بدع أحدثها الناس في رمضان
بدع في رمضان
الحمد لله الذي أتم علينا نعمته وأكمل لنا الدين، واختصنا باتباع سيد المرسلين، وهدانا إلى الصراط المستقيم. والصلاة والسلام على النبي الكريم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على كافة الخلائق أجمعين، وعلى آله وصحبه الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تمـام الدين وكمال الشريعة
إن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لعباده دينهم، وأتم عليهم نعمه، وجعل الإسلام منهج حياة لهم، كما قال في كتابه العزيز:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
إلا أن من الملاحظ أن هناك فئة من الناس تبتدع في الدين ما لم يشرعه الله، فتستحدث أعمالًا لم ترد في الكتاب والسنة، بينما تهمل السنن الصحيحة، وقد يصل الحال ببعضهم إلى التهاون بالواجبات الشرعية، في حين يظهر لديهم حماس شديد للبدع والحرص على ممارستها.
البدع المنتشرة في رمضان
لقد تفنن أهل الأهواء في اختراع البدع ونشرها بين الناس بزخرف القول، حتى غدت بعض هذه الممارسات وكأنها من الدين، بينما هي في الواقع مخالفة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. ومن البدع التي استحدثها الناس، ما يتعلق بشهر رمضان، ذلك الشهر العظيم الذي خصه الله بمزايا عديدة، وشرع فيه العبادات التي تقرب العبد إلى ربه. غير أن بعض المبتدعين استبدلوا هذه العبادات المشروعة بممارسات لا أصل لها في الدين، مما صرف كثيرًا من الناس عن أداء العبادات الحقيقية.
من البدع المنتشرة في رمضان
1- تخصيص قراءة سورة الأنعام في صلاة التراويح
من الممارسات التي انتشرت تخصيص سورة الأنعام بالقراءة في ركعة واحدة من صلاة التراويح، وخاصة في الليلة السابعة من رمضان. ويُستدل على ذلك بأحاديث غير ثابتة، ويترتب على هذا الفعل عدد من المخالفات:
تخصيص هذه السورة دون غيرها، مما قد يوهم بأنها الأفضل في هذا الموضع.
اقتصار هذا الفعل على صلاة التراويح وفي الركعة الأخيرة منها تحديدًا.
المشقة التي تلحق بالمصلين نتيجة إطالة الركعة بشكل غير مألوف
مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم القراءة بين الركعات.
وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ببدعية هذا الفعل، حيث لم يرد عن النبي أو الصحابة أو التابعين أنهم خصصوا سورة معينة لهذا الغرض.
2- أداء صلاة التراويح بعد المغرب
ابتدع البعض صلاة التراويح بعد صلاة المغرب، وهو أمر يخالف ما عليه جمهور المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إن قيام الليل في رمضان يبدأ بعد صلاة العشاء. ويعود أصل هذه البدعة إلى بعض الفرق التي خالفت السنة في مواضع كثيرة، واعتبرت صلاة التراويح بدعة في أصلها، فجعلتها بعد المغرب تقليلًا من شأنها.
3- ما يسمى بـ “صلاة القدر”
وهي صلاة مستحدثة يؤديها بعض الناس في الليالي التي يعتقدون أنها ليلة القدر، حيث يصلون مائة ركعة، زاعمين أنها من الأعمال المشروعة. وقد أكد العلماء أن هذه الصلاة لم يرد بها نص صحيح، ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من صحابته الكرام، وهي بدعة يجب اجتنابها.
4- الأذكار الجماعية بعد كل ركعتين في التراويح
من الممارسات التي انتشرت بين الناس رفع أصواتهم بالأذكار بعد كل ركعتين من صلاة التراويح بشكل جماعي، وهذا من الأمور التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، بل هو إحداث في الدين. كما أن قول المؤذن بعد هذه الأذكار: “الصلاة يرحمكم الله”، هو أيضًا أمر محدث لا أصل له.
5- الاعتقاد بعدم مشروعية التراويح إلا في النصف الثاني من رمضان
هناك من يعتقد خطأً أن صلاة التراويح لا تُقام إلا في العشر الأواخر أو النصف الثاني من رمضان، بينما الصحيح أنها سنة مؤكدة طوال الشهر، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أول الشهر وأوسطه وآخره.
6- بدعة “التسحير”
يعتقد البعض أن إيقاظ الناس للسحور بأساليب خاصة، مثل قراءة آيات معينة من القرآن بصوت مرتفع عبر مكبرات الصوت، أو استخدام الطبول والأناشيد، هو أمر مشروع، لكنه في الواقع من البدع التي لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد درجت بعض البلدان على أساليب مختلفة في التسحير، مثل:
في بعض الدول، يردد المؤذنون آيات معينة ويدعون الناس للسحور بأساليب لا أصل لها في السنة.
