رمضان مدرسة تهذيب الشهوات

خطوات عملية لاستقبال رمضان

إستقبال رمضان

تستعد قلوب المؤمنين بكل شوق وترقب لاستقبال شهر رمضان المبارك، ذلك الضيف الكريم الذي يعد نعمة عظيمة من الله عز وجل. وقد كان السلف الصالح – رضي الله عنهم – يعمدون إلى التهيئة المسبقة لهذا الشهر الفضيل مع بداية شهر شعبان، حتى يدخل عليهم رمضان وهم مهيأون للعبادة والطاعات، دون أن يفاجئهم الوقت دون استعداد.

وقد سبقهم إلى ذلك نبينا الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يكثر من الصيام في شعبان، كما روت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قائلة: “ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان.”

أما الحكمة من كثرة صيامه في هذا الشهر، فقد أشار العلماء إلى عدة أسباب، منها أنه كان يقضي ما فاته من صيام الأيام الثلاثة المستحبة من كل شهر بسبب السفر أو الانشغال، أو لأنه كان يحرص على تعظيم شهر رمضان والاستعداد له، أو لأن نساءه كن يقضين ما عليهن من أيام رمضان الفائت في شعبان، فكان يصوم معهن. كما ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – قوله: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.”

وقد ذكر الإمام ابن رجب – رحمه الله – أن تميز شهر شعبان يكمن في أنه وقت يغفل عنه كثير من الناس، لذا فإن الإكثار من الطاعات فيه مستحب، كما أن العبادة في أوقات الغفلة لها منزلة عظيمة عند الله.

الاستعداد لشهر رمضان

لكي ينال المسلم المغفرة والرحمة في رمضان، يجب أن يستعد لهذا الشهر العظيم كما كان يفعل السلف الصالح، الذين كانوا يعتبرون شهر شعبان بمثابة المرحلة التدريبية التي تسبق السباق إلى الجنة. فمن لا يعد نفسه جيدًا، قد يفتر في منتصف رمضان أو آخره، فيفوته خير كثير.

كما أن البعض يدخل رمضان دون أن يكون قد درب نفسه على العبادة، فلا يشعر إلا وقد انقضى ربع أو ثلث الشهر وهو لا يزال يحاول التكيف مع أجوائه الإيمانية. ولهذا كان الإمام ابن القيم – رحمه الله – يحذر من أمرين خطيرين: أولهما رد الحق لمخالفته الهوى، وثانيهما التهاون في أداء الأعمال الصالحة عند حلول وقتها، مما يؤدي إلى الحرمان من الخير والتوفيق.

ومن هنا يتضح أن الاستعداد لرمضان ليس ترفًا، بل ضرورة تضمن للعبد أن يكون من الفائزين في هذا الشهر الكريم، فلا يقع في التثبيط عن الطاعات بسبب قلة التهيئة والإعداد.

خطوات عملية للاستعداد لرمضان

للاستفادة القصوى من رمضان، يمكن للمسلم اتباع الخطوات التالية:

1. إثارة الشوق لرمضان: وذلك بتذكير القلب بفضائل هذا الشهر، واستشعار الرحمة والمغفرة التي تغمر العباد فيه.

2. تهيئة القلب: فكما أن يعقوب – عليه السلام – شم رائحة يوسف عن بعد، فإن القلب يمكن أن يستشعر نفحات رمضان قبل قدومه، مما يجعله أكثر استعدادًا لاستقباله.

3. التدرّب على العبادات:

الإكثار من الصيام في شعبان، استعدادًا لصيام رمضان.

زيادة نصيب قيام الليل، حتى يكون القلب مستعدًا لقيام رمضان.

تلاوة القرآن الكريم بتدبر، حتى يزداد تعلق القلب به.

4. تهيئة الأسرة:

تذكير الأهل والأبناء بفضل رمضان.

تدريبهم على الصيام والقيام، وتحفيزهم على قراءة القرآن.

تخصيص جلسات أسرية لمناقشة الاستعدادات الروحية لرمضان.

5. محاسبة النفس: تحديد أهداف روحانية لهذا الشهر، ومراجعة التقدم اليومي فيها، حتى لا يدخل رمضان دون خطة واضحة لتحقيق أكبر قدر من الطاعات.

