شروق العيد

شروق العيد

رحيل رمضان واستقبال العيد: رحلة روحانية متجددة

ها هو رمضان يطوي صفحاته الزاهية، تاركًا خلفه عبق الطاعة ونسائم الرحمة، فتنطفئ مصابيحه المضيئة، وتفارقنا لياليه المشرقة، راجين من الله القبول والثبات بعده، وأن يعوضنا عنه بمزيد من الاستقامة والصلاح.

وما إن غابت شمس رمضان حتى أطل علينا هلال شوال، مبشرًا بقدوم عيد الفطر، فارتفعت أصوات المسلمين بالتكبير شكرًا لله على نعمة إتمام الصيام، {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. عبارات التكبير تتردد في الأرجاء، تعلن تعظيم الخالق الواحد الأحد، وتفيض القلوب فرحًا بهذه اللحظات المباركة.

فرحة العيد وشعائره الروحانية

“الله أكبر” نداء يصدح في كل مكان، يملأ المساجد والطرقات، ويرددها الجميع جماعات وأفرادًا، مستبشرين بنعمة الله عليهم بإتمام شهر الطاعة. العيد ليس مجرد مناسبة للابتهاج بالمأكل والمشرب، بل هو احتفاء بإنجاز عظيم وتجديد للعهد مع الله، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

يوم العيد هو عودة مباركة إلى الحياة بعد شهر من السمو الروحي، فيه تنطلق الأرواح المتطهرة بنور الطاعة، ويشعر المؤمن وكأنه ولد من جديد، بعد أن غُفرت ذنوبه وزكت نفسه. لهذا كانت سنن العيد تحمل رمزية عظيمة، فالاغتسال صباحًا إشارة إلى نقاء القلوب، ولبس الثياب الجديدة دلالة على بداية صفحة مشرقة، والتطيب عنوان للسمعة الحسنة.

العيد فرحة للجميع

مع إشراقة العيد، تفيض مشاعر البهجة على القلوب، فتتناثر الابتسامات، وتتصافح الأيدي، ويتبادل المسلمون التهاني والدعوات. إنه يوم تتجسد فيه معاني الأخوة، حيث يتفقد الناس بعضهم بعضًا، ويتسابقون لرسم الفرحة في وجوه المحتاجين، بمواساة الأرامل، ومساندة الفقراء، ومشاركة الأيتام بهجتهم. هؤلاء المحسنون هم أسعد الناس، لأنهم عرفوا أن الفرح الحقيقي يكمن في إسعاد الآخرين.

لكن العيد لا يعني الانفلات من الضوابط الشرعية أو الوقوع في المعاصي، فالفرحة الحقيقية تكون بطاعة الله، لا بمخالفته. العيد ليس مناسبة للغفلة والتقصير بعد شهر من الطاعة، بل هو امتداد لمسيرة الإيمان، ويوم يفرح فيه الصادقون بجوائزهم التي وعدهم الله بها.

 يوم الجوائز الحقيقية

العيد هو موسم للحصاد، فمن اجتهد في رمضان، ها هو اليوم يفرح بثمار جهده، كما يفرح المؤمن يوم القيامة بلقاء ربه، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]. أما من فرّط في شهر الرحمة، فبأي شيء يفرح؟ هل يفرح بانتهاء قيد الطاعة ليعود إلى قيود الشهوات؟!

طوبى لمن جعل من يوم العيد انطلاقة جديدة في مسيرة الطاعة، ووسيلة لمواصلة الخير، فمن كانت فرحته مقترنة بالتقوى، زادت حسناته، وارتفعت درجاته، وكان من الفائزين.

بالطبع، سأكمل المقال بأسلوب أكثر سلاسة وعمقًا، بحيث يحمل القارئ في رحلة روحانية بين وداع رمضان واستقبال العيد

العيد بين الفرح بالحسنات والندم على التفريط

العيد هو يوم الفرح الحق، لكنه فرحٌ مشروطٌ بحقيقة الإنجاز، فمن تعب واجتهد في رمضان، وسهرت عيناه تلاوةً وقيامًا، وحرص على طاعة الرحمن، فحق له أن يفرح، {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].

أما الذين ضيعوا أيام رمضان في غفلة ولهو، ولم يغتنموا لحظاته الغالية، فهم في الحقيقة لم يكسبوا العيد، بل فقدوه، لأن فرحة العيد ليست لمن انطلق إلى شهواته بعد أن انقضى الصيام، بل لمن استمر في طريق الخير بعد رمضان.

العيد ليس مكافأةً للغافلين، بل هو وسامٌ للمتقين، ومن فرّط في أيام الرحمة ثم استبشر بانتهائها، فقد خسر خسارةً عظيمة، فكيف لمن لم يزرع أن يحصد؟ وكيف لمن لم يجتهد أن ينال الجائزة؟!

العيد استمرار للطاعة لا انقطاع عنها

بعض الناس يظنون أن العيد هو محطة استراحة من الطاعة، فيتهاونون في أداء الصلوات، وينشغلون باللهو، ويجعلون من العيد مناسبةً لارتكاب ما نهى الله عنه. وهذا الفهم مغلوطٌ تمامًا، فالفرح بالعيد يجب أن يكون منضبطًا بحدود الله، فلا يليق أن يتحول يوم الجائزة إلى يوم تفريط!

إنّ المؤمن الصادق يجعل من العيد نقطة انطلاقٍ جديدة، فيحرص على صيام الست من شوال امتثالًا لسنة النبي ﷺ، ويستمر في قراءة القرآن والقيام، ولا يسمح لنفسه بالتراجع بعد أن ذاق حلاوة الطاعة في رمضان.

شروق العيد
شروق العيد
السعداء الحقيقيون في العيد

إنّ أسعد الناس في العيد ليسوا من امتلأت موائدهم بألوان الطعام، أو من لبسوا أفخر الثياب، بل هم الذين رسموا البسمة على وجوه اليتامى، وأدخلوا السرور على قلوب المحتاجين، ومدّوا يد العون لكل محتاج.

فالسعادة الحقيقية ليست فيما نأخذ، بل فيما نعطي، وليست فيما نمتلك، بل فيما نمنح، ومن جعل من العيد فرصةً لنشر الفرح بين الناس، فهو الذي يستحق أن يكون أسعد الناس.

خاتمة: فليكن العيد انطلاقةً للخير

وهكذا، يظل العيد محطةً للتأمل، وفرصةً لمواصلة المسير في طريق الطاعة، وعهدًا جديدًا بين العبد وربه بأن يبقى على العهد، ولا يكون من الذين ينقضون غزلهم بعد قوة أنكاثًا.

فلنحمد الله أن بلغنا رمضان، وأكرمنا بصيامه وقيامه، ونسأله أن يتقبل أعمالنا، ويجعلنا من الفائزين بجنته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مزيد من الخواطر الرمضانية