جماليات خطاب القرآن عن رمضان
خطاب القرآن عن رمضان
الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الإسلام، وخصَّنا بالقرآن، وعلَّمنا البيان وفنون اللغة العربية، وهي نِعَمٌ جليلة قد يغفل عنها البعض، فيا لَخَسارةِ من فاته إدراكُ قيمتها العظيمة! كم من أقوام يتطلَّعون إلى ثقافاتٍ أخرى، غافلين عن الآخرة، معرضين عن نور الهداية، بينما نحن مَنَّ الله علينا بلسانٍ عربيٍّ مبين، يُمكِّننا من تلقي الخطاب الإلهي بصورته الأصيلة، وهذا فضلٌ عظيم.
إنّ الله سبحانه وتعالى اختار لنا الإسلام دينًا، وأتمَّ علينا به النعمة، وجعل التشريع فيه كاملًا بلا نقصان. فإما اجتهادٌ صائبٌ في فهمه، وإما اجتهادٌ مأجور وإن لم يُصب الحقيقة، أو انحرافٌ يُصحَّح بما يستقيم به الأمر، إما بحجة الدليل أو بقوة الحاكم العادل. ودينُ الله محفوظٌ، مهما تغيَّرت الأحوال، فالخوف ليس على الدين ذاته، وإنما على قلوب العباد واستقامتهم عليه، والله هو الحافظ الحارس.
الخطاب القرآني عن شهر رمضان
شهر رمضان ذكره الله في القرآن مرةً واحدةً في سورة البقرة، وهو أمر يحمل دلالةً عظيمة، إذ جاءت الإشارة إليه في سياق الحديث عن فريضة الصيام، حيث قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ… شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ…)
وهنا تتجلَّى روعة الخطاب القرآني الذي يربط بين فريضة الصيام والغاية منها، وهي تحقيق التقوى. كما أن تخصيص سورة البقرة، وهي أطول سور القرآن، لهذا الذكر الوحيد لشهر رمضان يضفي أهميةً خاصة عليه، لا سيما وأن هذه السورة تحوي آية الكرسي وآخر آيتين اللتين لهما فضائل عظيمة، وتعد من السور التي تبطل السحر وتعجز السحرة.
أسلوب النداء في الخطاب القرآني
يبدأ الخطاب القرآني عن الصيام بنداء الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا…)، وهو أسلوب يحمل في طياته تكريمًا للمخاطَبين، إذ يناديهم الله بصفة الإيمان، فما أعظم هذا التشريف! وفي هذا توجيه لنا إلى أن نحسن مخاطبة الناس بأفضل الألقاب، ونبتعد عن الأوصاف الجارحة. كما أن هذا النداء يرسِّخ مفهومًا مهمًا، وهو أن رابطة “الإيمان” هي الأساس الذي يجمع الأمة الإسلامية، فلا تحتاج إلى مسميات أخرى تفرِّقها.
تخفيف التكليف وتشجيع الامتثال
ومن الجماليات الأخرى في الخطاب القرآني أنه يجعل التكليف بالصيام أمرًا مألوفًا، إذ يخبرنا بأن الأمم السابقة قد كُلِّفت به أيضًا: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)، مما يخفف على النفس ثقل التكليف، ويجعل الإنسان أكثر استعدادًا لقبوله، إذ يشعر بأنه ليس وحيدًا في هذا الامتحان، بل هو أمرٌ قد اجتازه غيره من قبل
تحفيز المؤمنين على الصيام
لم يأتِ الأمر بالصيام مجرد فرضٍ جامد، بل جاء بأسلوب يشجع المؤمن على الامتثال، فبعد ذكر فرضية الصيام، جاء بيان الحكمة منه، وهي تحصيل التقوى، ثم أعقب ذلك بتذكيرٍ بأن هذه الأيام معدودة يسهل الصبر عليها، وأن الله يريد بعباده اليسر لا العسر، وهي إشارات تحفيزية تجعل الالتزام بالصيام أكثر قبولًا للنفس.
فتح باب الرخص والتيسير
من رحمة الله بعباده أن جعل للصيام أحكامًا تيسيرية، فالمريض والمسافر لهما رخصة الإفطار مع قضاء الأيام لاحقًا، كما أتاح للمُكلَّف أن يُكفِّر عن صيامه إن كان غير قادر عليه، وهذه الأحكام تبرز المنهج الإلهي القائم على التوازن بين الالتزام والرحمة، وهو درسٌ بليغٌ لمن يضع القوانين ويصدر الأوامر، فالتشديد قد يؤدي إلى النفور، بينما التيسير يجعل الطاعة مستدامة.

الربط بين رمضان والدعاء
من اللطائف في آيات الصيام أنها تتوسطها آيةٌ تتحدث عن الدعاء:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ…)
وكأنها إشارة إلى أن رمضان ليس فقط شهر الصيام، بل هو أيضًا شهر القرب من الله بالدعاء، وهذه لمحة عظيمة، فمن اجتهد في الدعاء في هذا الشهر الكريم، كان أقرب إلى إجابة دعائه.
رمضان: أيام معدودة بفرص عظيمة
يصف الله رمضان بأنه “أيام معدودات”، وهي إشارة إلى أن مدته قصيرة يسهل تحملها، مما يبعث الطمأنينة في النفوس، ويحفز على اغتنام الفرصة قبل انتهائها. وهذه الطريقة في الطرح لها أثر كبير على تحفيز العزائم، فمن رأى أن الأمر يسير كان أكثر استعدادًا للإقدام عليه، وهو أسلوب يمكن تطبيقه في مجالات كثيرة، سواء في التربية أو في تحفيز الذات على الإنجاز.
الخاتمة
هنيئًا لنا نحن المسلمين بهذا الشهر الفضيل، وبهذه الفرصة العظيمة التي