6. إدارة الوقت بحكمة:

إنهاء الأعمال الدنيوية المرهقة قبل رمضان، حتى يتفرغ المسلم للعبادة.

تقليل الانشغال بالتحضيرات غير الضرورية، مثل التجهيز للعيد في منتصف رمضان.

تقليل الخلطة الاجتماعية غير الضرورية، حتى لا يضيع الوقت فيما لا ينفع

7. التقليل من وسائل التواصل الاجتماعي: فهذه الوسائل تعد من أكثر الأمور التي تسرق الوقت، ولذلك فمن الأفضل تقليل استخدامها تدريجيًا حتى لا تشكل عائقًا في رمضان.

8. الإكثار من الدعاء: فمن أراد توفيقًا في رمضان، فعليه أن يسأل الله التيسير والقبول، فهو الكريم الذي يوفق عباده لكل خير.

الاستعداد الروحي عبر القرآن

من أهم ما يعين على الاستعداد لشهر رمضان أن يبدأ المسلم من الآن بتدريب نفسه على قراءة القرآن بطريقة مختلفة. فبدلاً من التركيز على عدد الصفحات، ينبغي التركيز على فهم الرسائل الربانية والتفاعل معها. يقول الله تعالى:

“لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ” [الحشر: 21].

وهذا يدل على أن القرآن ليس مجرد كلمات تُقرأ، بل رسائل إلهية يجب أن تلامس القلب وتغيّر السلوك.

يقول الإمام الحسن بن علي – رضي الله عنه – في هذا الصدد: “إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار.” فمن قرأ القرآن بهذه الطريقة، سيتغير حاله لا محالة، وستنعكس آياته على سلوكه وحياته.

لحظة تأمل قبل رمضان

ينبغي للمسلم أن يخصص وقتًا يوميًا في شعبان للخلوة مع الله، حتى يرق قلبه ويستعد لاستقبال رمضان بصفاء نفسي وروحي. فمن وفقه الله لبكاء خاشع في خلوته، فقد نال مقامًا عظيمًا، إذ قال النبي – صلى الله عليه وسلم – عن السبعة الذين يظلهم الله بظله: “ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه.”

وينبغي أن تكون هذه الخلوة خالية من المشتتات، فلا يصح أن يكون الهاتف في يدك أثناءها، بل يجب أن تكون لحظة صدق مع الله، تذكر فيها ذنوبك، وتتوب منها، وتحاسب نفسك على تقصيرك.

كلمة أخيرة

يا من فرطت في الأوقات الشريفة، ها هو شعبان قد بدأ، ولم يبق إلا أيام معدودات على رمضان. فاحرص على الاستعداد لهذا الشهر من الآن، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، حتى لا تفاجأ بدخوله وأنت لم تهيئ نفسك له.

يقول الإمام ابن رجب – رحمه الله -:

“مضى رجب وما أحسنت فيه، وهذا شهر شعبان المبارك، فاحذر أن يضيع منك كما ضاع غيره، فسوف تفارق اللذات قسرًا، فاستعد قبل أن يفوت الأوان.”

مواصلة الاستعداد لرمضان: خطوات عملية إضافية

لضمان تحقيق أقصى استفادة من شهر رمضان المبارك، هناك بعض العادات والأعمال التي يمكن للمسلم أن يحرص عليها في الأيام المتبقية من شعبان، ليكون على أتم استعداد لهذا الشهر العظيم:

1- التخلص من العادات السيئة

رمضان فرصة عظيمة للتغيير والتحول نحو الأفضل، لذا من الحكمة أن يبدأ المسلم في الإقلاع عن العادات السلبية قبل دخول الشهر الكريم، مثل:

التسويف والتكاسل في العبادات: كالمماطلة في أداء الصلاة في وقتها.

إدمان وسائل التواصل الاجتماعي: والانشغال بأمور لا تعود بالنفع.

الإفراط في الطعام والشراب: حتى يكون الجسم مهيأً للصيام بسهولة.

