معرفة طريق الوصول إلى نيل الأجور في شهر رمضان
كيفية تحقيق الأجر في شهر رمضان المبارك
الحمد لله الذي نستعين به ونستغفره، ونلجأ إليه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا. كان صلوات ربي وسلامه عليه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ففتح الله به أعينًا عميًا وقلوبًا غُلفًا، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فضل شهر رمضان
لا يخفى على أحد عظمة شهر رمضان المبارك، فهو موسم مضاعفة الحسنات، شهر تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، وتُصفّد فيه الشياطين، مما يمنح المؤمن فرصة عظيمة للإقبال على الطاعات. ولأن هذا الشهر فرصة لا تعوّض، وجب على كل مسلم أن يستثمره في التقرب إلى الله تعالى، ولهذا سأركز في هذا المقال على بعض الطرق التي تعين على نيل الأجور العظيمة في رمضان.
طرق تحصيل الأجر في رمضان
١- الاستعانة بالله والتوكل عليه
قبل أداء أي عبادة، ينبغي أن يتوكل العبد على الله ويطلب منه العون والتوفيق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز”. والاستعانة بالله تحفظ القلب من العجب والكبر، كما قال ابن القيم: “إياك نعبد تدفع الرياء، وإياك نستعين تدفع الكبرياء”.
٢- الإخلاص في العمل
لا يُقبل العمل إلا إذا كان خالصًا لله، فقد قال الله تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]. والإخلاص يعني أن يكون العمل لله وحده، بعيدًا عن الرياء والسمعة، فالنية الصادقة قد تعظم العمل الصغير، كما قال ابن المبارك: “رب عمل صغير تعظّمه النية، ورب عمل كبير تصغّره النية”.
٣- اتباع السنة في العبادات
يجب أن تكون جميع العبادات موافقة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله: “من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد”. فالعمل الصالح لا يكون مقبولًا إلا إذا كان خالصًا لله، وصحيحًا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
٤- تجنب العجب والغرور بالعمل
المؤمن الحق لا يمتنّ على الله بعباداته، بل يسير في طريقه إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس، فهو دائم الاستغفار والتوبة. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك… أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.
٥- إخفاء الأعمال الصالحة
الإخلاص الحقيقي يظهر في حرص العبد على إخفاء طاعاته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي”. والإحسان في السر أعظم أجرًا، فقد ورد أن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله “رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”.
٦- المحافظة على الصيام من اللغو والرفث
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم”. والصيام الحقيقي لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يشمل حفظ اللسان والجوارح من كل ما يغضب الله.
٧- أداء الصلوات في أوقاتها
الصلاة عماد الدين، وهي أحب الأعمال إلى الله، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: “أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها”. فلا ينبغي أن يُشغل المسلم بصيامه عن أداء الصلاة في وقتها.
٨- الإكثار من قراءة القرآن
رمضان هو شهر القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل القرآن في كل ليلة من رمضان، لذا ينبغي للمؤمن أن يكثر من تلاوته في هذا الشهر المبارك.
٩- الذكر الدائم لله تعالي
من أعظم القربات إلى الله الذكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل سأله عن عمل يتمسك به: “لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله”. كما قال صلى الله عليه وسلم: “سبق المفردون”، قيل: ومن المفردون؟ قال: “الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات”.
١٠- الإحسان إلى الناس
من الأعمال التي يحبها الله نفع الناس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس”، وأفضل الأعمال هو إدخال السرور على قلب مسلم، أو تفريج كربه، أو مساعدته في قضاء حاجته.
١١- تنويع العبادات
لا ينبغي أن يقتصر المسلم على عبادة واحدة، بل يُستحب أن ينوّع بين الصيام، وقيام الليل، والصدقة، وصلة الرحم، والإحسان إلى الناس، وغير ذلك من العبادات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: “ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل”
فإن رمضان فرصة ذهبية للتقرب إلى الله، وتحصيل الأجور المضاعفة، فليحرص كل مسلم على اغتنام أيامه ولياليه، وليكثر من دعاء الله بالسداد والتوفيق، فإنه لا حول ولا قوة إلا به.