في الشام، يُستخدم الغناء والطبول في التسحير.
في المغرب، تُقرع الأبواق والنفير في أوقات معينة، مما يشابه ما يستخدم في الأفراح والمناسبات.
كل هذه الممارسات لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هناك ما يستدعي إحداثها، إذ إن الأذان الأول للفجر يكفي كتنبيه للسحور.
7- كتابة “الأوراق الحافظة” في آخر جمعة من رمضان
من البدع المنتشرة في بعض الأماكن، كتابة أوراق يطلق عليها “الحفائظ” في آخر جمعة من رمضان، حيث تتضمن عبارات يزعمون أنها تحفظ من الأذى والسرقة والحرائق. وهذه الممارسات لا أساس لها في الدين، وتعد من الخرافات التي يجب محاربتها.
8- إقامة الموالد والحضرات في رمضان
يعتقد البعض أن إقامة الموالد وما يعرف بـ “الحضرات” في رمضان هو تعبير عن حب النبي صلى الله عليه وسلم، في حين أن الحب الحقيقي له يتمثل في اتباع سنته، لا في ابتداع أمور لم يفعلها هو ولا أصحابه. وتكثر هذه الموالد في بعض الأشهر، لكنها تزداد انتشارًا في رمضان، حيث يستغل المبتدعة تعلق الناس بالدين، ويجعلون من هذه البدع وسيلة لكسب الشعبية

التمسك بالسنة والابتعاد عن البدع
لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الابتداع في الدين، وحذر من مغبة اتباع الهوى والانحراف عن سنته، حيث قال:
“إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة” (رواه أبو داود).
فالخير كل الخير في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والشر كل الشر في الابتداع في الدين. ومن واجب المسلمين الحريصين على الحق أن يجتنبوا البدع، وأن يحرصوا على نشر الوعي الصحيح، والتمسك بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
أثر البدع على الدين والمجتمع
إن انتشار البدع في العبادات يؤدي إلى عدة آثار سلبية على الفرد والمجتمع، منها:
1. الانحراف عن السنة: فكلما زاد تمسك الناس بالبدع، قلَّ تمسكهم بالسنة، وربما ظنوا أن ما يفعلونه من أمور محدثة هو جزء من الدين، بينما هو في الحقيقة بعيد عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
2. إشغال المسلمين عن العبادات الصحيحة: فبدلًا من التركيز على العبادات المشروعة التي جاء بها الإسلام، ينشغل الناس بممارسات غير صحيحة، مما يضعف صلتهم الحقيقية بالله.
3. تقسيم المسلمين وإثارة الخلافات: فالبدع تفرق الأمة، حيث يتمسك بعض الناس بها ويروجون لها، بينما يسعى آخرون للتمسك بالسنة، مما يؤدي إلى النزاع والتفرقة.
4. إضعاف روح العبادة: لأن البدع تخلق مظاهر شكلية زائفة للعبادة، دون أن يكون لها الأثر الروحي الصحيح الذي شرعه الله للمسلمين.
كيفية مواجهة البدع
لمحاربة البدع والحد من انتشارها، ينبغي على المسلمين اتباع الخطوات التالية:
1. تعلم العلم الشرعي الصحيح: فالجهل هو السبب الرئيسي لانتشار البدع، لذلك فإن طلب العلم من مصادره الصحيحة هو الوسيلة الأقوى لمواجهتها.
2. نشر الوعي بين الناس: ينبغي على العلماء والدعاة والمصلحين بيان حقيقة البدع للناس، وإرشادهم إلى الطريق الصحيح المستمد من الكتاب والسنة.
3. التأكيد على أهمية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: يجب تذكير الناس بأن الخير كله في اتباع سنته، وأن التمسك بهديه هو الطريق الوحيد للوصول إلى رضا الله.
4. تجنب الممارسات البدعية وعدم المشاركة فيها: فمن واجب المسلم أن يبتعد عن أي بدعة، وأن يحذر غيره منها بالحكمة والموعظة الحسنة.
5. التعاون مع العلماء الموثوقين: فالعلماء هم ورثة الأنبياء، ومن خلال التزام فتاواهم وتوجيهاتهم، يمكن التصدي للبدع بطريقة علمية صحيحة
إن الإسلام دين كامل متكامل، فلا حاجة لزيادة أو نقصان، وقد أمرنا الله باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ونهانا عن الابتداع، فقال عز وجل:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7].