خطوات عملية لاستقبال رمضان
خطوات عملية لاستقبال رمضان

كثرة الكلام فيما لا ينفع: كالنميمة والجدال العقيم.

2- التدرج في العبادات

حتى لا يكون الانتقال مفاجئًا، يفضل أن يبدأ الإنسان بتكثيف عباداته تدريجيًا، مثل:

زيادة عدد ركعات قيام الليل: حتى يصبح القيام في رمضان عادة مألوفة.

قراءة القرآن يوميًا: ولو بقدر يسير، على أن يتم التدبر والتأمل في معانيه.

التدرب على الصيام: بصيام بعض أيام شعبان، حتى يعتاد الجسم والروح على ذلك.

التصدق والإحسان إلى الآخرين: فكما أن رمضان شهر الصيام، فهو أيضًا شهر الجود والعطاء.

3- تصفية القلب من الضغائن

من أعظم ما يعيق العبد عن الاستفادة من رمضان هو حمله للضغائن والحقد في قلبه. لذا، فإن من الضروري أن يسامح الإنسان من أساء إليه، ويطلب العفو من الآخرين، ويدخل رمضان بقلب صافٍ خالٍ من الغل، حتى يكون مؤهلًا لتلقي الرحمة والمغفرة من الله.

4- تنظيم الوقت وجدولة الأعمال

ينبغي أن يكون لدى المسلم خطة واضحة لشهر رمضان، بحيث يتمكن من:

تنظيم وقته بين العبادة والعمل والأسرة.

تحديد ورد يومي من القرآن، مع الحرص على تدبره.

الحرص على أداء صلاة التراويح وعدم التكاسل عنها.

تقليل الانشغال بالأمور الدنيوية، واغتنام كل لحظة في الطاعة.

5- الإكثار من الدعاء

رمضان شهر الدعاء، ومن أجمل ما يمكن أن يفعله المسلم قبل قدومه هو أن يسأل الله أن يبلغه رمضان ويوفقه فيه للطاعة. ومن الأدعية المأثورة في هذا السياق: “اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، وارزقنا فيه القبول والرضوان، واجعلنا من عتقائك من النار.”

6- الاستعداد النفسي والروحي

رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة روحية تهدف إلى تهذيب النفس والتقرب إلى الله. لذلك، من الضروري أن:

يضع المسلم في ذهنه أهدافًا واضحة لرمضان، مثل تحسين أخلاقه، والمواظبة على الصلاة في المسجد، والتقليل من الغضب والانفعال.

يقرأ عن فضائل رمضان وأحكامه، حتى يكون على دراية بكل ما يتعلق به.

يستشعر عظمة الشهر الكريم، ويتذكر أنه قد يكون آخر رمضان له في هذه الدنيا.

الخاتمة: لا تؤجل العمل، وابدأ الآن!

رمضان فرصة ذهبية للتغيير، ولكنه لا يصنع المعجزات لمن لم يهيئ نفسه له. فكما أن الرياضي لا يستطيع الفوز في السباق دون تدريب مسبق، فإن المسلم لا يمكنه اغتنام رمضان إذا دخل عليه دون استعداد.

فلنبدأ من الآن في تجهيز قلوبنا وأرواحنا لهذا الموسم العظيم، حتى إذا حل رمضان، وجدنا أنفسنا في قمة النشاط والهمة، مستعدين لحصد الأجر والثواب

يقول الحسن البصري – رحمه الله -: “إن الله جعل رمضان مضمارًا لعباده، يستبقون فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا.”

فلنكن من الفائزين، ولنستعد لهذا الشهر بكل ما أوتينا من قوة، حتى ننال رضا الله ونسعد برؤية ثمرة أعمالنا يوم القيامة.

اللهم اجعلنا من المقبولين في رمضان، ومن الفائزين برحمتك ورضوانك، ولا تحرمنا أجره بسبب غفلتنا وتقصيرنا. آمين.

فلنغتنم ما بقي من أيام شعبان، ولنهيئ قلوبنا لاستقبال شهر الرحمة، حتى يكون رمضان هذا العام مختلفًا عن كل رمضان مضى.

مزيد من الخواطر الرمضانية