إقبال خير الشهور
رمضان:فرصة التقرب إلى الله
يُطلّ علينا شهر رمضان المبارك بنفحاته الإيمانية العطرة، حاملاً معه الخير والبركات، فتعم أنواره الأرض والسماء، وتتجلى رحمات الله في كل مكان، مرحبًا بشهر الصيام والقيام، الشهر الذي ينتظره المسلمون بشوقٍ عظيم، فهو كنزٌ للمتقين، وفرصةٌ ثمينةٌ للتائبين، وميدانٌ رحبٌ للمتنافسين في الطاعات.
رمضان: شهرٌ اختصه الله بفضائل عظيمة
يُعدّ رمضان سيد الشهور وأفضلها، فقد فضّله الله بخصائص جليلة، وجعله موسمًا للطاعات والقربات، قال تعالى:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].
فهو شهرٌ أنزل الله فيه القرآن الكريم هدايةً للبشرية، وجعله فرصةً عظيمةً لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات. كما ورد عن النبي ﷺ:
“أتاكم رمضان، شهرٌ مباركٌ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرم خيرها فقد حُرم” [رواه أحمد والنسائي].
فضائل شهر رمضان المبارك
الصيام فريضة وسببٌ لمغفرة الذنوب
فرض الله صيام رمضان على عباده وجعله وسيلةً للتقوى والمغفرة، كما قال النبي ﷺ:
“من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”
ليلة القدر: هدية عظيمة من الله
خصّ الله هذا الشهر بليلة القدر، وهي ليلةٌ مباركةٌ خيرٌ من ألف شهر، قال تعالى:
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3].
في هذه الليلة، تُقدَّر الأقدار، وتتنزل الملائكة بالرحمات، فمن قامها إيمانًا واحتسابًا نال عظيم الأجر والمغفرة.
مضاعفة الأجور وتصفيد الشياطين
في رمضان، يُضاعف الله الأجور لعباده، ويصفد الشياطين، فتُهيأ الفرص للمسلمين للطاعة والعبادة، كما قال النبي ﷺ:
“كل عمل ابن آدم يُضاعف: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به” [رواه البخاري ومسلم].
رمضان فرصةٌ للتغيير والتوبة
رمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل هو مدرسةٌ روحيةٌ تعلّمنا الصبر والإحسان، وتُعيد ضبط سلوكنا وأخلاقنا، وهو فرصةٌ عظيمةٌ للتوبة النصوح والعودة إلى الله، فالسعيد من اغتنم أيامه ولياليه بالطاعات، والمحروم من مرّت عليه أيامه دون أن ينال المغفرة.
كيف نستغل رمضان بأفضل طريقة؟
1-الإخلاص في الصيام والعبادة
يجب أن يكون صيامنا خالصًا لوجه الله، لا لمجرد العادة، بل تقربًا لله وطلبًا لمرضاته.
2-الإكثار من تلاوة القرآن
رمضان هو شهر القرآن، لذا ينبغي علينا أن نكثر من تلاوته وتدبر معانيه والعمل بأحكامه.
3-المحافظة على الصلاة والقيام
الصلاة والقيام في رمضان من أعظم القربات، فلنحرص على أداء الفروض في وقتها، والإكثار من النوافل، وصلاة التراويح.
4-الصدقة والإحسان
الصدقة في رمضان مضاعفة الأجر، فرمضان شهر الجود والعطاء، وكان النبي ﷺ أجود الناس في رمضان.
5-الدعاء والاستغفار
رمضان فرصةٌ عظيمةٌ للاستجابة، فلنكثر من الدعاء والاستغفار، خصوصًا في أوقات الإجابة مثل وقت السحر وعند الإفطار.
أطل علينا سيد الشهور، وأفضلها على مر العصور، شهر خصه الله بخصائص عظيمة، ومزايا جليلة، لو تكلمنا عن بعض فضائله، ما وسعنا الزمان في ذكر محاسنه، يقول المولى عز وجل: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )).
شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً وفضيلة، تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه الشياطين، يكفي لنا قول سيد الأنام عن شهر الصيام : (( أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ )).
فرحنا برؤية هلاله، هلال رشد وخير، واستبشرنا بحلول أول أيامه، فأيامه زينة الدنيا وزاد الآخرة، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى الهلال قال: (( اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ )).
الأعمال فيه مباركة، والأجور فيه مضاعفة، فهو موسم من أعظم المواسم الربانية، يقول عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )).
فيا سعادة من مد الله له في الأجل، ومتعه بنعيم الصحة، ليغنم بمغفرة الله ورضوانه، والعتق من نيرانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
فحقيق بمن استقبل رمضان وهو في نعمة الله، أن يشكر هذا النعمة بأداء حقها، وأن يستغل هذه الأيام المباركة بما يرضى المولى عز وجل عنه، ولنتعرض لنفحات الله تعالى في هذا الشهر الكريم، ولنعقد العزم من أول يوم من أيامه أن نكون إلى الله أقرب وعن النار أبعد، لكي لا نضيع فرصاً قد أتت، فلعلنا لا ندرك رمضان، ولعل رمضان يأتي ولا يلقانا، فكم من عزيز كان معنا في رمضان الماضي وهو الآن تحت الثرى، فلنجد ونجتهد من أول أيامه، ولنستغل سعاته ولحظاته، فإن المحروم من يدخل عليه رمضان ولم يغفر له.
أتى رمضان مزرعة العباد … لتطهير القلوب من الفساد
فـأد حقوقه قـولاً وفـعـلاً … وزادك فــاتخذه إلى المعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها … تأوَّه نادماً يوم الحصاد
فحمداً لك ربنا أن بلغتنا رمضان، ونسألك الإعانة على الصيام والقيام، وأن تمن علينا بتمامه بالقبول والرضوان.
توديع رمضان: هل كنا من الفائزين؟
كما استقبلنا رمضان بالفرح والترحيب، فإنه يوشك على الرحيل، تاركًا في قلوبنا أثرًا لا يُمحى. فهل استثمرنا أيامه ولياليه فيما يُرضي الله؟ وهل كتبنا من الفائزين ببركته وعظيم أجره؟
إن المحروم حقًا هو من أدرك رمضان ولم يغتنمه في الطاعات، ولم يُعرض نفسه لنفحات الله، ولم يسعَ لنيل العتق من النار، فقد قال النبي ﷺ:
“رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له” [رواه الترمذي].
ففي الأيام الأخيرة من الشهر، ينبغي أن نضاعف الجهد في العبادة، وأن نلتمس ليلة القدر، ونسأل الله القبول والمغفرة، فما هي إلا أيام معدودات، ثم تنقضي، وقد لا ندرك رمضان القادم.

وداعًا رمضان: هل كنا من الفائزين؟
كما استقبلنا رمضان بالفرح، فإن وداعه يجب أن يكون بالحزن على فراقه، والتساؤل: هل كنا من الفائزين برضوان الله؟ وهل غنمنا من نفحاته الإيمانية؟ فالخاسر من مرّت عليه أيامه دون أن يغفر له.
ختامًا، نسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يمنّ علينا بتمامه بالقبول والرضوان، وأن يعيده علينا أعوامًا عديدة في صحةٍ وعافية، وكل عام وأنتم بخير!