المنجيات من الفتن واستقبال رمضان

المنجيات من الفتن واستقبال رمضان

الفتن وأثرها على الإنسان والمجتمع وسبل الوقاية منها

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فقد قال الله تعالى:

> (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]

لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات اقتراب الساعة ظهور الفتن العظيمة، التي يختلط فيها الحق بالباطل، فتصيب الإيمان بالزلزلة حتى يصبح المرء مؤمنًا في الصباح، ثم ينقلب كافرًا في المساء، أو العكس، فتتابع الفتن وتتوالى حتى يحسب المؤمن أن كل فتنة ستؤدي إلى هلاكه، لتظهر بعدها أخرى أشد وأعظم.

وكان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه من أكثر الصحابة اهتمامًا بأحاديث الفتن، وكان يقول:

“إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني.”

واليوم، نعيش في زمن تلاطمت فيه أمواج الفتن، وانتشرت فيه المفاسد، واختلطت المفاهيم، فأصبحت الفتن تحيط بالناس من كل جانب، سواء كانت فتن الشبهات التي تفسد العقائد، أو فتن الشهوات التي تغرق النفوس في المعاصي، أو فتن تنازع الآراء التي تفرق بين المسلمين، فتجعلهم كالأوراق الجافة، تتقاذفها الرياح يمينًا ويسارًا.

قال الوزير ابن هبيرة محذرًا:

“احذروا مصارع العقول عند التهاب الشهوات.”

ويقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:

“إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن.”

عقوبات الفتن وعواقبها

حذر الله تعالى الأمة من مخالفة أوامره، وبيّن أن عاقبة ذلك ستكون الوقوع في الفتن، فقال:

> (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

وقد تكون هذه الفتن على شكل انتشار الظلم، أو كثرة القتل، أو الزلازل والبراكين، أو استبداد الحكام الظالمين، أو الأمراض والأوبئة، أو الضيق في المعيشة.

وهذه الفتن إذا نزلت لا تقتصر على الظالمين وحدهم، بل تصيب الجميع، كما قال تعالى:

> (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال: 25].

الوقاية من الفتن

نظرًا لخطورة الفتن وضررها العظيم، حرصت الشريعة الإسلامية على وضع منهج واضح للنجاة منها، ومن ذلك:

1. التمسك بالقرآن الكريم والعمل به

قال تعالى:

> (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123].

فالقرآن هو حبل الله المتين، فيه العصمة من الفتن والثبات على الحق.

2. اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم

لا نجاة من الفتن إلا بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة والسلوك، قال تعالى:

> (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) [النحل: 102].

3. اللجوء إلى الله بالدعاء

كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كثيرًا بقوله:

“يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك.”

كما أوصى الصحابة بالتعوذ من الفتن، فقال:

“تعوذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.” (رواه مسلم).

4. الإكثار من الأعمال الصالحة

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا.” (رواه مسلم).

5. الصبر والتقوى

قال الله تعالى:

> (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران: 186].

6. الإخلاص لله في العبادة

فقد نجّى الله يوسف عليه السلام من الفتنة بإخلاصه، فقال تعالى:

> (كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24]

النجاة من الفتن والاستعداد لشهر رمضان

ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك، فإنه فرصة عظيمة للنجاة من الفتن، فبه تزكو النفوس، وتصفو القلوب، وتزداد العزائم قوة.

وحتى يكون رمضان موسمًا للخير والبركة، يجب:

إصلاح القلوب وتطهيرها من الذنوب، فالقلب الممتلئ بالمعاصي لا يتأثر بالقرآن.

التخلص من الضغائن والأحقاد، لأن الشحناء سبب لعدم قبول الأعمال.

التحقق من طهارة المال من الحرام، فالمال الحرام يمنع استجابة الدعاء.

نسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا على طاعته فيه، وأن يجعله سببًا في تزكية نفوسنا، وزيادة إيماننا، وحمايتنا من الفتن.

اللهم احفظنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وثبت قلوبنا على دينك، وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين.

الخطبة الثانية: الاستعداد لشهر رمضان وتقوى الله

الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور، وضاعف فيه الأجور، أحمده سبحانه وأشكره، فهو الغفور الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أرجو بها الفوز بدار القرار والسرور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم النشور.

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى:

> (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

عباد الله:

ها نحن على أعتاب شهر رمضان المبارك، أيامٌ قلائل ونستقبل ضيفًا عظيمًا، شهرٌ تُفتَّح فيه أبواب الجنة، وتُغلَّق فيه أبواب النار، وتُصفَّد الشياطين، فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، فكيف نستعد لهذا الموسم العظيم؟

الاستعداد لشهر رمضان

1. تهيئة القلوب واستقبال رمضان بنية صادقة

فمن أراد الانتفاع برمضان، فليهيئ قلبه بالتوبة والإنابة، وليجعل همه في هذا الشهر تزكية نفسه وزيادة إيمانه.

2. تنقية النفوس من الضغائن والأحقاد

فلا يُقبل على رمضان من كان قاطعًا لرحمه، أو هاجرًا لأخيه المسلم، أو مشحونًا بالحقد والحسد، فكيف يُرجى القبول لمن ملأ قلبه بالشحناء؟

3. الإقبال على القرآن الكريم

فرمضان شهر القرآن، فينبغي للمسلم أن يستعد له بالإكثار من تلاوة كتاب الله وتدبر معانيه، قال تعالى:

> (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].

المنجيات من الفتن واستقبال رمضان
المنجيات من الفتن واستقبال رمضان

4. التوبة النصوح من الذنوب والمعاصي

فرمضان فرصة لمحو الذنوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه.” (متفق عليه).

5. تحري المال الحلال وتطهيره من الحرام

فكم من دعاءٍ يُرفع إلى السماء في رمضان، فلا يُستجاب لصاحبه بسبب المال الحرام

6. التدرب على الطاعة والإكثار من النوافل

ليكن رمضان بداية عهد جديد مع الطاعات، فالمحروم من يدخل رمضان ويخرج منه ولم يتغير حاله.

اغتنام رمضان في الأعمال الصالحة

الصيام عن كل معصية، لا عن الطعام والشراب فقط، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه.” (رواه البخاري).

الإكثار من الدعاء، فهو شهر إجابة الدعوات، قال الله تعالى:

> (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186]

الحرص على قيام الليل والتهجد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه.” (متفق عليه).

الصدقة والجود، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

عباد الله:

لقد جاء رمضان ليكون محطة إيمانية، مدرسة تربوية، ميدانًا للعبادة والتقوى، فمن قصَّر فيه فقد ضيَّع فرصة العمر، ومن استثمره فاز فوزًا عظيمًا.

دعاء وختام

اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام، وتقبَّل منا الطاعات، واغفر لنا الذنوب والزلات، واعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأصلح أحوال الأمة، واجعل هذا الشهر المبارك شهر نصر وتمكين للمسلمين في كل مكان.

اللهم تقبل منا أعمالنا، واغفر لنا خطايانا، وارزقنا حسن الخاتمة، واجمعنا في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مزيد من الخواطر الرمضانية