عروس الليالي
ليلة القدر
يجب على المسلم أن يحرص على تحفيز أهله على قيام ليلة القدر والاستفادة من فضلها العظيم. فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، إن علمتُ أيّ ليلةٍ هي ليلة القدر، فماذا أقول فيها؟” فأجابها قائلاً: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”.
إن القائمين لهذه الليلة المباركة يستغربون من انشغال كثير من الناس عنها بأمور الدنيا، فأين شوقهم للآخرة وزهدهم في الدنيا؟! فهنيئًا لمن نال فضلها وأدرك قيامها، وخاب وخسر من حُرم خيرها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُصفّد فيه مردة الشياطين، وفيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم”.
ومن رحمة الله بعباده أن جعل ليلة القدر فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات، فهي ليلة تتنزل فيها الملائكة، ويعم فيها السلام حتى مطلع الفجر، كما قال تعالى:
“تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ” [القدر: 4-5].
ولذلك، ينبغي للمؤمن أن يجتهد فيها بالعبادة والدعاء، وأن يحرص على الإخلاص لله في قيامه، طامعًا في رحمته وعفوه. فكم من إنسان غفل عن هذه الليلة وانشغل بالدنيا ففاته خيرٌ عظيم!
ومن الأعمال المستحبة فيها: الإكثار من الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والاستغفار، والاعتكاف إن أمكن، والاجتهاد في الدعاء خاصة بالدعاء الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
فيا فوز من وفقه الله لقيام هذه الليلة، ويا حسرة من ضيعها في اللهو والغفلة! فهي ليلة خير من ألف شهر، والعمل فيها يضاعف أجره، فمن أحياها بالإيمان والاحتساب كان من الفائزين برضوان الله.
فضل ليلة القدر وأهميتها في حياة المسلم
إن ليلة القدر ليست مجرد ليلة عابرة، بل هي ليلة مليئة بالبركة والرحمة، أودع الله فيها خيرًا عظيمًا، فهي ليلة واحدة في العام، لكن فضلها يفوق أكثر من ثمانين عامًا من العبادة، قال الله تعالى:
“لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” [القدر: 3].
وهذا الفضل العظيم يستوجب منا أن نستعد لها ونحسن اغتنامها، فهي فرصة نادرة قد لا تتكرر في حياة الإنسان إلا مرات قليلة. فهل يعقل أن يفرّط المسلم في هذه الجائزة الربانية؟

كيف نستعد لليلة القدر؟
1. الإخلاص لله: لا بد أن يكون قيام هذه الليلة بنية صادقة ورغبة خالصة في نيل رضا الله، دون رياء أو سمعة.
2. الإكثار من الصلاة والقيام: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر أكثر من أي وقت آخر، خاصة في قيام الليل وقراءة القرآن.
3. الإلحاح في الدعاء: فهي ليلة تُستجاب فيها الدعوات وتُرفع فيها الأعمال، وأفضل الدعاء فيها:
“اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”.
4. التوبة والاستغفار: فهذه الليلة فرصة عظيمة لمحو الذنوب والبدء بصفحة جديدة مع الله.
5. الصدقة والإحسان: الإنفاق في سبيل الله في هذه الليلة مضاعف الأجر، فكم من محتاج تُفرّج كربته في هذه الليلة المباركة؟
علامات ليلة القدر
ورد في الأحاديث النبوية بعض العلامات التي قد تدل على ليلة القدر، ومنها:
تكون ليلة هادئة، لا حارة ولا باردة، ويشعر المؤمن فيها بالسكينة والطمأنينة.
تكون الشمس في صبيحتها بيضاء بلا شعاع، كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يكون القمر فيها مثل شق جفنة (أي نصف صحن)، كما أخبر بذلك الصحابة.
لكن لا يشترط أن يدرك الإنسان علاماتها حتى يكون قد أدرك فضلها، بل يكفي الاجتهاد فيها بكل إخلاص.
ختامًا: اغتنم الفرصة قبل فواتها!
إن أعمارنا قصيرة، وفرص الخير محدودة، وليلة القدر هدية من الله لعباده ليضاعف لهم الأجر ويغفر لهم الذنوب. فليحرص كل مسلم على أن يكون من الفائزين بها، ولا يجعلها تمر دون أن يكون له فيها نصيب من العبادة والدعاء.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن يرزقنا قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وأن يعتق رقابنا من النار، ويكتب لنا السعادة في الدنيا والآخرة. اللهم آمين.
اللهم اجعلنا من المقبولين، ومن عتقاء شهر رمضان، وارزقنا قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وتقبل أعمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين