مشروعية التهنئة بشهر رمضان
حكم التهنئة بشهر رمضان: رؤية شرعية متكاملة
مقدمة:
يُعد شهر رمضان المبارك موسمًا إيمانيًا عظيمًا، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، حيث تتضاعف فيه الحسنات، وتتنزل فيه الرحمات، وتُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب الجحيم. ولذا، فإن قدومه يُدخل السرور على قلوب المسلمين، لما فيه من فرصٍ عظيمة للتقرب إلى الله عز وجل
ومن مظاهر الاحتفاء بهذا الشهر الفضيل تبادل التهاني بين المسلمين، وهي عادة متأصلة في مختلف المجتمعات الإسلامية. وهنا يُثار تساؤل: هل التهنئة بشهر رمضان جائزة شرعًا، أم أنها تُعد من البدع؟
التهنئة برمضان: بين الفرح المشروع والموقف الشرعي
يفرح المسلم بقدوم رمضان لأنه موسم خير ورحمة، قال الله تعالى:
“قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” (يونس: 58)
وقد اعتاد المسلمون عبر العصور تهنئة بعضهم البعض بحلول رمضان، تعبيرًا عن الفرح، وتحفيزًا على اغتنام بركاته. والسؤال هنا: هل لهذه التهنئة أصلٌ في الشريعة الإسلامية؟
جذور التهنئة في السنة النبوية
لقد ورد في السنة ما يدل على مشروعية التهنئة عند حلول مواسم الطاعة، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
“أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم” (رواه النسائي وأحمد، وصححه شعيب الأرناؤوط).
وقد علّق الإمام ابن رجب الحنبلي على هذا الحديث بقوله:
“كان النبي ﷺ يُبشّر أصحابه بقدوم رمضان، وهذا أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بقدوم الشهر الكريم”
وهذا يدل على أن إظهار الفرح بقدوم رمضان وإبلاغ الآخرين بذلك أمرٌ مستحب، ولا يُعتبر من البدع، بل هو اتباعٌ لما كان عليه النبي ﷺ.
آراء العلماء في مشروعية التهنئة برمضان
أكد عدد من كبار العلماء على إباحة التهنئة بشهر رمضان، مستدلين بأدلة شرعية صحيحة، ومن أبرز هؤلاء العلماء:
الإمام ابن القيم رحمه الله، حيث قال:
“يُستحب تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل، ومصافحته، فهذه سنة مستحبة”
الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، حيث قال:
“يُحتج لعموم التهنئة بما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة، بمشروعية سجود الشكر والتعزية”.
الإمام السيوطي رحمه الله، حيث نقل في كتابه وصول الأماني عن القمولي قوله:
“لم أرَ لأصحابنا كلامًا في التهنئة بالأعياد أو الأشهر كما يفعله الناس، ولكن الحافظ المقدسي قال: والذي أراه أنه مباح؛ ليس بسنة ولا بدعة”.
الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، حيث أوضح قاعدة فقهية هامة بقوله:
“الأصل في العادات الإباحة، ما لم يأتِ نصٌ يمنعها أو تتضمن مفسدة”
تطبيق العلماء لمبدأ التهنئة برمضان
من التطبيقات العملية لجواز التهنئة برمضان ما جاء عن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، حين أرسل إليه تلميذه الشيخ عبد الله ابن عقيل خطابًا يُهنئه فيه بشهر رمضان عام 1370هـ، فردّ عليه الشيخ بالقول:
“يسرّني كتابك الذي تضمّن التهنئة بهذا الشهر الكريم، ونسأل الله أن يجعله مباركًا علينا وعليكم”
وهذا يُبين أن العلماء لم يجدوا حرجًا في التهنئة بشهر رمضان، بل كانوا يُمارسونها بأنفسهم.
الفرق بين التهنئة المشروعة والتهنئة الممنوعة
1-التهنئة المشروعة: هي التي تحمل معاني الخير والبركة، وتُذكّر المسلمين بأهمية اغتنام الشهر المبارك بالطاعات، مثل قول:
“بارك الله لكم في هذا الشهر، وجعلكم من المقبولين”
2-التهنئة الممنوعة: هي التي تتضمن ألفاظًا محرّفة أو مبتدعة لم ترد في الشريعة، أو التي تُقال بأسلوب فيه غلوّ أو مبالغة غير مشروعة.

خلاصة القول:
التهنئة بشهر رمضان جائزة شرعًا، وليست بدعة، لأنها من العادات وليست من العبادات.
الأصل في العادات القولية والفعلية الإباحة، إلا إذا ورد نصٌ يمنعها أو اقترنت بمفسدة.
ورَدَ في السنة النبوية ما يدل على مشروعية إظهار الفرح بقدوم مواسم الطاعة، كما في حديث تبشير النبي ﷺ أصحابه برمضان.
كبار العلماء أفتوا بجواز التهنئة بشهر رمضان، مثل ابن باز، وابن عثيمين، واللجنة الدائمة للإفتاء.
لا يُلزم بها أحدٌ، فمن أراد أن يُهنّئ فله ذلك، ومن لم يُرد فلا حرج عليه.
الدعاء مع ختام المقال:
نسأل الله أن يُبلغنا رمضان، ويُعيننا على صيامه وقيامه، وأن يجعلنا من الفائزين فيه برضوانه وجنته.
“اللهم بارك لنا في رمضان، وأعنّا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا من عتقائك من النار”.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.