة المؤمن. فحتى في حال العذر، تظل المرأة قادرة على استثمار وقتها في أعمال تقربها إلى الله، سواءً بالدعاء الصادق، أو بتأمل آياته، أو بنشر الخير بين الناس، أو بغرس معاني الصبر والاحتساب في قلبها، فكل ذلك يعد من القربات التي يحبها الله.
ومن كرم الله أيضًا أنه عوّض المرأة عن الأيام التي تفوتها من الصيام بفرصة القضاء بعد رمضان، وجعل لها سبيلًا لمعادلة ما فاتها، فيكون ذلك مدعاةً للفرح بدلًا من الحزن، وللرضا بدلًا من الشعور بالنقص. كما أن الله يمنح العبد أوقاتًا أخرى عظيمة في العام، كصيام الست من شوال، وعشر ذي الحجة، وعاشوراء، وأيام الاثنين والخميس، فتظل أبواب الخير مشرعة أمام من أراد السعي إليها.
فليكن القلب دومًا متصلًا بالله، وليبقَ الأمل معقودًا بعظيم فضله، ولتمتلئ الروح يقينًا بأن الله لا يحرم عبدًا من الخير، بل يبدله بما هو أنفع له وأعظم أجرًا، فالمؤمن في كل أحواله مأجور، سواءً في عبادته المباشرة أو في تسليمه لحكم الله وقضائه، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

وفي النهاية، يبقى الإيمان الصادق هو ما يعمر القلب، وليس مجرد الأعمال الظاهرة
فالعبودية لله لا تقتصر على الصيام والصلاة، بل تمتد إلى كل لحظة يحياها المؤمن في طاعته، سواءً بالعمل أو النية الصادقة. وحينما يقدر الله ظرفًا يمنع من أداء عبادةٍ ما، فإنه يعوض عبده بسبل أخرى للقرب منه، ويكتب له الأجر بنيّته الصالحة ورغبته الصادقة في الطاعة.
لذلك، فإن على المؤمن أن ينظر إلى العبادات بمنظور أشمل، وأن يدرك أن رحمة الله أوسع من أن تنحصر في أعمال محددة. فالتسليم لحكمه، والرضا بقضائه، والسعي في الخير بكل أشكاله، كلها من صور الطاعة التي يُثاب عليها العبد، وربما تكون سببًا في رفعة درجاته.
فليكن القلب مطمئنًا برحمة الله، ولتبقَ الروح متعلقةً بمحبته، ولنعمل جميعًا على استثمار كل لحظة في حياتنا فيما يقربنا إليه، فإنما الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، ومن وثق بكرم الله، وجد في كل حال فرصة للخير، وفي كل ظرف بابًا للأجر والثواب.