١٢- التوبة والاستغفار
رمضان فرصة عظيمة للتوبة والعودة إلى الله، فالله يفتح أبواب رحمته، وينادي عباده أن يعودوا إليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف امرئ دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له”. فعلى المسلم أن يكثر من الاستغفار، وأن يجدد التوبة بصدق، فالله يحب التوابين ويغفر الذنوب جميعًا.
١٣- الإكثار من الدعاء
الدعاء عبادة عظيمة، خاصة في شهر رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم”. فعلى المسلم أن يغتنم لحظات السحر وأوقات الإفطار بالدعاء لنفسه وللمسلمين.
١٤- إحياء العشر الأواخر وليلة القدر
العشر الأواخر من رمضان لها فضل عظيم، ففيها ليلة القدر التي قال عنها الله تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها أكثر من غيرها، ويعتكف في المسجد، ويحيي الليل بالصلاة والذكر والدعاء.
١٥- الحرص على تفطير الصائمين
تفطير الصائمين من أبواب الخير العظيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”. فيمكن المشاركة في موائد الإفطار الجماعية أو إرسال الطعام للفقراء والمحتاجين.
١٦- بر الوالدين وصلة الرحم
رمضان فرصة لتعزيز العلاقات الأسرية، والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه”.
١٧- الصدقة ومساعدة المحتاجين
الصدقة في رمضان لها أجر مضاعف، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. وأفضل الصدقات هي التي تكون خفية، كما قال صلى الله عليه وسلم: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”.
١٨- التحلي بالصبر وحسن الخلق
رمضان مدرسة للصبر، فهو يعلم المسلم التحكم في نفسه، وضبط انفعالاته، والتحلي بالحلم والعفو عن الآخرين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه، فليقل: إني صائم”.
١٩- ترك العادات السيئة
على المسلم أن يستغل رمضان في ترك العادات السيئة مثل التدخين، أو السهر غير المفيد، أو إضاعة الوقت في اللهو واللغو، واستبدالها بعادات حسنة كقراءة القرآن، والذكر، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة.
٢٠- المحافظة على قيام الليل
قيام الليل من العبادات العظيمة التي يغفل عنها الكثيرون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصلاة بعد الفريضة، صلاة الليل”. وفي رمضان يُسنّ قيام الليل، خاصة في العشر الأواخر، طلبًا لليلة القدر.
٢١- الإحسان إلى الجيران
من مكارم الأخلاق التي يحث عليها الإسلام الإحسان إلى الجيران، ومن وسائل ذلك تفطيرهم، أو مساعدتهم في أي حاجة، أو إدخال السرور عليهم بأي طريقة مشروعة.
٢٢- التخفيف عن العمال والخدم
في رمضان، ينبغي التخفيف عن العمال والخدم، وإعانتهم على أداء العبادات، وعدم تكليفهم بما يشق عليهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إخوانكم خَوَلكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس”.
٢٣- الاستعداد لعيد الفطر بالطاعة
بعد انتهاء رمضان، يأتي عيد الفطر، وهو فرحة للمسلمين، ولكن يجب أن لا يكون سببًا في التهاون بالعبادات، بل يجب المحافظة على الطاعة، وصلاة العيد، وإخراج زكاة الفطر، والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين.
٢٤- تعويد النفس على الاستمرار في الطاعة بعد رمضان
من أهم الدروس التي يجب أن يخرج بها المسلم من رمضان هو الاستمرار في العبادة بعده، فلا ينبغي أن يكون حال الإنسان في رمضان مختلفًا تمامًا عن باقي أيام السنة. فمن علامات قبول العمل أن يستمر العبد في الطاعة حتى بعد انقضاء الموسم.
قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، فالعبادة ليست مقتصرة على رمضان فقط، بل يجب أن تستمر طوال العام.
ومن الأمور التي تعين على الاستمرار في الطاعة بعد رمضان:
المداومة على الصيام، وخاصة صيام ستة أيام من شوال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر”.
الحرص على قيام الليل، حتى ولو بركعتين.
الاستمرار في قراءة القرآن وتدبره، وعدم هجر المصحف بعد رمضان.
