جبال رمضان

جبال رمضان

رمضان نفحات إيمانية تتجدد

رمضان هو الضيف الكريم الذي يحلّ على القلوب المؤمنة بعد طول انتظار، فتشتاق إليه النفوس، وتتهيأ لاستقباله بما يليق بمقامه. يأتي رمضان ليزكي الأرواح، فيجلو عنها شوائب الحياة، ويرشدها إلى طريق الحق، فيصبح النور دليلها بعد أن كانت تائهة في الظلام.

حين يذكر رمضان، قد تستعرض النفس سجل الأيام الماضية، فتعاودها مشاعر الندم على زلاتها وهفواتها، وربما يتسرب إليها اليأس، فتتثاقل عن العمل، لكنها بذلك تفوّت جوهر هذا الشهر المبارك. رمضان ليس مجرد أيام تمضي، بل هو موسم استثنائي للخيرات، فرصة ثمينة للتغيير والنهوض، كما هو حال التاجر الناجح الذي لا يسمح للندم أن يعطّله عن اقتناص الفرص، بل يسعى جاهداً للاستثمار في كل لحظة.

اصنع ثروة الإيمان في رمضان

كن من أثرياء الإيمان في رمضان، ولا تستصغر نفسك! كما يُقال: “قل لي من تصاحب، أقل لك من أنت”، فإنني أقول: “أخبرني كيف تقضي أيام رمضان، أخبرك من تكون”. في هذا الشهر تصوم الأجساد عن الطعام والشراب، فهل تصوم القلوب عن الحقد والحسد؟ وهل تصوم الألسن عن الغيبة والنميمة وقول الزور؟ رمضان ليس امتناعاً عن الطعام فحسب، بل هو تهذيبٌ للنفس وارتقاءٌ بالروح.

الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- كان يستذكر رمضان في دمشق القديمة، حيث كانت المساجد عامرة بالمصلين، والأسواق مليئة بالحياة النقية، فلا يرى فيها غش ولا خداع، ولا يسمع فيها سباب أو جدال، بل كان الصائمون في رمضان يتحلون بالأخلاق الرفيعة، حتى أن اللصوص كانوا يكفون عن السرقة، وكأن روحانية الشهر المبارك تمتدّ فتغمر الجميع بسكينتها.

حين تصفو القلوب تزكو الحياة

ما أحوجنا اليوم إلى استعادة تلك الأجواء الروحانية! إلى أيام كان رمضان فيها نوراً يغمر كل زاوية، وكانت القلوب عامرة بذكر الله وتلاوة القرآن، فتنقى النفوس، وتصفو الأرواح، ويغلق الشر أبوابه، ويحلّ الخير بين الناس.

لكننا اليوم، كم أضعنا من أوقاتنا في اللهو واللغو؟ وكم ملأنا قلوبنا بالضغائن حتى أصبحت ثقيلة بالأحزان والهموم؟ ألا ندرك أن العلاج الحقيقي هو الإيمان بالله، والرضا بقضائه، وبثّ المحبة والسلام في القلوب؟ ألم يقل الله تعالى: “ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون”؟

نحب رمضان لأنه

نحبه لأن فيه تُرفع راية التوحيد، فلا يُذكر إلا اسم الله، ولأننا قبيل الغروب نرفع أكفّ الدعاء، نرجو رحمته ونخشى عذابه. نحبه في لحظات القيام، حين تتناغم القلوب مع آيات الله، وفي سكون الأسحار حين تهبط الرحمات، وحين تمتدّ الأيدي لتطعم الجائع، وتكفكف دموع اليتيم، وتعين المحتاج. نحبه لأنه يمنح القلوب سلاماً، فتتنفس أرواحنا الطمأنينة، وتشرق الأنوار في أعماقنا.

المؤمن الصادق في رمضان كالجبل الشامخ، تحيط به السحب، فينزل عليه الغيث المبارك، فتزهر الأرض الجافة، وتورق الأشجار، ويعود للحياة رونقها. في رمضان، تُغسل الذنوب، وتصفو القلوب، ويحل برد اليقين، فتهنأ النفوس، وترتقي الأرواح، وتصبح الرحلة إلى الله أكثر سكينةً وجمالاً.

فلنغتنم رمضان كما ينبغي!

رمضان ليس مجرد أيام تمضي في تقويم العام، بل هو محطة إيمانية تمنحنا فرصة لإعادة بناء ذواتنا، وتصحيح مسارات حياتنا. إنه نداء للقلوب التائهة أن تعود، وللأرواح المتعبة أن تستريح، وللذنوب المتراكمة أن تُغفر، وللأحلام المؤجلة أن تُحقق.

ما أجمل أن نستقبل رمضان بقلوب بيضاء نقية، تنبض حباً وخيراً! أن نملأ أوقاتنا بالصلاة والذكر، ونسابق الزمن في الطاعات، ونجعل من الشهر المبارك فرصة للسمو الروحي والتقرب إلى الله. فهو شهر الرحمة والمغفرة، حيث تتنزل البركات، وتُجاب الدعوات، ويكتب الله فيه العتق من النيران.

جبال رمضان
جبال رمضان
كيف نعيش رمضان بروحٍ جديدة؟

1. نقطة بداية جديدة: ليكن رمضان انطلاقةً جديدة لنا، نطهر فيها قلوبنا من الشحناء، ونغسل أرواحنا من الأحقاد، ونبدأ عهداً جديداً مع الله ومع أنفسنا.

2. عبادة بروح مختلفة: لنجعل صلاتنا أكثر خشوعاً، وصيامنا أعمق معنى، وقيامنا أقرب إلى الله، فلا يكون الجوع والعطش فقط، بل جوع إلى المغفرة، وعطش إلى الرحمة.

3. مصالحة مع الذات: فلنتسامح مع أنفسنا، ونتجاوز أخطاء الماضي، ونبدأ من جديد بقلوب أكثر طمأنينة وثقة بالله.

4. إحسان بلا حدود: لنكن أكثر عطاءً، نساعد المحتاج، نفرح الفقير، ونكون سبباً في إدخال السرور على قلوب الآخرين.

5. تطهير اللسان والقلب: نكف عن الغيبة والنميمة، ونحفظ ألسنتنا من اللغو، ونجعل حديثنا طيباً يُدخل السرور على الآخرين.

رمضان فرصة العمر

حين ينتهي رمضان، لننظر إلى أنفسنا ونسأل: كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ هل استثمرنا هذه الأيام كما يجب؟ هل تغيرت قلوبنا وأرواحنا للأفضل؟ أم أننا عدنا إلى ما كنا عليه؟

إن أعظم الخسارة ليست أن يفوتنا رمضان، بل أن يمرّ علينا دون أن نخرج منه بأرواح أنقى وقلوب أكثر قرباً من الله. فلا ندعه يمضي كما أتى، بل نعيشه بوعيٍ وإخلاص، ونغتنم كل لحظة فيه، حتى نخرج منه أثرياء الإيمان، مشرقين باليقين، مطمئنين أن الله قد غفر لنا، وكتبنا من الفائزين.

فاللهم بلغنا رمضان، وأعنا على صيامه وقيامه، وأجعلنا فيه من العتقاء من النار.

مزيد من الخواطر الرمضانية