فعلى المسلمين جميعًا أن يحرصوا على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجتنبوا البدع التي تفسد عباداتهم وتفرق صفوفهم، ولنعلم جميعًا أن الخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من التابعين لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجنبنا الفتن والبدع ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع مجيب.
دور المسلم في حماية الدين من البدع
كل مسلم مسؤول عن الحفاظ على صفاء الدين، وحمايته من التشويه والابتداع، وذلك باتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. ولتحقيق ذلك، يمكن للمسلم أن يقوم بعدة أمور، منها:
1. التمسك بالسنة في كل الأمور
الالتزام بالعبادات كما وردت في الكتاب والسنة دون إضافة أو نقصان.
اتباع نهج الصحابة والسلف الصالح في تطبيق الدين دون غلو أو تفريط.
الحذر من العادات الاجتماعية التي قد تتداخل مع العبادات وتؤدي إلى تحريفها عن أصلها.
2. التحقق من صحة المعلومات الدينية
عدم قبول أي ممارسة أو اعتقاد ديني دون التثبت من مصدره الشرعي.
الرجوع إلى العلماء الموثوقين وكتب الحديث والتفسير الصحيحة قبل تبني أي قول أو ممارسة.
عدم نشر أي دعوة أو عمل ديني دون التأكد من شرعيته، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الحديثة.
3. توعية الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة
نشر العلم الشرعي بين الأهل والأصدقاء بطريقة لطيفة دون تعنيف أو تجريح.
استخدام الأساليب المقنعة المستندة إلى الأدلة الشرعية عند تصحيح الأخطاء.
توضيح خطورة البدع على الدين وكيف أنها تضعف ارتباط المسلمين بالحق.
4. التعاون مع المؤسسات العلمية والدينية
دعم العلماء والمشايخ في جهودهم لنشر السنة ومحاربة البدع.
الاستفادة من الدورات والندوات التي تركز على تعليم الفقه الصحيح.
العمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الناس حول العبادات والمعاملات.
5. الحذر من التعصب للأفكار المخالفة للسنة
عدم الانقياد وراء أي تيار أو مجموعة تدعو إلى ممارسات غير ثابتة في الدين.
تجنب التعصب للمذاهب والأفكار التي تخالف الكتاب والسنة.
الاستماع إلى آراء العلماء الكبار والراسخين في العلم قبل الحكم على أي مسألة دينية.
خطر البدع على عقيدة المسلم
إن أخطر ما في البدع أنها تفتح الباب للتحريف والتغيير في الدين، فتبدأ بممارسات بسيطة ثم تتطور لتصبح جزءًا من العقيدة عند بعض الناس، مما يؤدي إلى:
1. الابتعاد عن روح العبادة الحقيقية: حيث تتحول بعض الممارسات البدعية إلى عادات متوارثة لا أساس لها في الشرع.
2. إضعاف التوحيد: إذ إن بعض البدع قد تتضمن مخالفات عقدية، مثل التوسل بغير الله أو الاعتقاد في أمور لم يشرعها الإسلام.
3. تقسيم الأمة وإثارة الفتن: حيث تتسبب البدع في ظهور الخلافات والنزاعات بين المسلمين، وتؤدي إلى انقسامهم إلى فرق ومذاهب مختلفة.
4. الانشغال بالبدع عن الواجبات: فكثير من الناس قد يهتمون بممارسات غير مشروعة ويغفلون عن العبادات التي أمر بها الله ورسوله.
دعوة للعودة إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم
إن الحل الوحيد للحفاظ على نقاء الدين هو العودة إلى المصدرين الأساسيين للإسلام: القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. فمن أراد النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، فعليه أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويسير على نهج صحابته الكرام الذين كانوا أشد الناس حرصًا على التمسك بالدين كما أنزله الله.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بهذا المنهج فقال:
“تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي” (رواه مالك في الموطأ).
كما قال صلى الله عليه وسلم: “من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد” (رواه مسلم).
الخاتمة
إن البدع خطر عظيم يهدد صفاء الإسلام ويؤثر سلبًا على عقيدة المسلمين، ولذلك فإن مسؤولية كل مسلم أن يتبع السنة، ويتجنب الابتداع في الدين، ويحرص على نشر العلم الشرعي الصحيح. فالسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة مرهونان بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتمسك بهديه، والبعد عن كل ما يخالف شرع الله.
اللهم اجعلنا من المتمسكين بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، واهدنا إلى الصراط المستقيم، واجنبنا الفتن والبدع والضلالات، وثبتنا على الحق حتى نلقاك.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.