المحافظة على الأذكار والأدعية، مثل أذكار الصباح والمساء.
الاستمرار في الصدقة ولو بشيء قليل، فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع.
٢٥- تربية الأبناء على حب رمضان والعبادة
رمضان فرصة عظيمة لغرس القيم الإسلامية في نفوس الأبناء، وتعويدهم على العبادات والطاعات، ومن الوسائل التي تعين على ذلك:
إشراكهم في العبادات مثل الصيام التدريجي للأطفال، وتشجيعهم على الصلاة وقراءة القرآن.
توضيح فضل رمضان لهم بطريقة مشوقة، من خلال القصص والمواقف النبوية.

تشجيعهم على فعل الخير، مثل المشاركة في توزيع الطعام على الفقراء أو زيارة الأقارب.
٢٦- تجديد النية في كل عمل
الإسلام دين يُعلي من شأن النية، وهي التي تُحدد قيمة العمل وأجره، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”. فينبغي للمسلم أن يجدد نيته في كل عبادة يقوم بها، سواء في الصيام، أو الصلاة، أو الصدقة، أو حتى في أموره الدنيوية، كالأكل والنوم والعمل، طالما ينوي بها التقوّي على طاعة الله.
٢٧- استغلال الوقت وعدم إضاعته
رمضان هو شهر البركة، وينبغي على المسلم أن يستغل كل لحظة فيه، وألا يضيّع وقته فيما لا ينفع، مثل مشاهدة البرامج غير المفيدة أو التسلية الزائدة. ويمكن تقسيم الوقت في رمضان كالتالي:
وقت للعبادة: الصلاة، قراءة القرآن، الذكر.
وقت للعمل والسعي في الرزق.
وقت للراحة والاسترخاء، لكن دون إفراط.
وقت للعائلة وصلة الأرحام.
٢٨- الحرص على التواضع وعدم الغرور بالطاعة
من أخطر ما يصيب بعض الناس في رمضان هو الإعجاب بالنفس، والشعور بأنهم أفضل من غيرهم بسبب اجتهادهم في الطاعة. وهذا خطر عظيم قد يؤدي إلى إحباط العمل، فالعبد مهما اجتهد يظل مقصرًا في حق الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لن يُدخل أحدًا منكم عمله الجنة”، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: “ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته”
٢٩- تقوية العلاقة بالله بالدعاء والمناجاة
من أجمل الأوقات التي يمكن فيها للمسلم أن يشعر بالقرب من الله هو وقت السحر، حيث يكون العبد خاليًا من مشاغل الدنيا، ويستطيع أن يرفع يديه بالدعاء والمناجاة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟”.
٣٠- اجعل رمضان بداية تغيير حقيقي في حياتك
رمضان ليس مجرد شهر نصوم فيه، ثم نعود إلى عاداتنا السابقة بمجرد انتهائه، بل هو نقطة تحول يجب أن نستغلها في تغيير حياتنا للأفضل، سواء من الناحية الدينية أو الأخلاقية أو حتى الصحية.
فكما أن رمضان يعلمنا الصبر والانضباط، فهو فرصة للإقلاع عن العادات السيئة، سواء كانت التدخين، أو السهر، أو إضاعة الوقت، أو الغفلة عن ذكر الله. وهو فرصة لاكتساب عادات حسنة، مثل تنظيم الوقت، والاستيقاظ المبكر، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها.
ختامًا
ها قد انتهى حديثنا عن كيفية تحقيق الأجر في شهر رمضان، ونسأل الله أن يكون هذا الشهر المبارك سببًا في مغفرة ذنوبنا، ورفع درجاتنا، وأن يرزقنا الله فيه القبول والرحمة.
نسأل الله أن يجعلنا ممن “يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون”، وأن يمنّ علينا بتوفيقه وهدايته، ويعيننا على الصيام والقيام، ويتقبل منا صالح الأعمال، إنه سميع مجيب
اللهم اجعلنا في رمضان من المقبولين، وفي ليلة القدر من الفائزين، واجعلنا ممن تُعتق رقابهم من النار. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.