هُدًى للنَّاس
التعلق بالقرآن في رمضان
احرص على الاغتراف من معين القرآن، وكن مواظبًا على تلاوته كما يلازم المدين الحريص دينه، ليكن القرآن رفيقك الدائم في ليالي وأيام رمضان، فإن المكاسب عظيمة، والأعمار قصيرة، والموت يأتي بغتة، ولا ملجأ إلا إلى الله، فاجعل غايتك النجاة وثواب الله مقصدك:
“وليس أخو الحاجات من بات نائمًا
ولكن أخوها من يبيت على وَجل.”
لكن تذكّر أن القراءة التي تثمر هي تلك التي يصحبها التدبر والخشوع والتأمل، وليست تلك التي يغلبها التسرع والشرود، فتلاوة القرآن بتدبر تُنقي الروح، وتُزكي القلب، وتدفع الجوارح للعمل الصالح. فمن وصل إلى هذه المرحلة فقد أصبح من أهل القرآن، كما قال النبي ﷺ: “يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارقَ ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.”
فمن جعل القرآن نور قلبه وهدى حياته، كان من الفائزين في الدنيا والآخرة، إذ أن التلاوة المصحوبة بالفهم والتدبر ترفع صاحبها في الدرجات، وتجعله في معية الله. فرمضان هو شهر القرآن، وهو فرصة ثمينة لمراجعة علاقتنا بكتاب الله، فلا يكن همّك إنهاء السور بسرعة، بل اجعل من تلاوتك وسيلة للتقرب إلى الله، والتأمل في آياته، والعمل بمقتضاها.
وتذكر أن أصحاب القرآن هم أهل الله وخاصته، فاجعل لنفسك وردًا ثابتًا، وتدرج في تحسين قراءتك وتجويدها، فكما قال النبي ﷺ: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه.”
وفي الختام، اجعل من رمضان محطة للتغيير، وطريقًا نحو الارتقاء الروحي، فكل لحظة فيه كنز، وكل تلاوة ترتقي بك، فاغتنم أيامه ولياليه، وكن من الفائزين برحمة الله ورضوانه.
إن من أعظم الهبات التي يمنحها الله لعباده في رمضان هي صفاء القلب وقوة الإيمان، فكيف لا يكون ذلك لمن جعل القرآن رفيقه في هذا الشهر الفضيل؟ فالمداومة على تلاوة كتاب الله تورث الطمأنينة، وتضيء القلب بنور الهداية، وتفتح أبواب الرحمة والمغفرة.
وقد كان السلف الصالح يضاعفون جهودهم في رمضان، فيكثرون من التلاوة والختمات، ويديمون الذكر والقيام، فكن على أثرهم، واسعَ لأن تجعل لك منهجًا ثابتًا، ولا تكتفِ بقراءة الآيات بل اجعلها نبراسًا تهتدي به في حياتك، فالله تعالى يقول:
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص: 29).
إن التدبر في القرآن يجعلك ترى الحياة بمنظور مختلف، فكل آية تحمل رسالة، وكل سورة تحوي عبرة، والقرآن كله هدى ورحمة للمؤمنين. فاسعَ لأن تكون من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، واستثمر أوقات رمضان فيما يرفعك عند الله، فما أجمل أن تكون منزلتك عند آخر آية تتلوها، كما أخبر النبي ﷺ في حديثه الشريف.
اجعل من رمضان نقطة انطلاقة، لا محطة مؤقتة، ولا يكن وداعه وداعًا لتلاوتك، بل اجعل من القرآن رفيقًا دائمًا في حياتك، فهو الحبل المتين الذي لن يضلّ من تمسك به، ولا يشقى من اتبعه

وهكذا، فإن التعلق بالقرآن في رمضان ليس مجرد عادة موسمية، بل هو منهج حياة، وطريق إلى السعادة والسكينة. فمن جعل القرآن أنيسه في هذا الشهر المبارك، واستشعر معانيه، وعمل بأحكامه، فاز بنعيم الدنيا والآخرة.
لذا، احرص على أن يكون لك ورد يومي من التلاوة، واجعل لنفسك أوقاتًا للتدبر، وأخرى للحفظ والمراجعة، ولا تنسَ أن تطبق ما تتعلمه، فإن أعظم أثر للقرآن هو العمل به. وكما قال الحسن البصري رحمه الله: “كانوا يتعلمون القرآن والعمل جميعًا”.
كما أن رمضان فرصة عظيمة لتوريث حب القرآن في قلوب أبنائك وأهلك، فاجعل من جلسات التلاوة لحظات إيمانية تجمعكم، وازرع فيهم شغف التدبر والتفكر في معانيه، ليكون نورًا لهم في حياتهم، وسندًا لهم في دنياهم وآخرتهم.
وأخيرًا، تذكر أن القرآن شفيع لأهله يوم القيامة، فمن قرأه وعمل به نال شفاعته، ومن عاش معه كان من أهل الله وخاصته، فاجعل من رمضان بداية جديدة لعلاقتك بكتاب الله، وأبقِ على هذا العهد حتى بعد انقضاء الشهر، لتظل متعلِّقًا بالقرآن ما حييت، فبه تحيا القلوب، وبه تهتدي النفوس، وبه تسعد الأرواح.
ولا يتوقف أثر التعلق بالقرآن عند الفرد فحسب، بل يمتد ليشمل الأسرة والمجتمع بأسره، فإذا صلحت علاقة الإنسان بكتاب الله، انعكس ذلك على أخلاقه وسلوكياته، فصار أكثر صبرًا وحلمًا، وأشد حرصًا على الخير، وأحرص على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه.
لذلك، اجعل من رمضان فرصة حقيقية لترسيخ هذه العادة المباركة، وليكن شعارك فيه “القرآن حياة”، فتجعل له وقتًا ثابتًا في يومك، وتخصص لحظات من ليلك لمناجاته وتدبره، ولا تغفل عن فضيلة العمل به ونشره بين الناس.
كما أن من أعظم سبل التعلق بالقرآن هو حفظه، ولو كان ذلك بالتدرج، فاحرص على حفظ ولو آية يوميًا، فإن الأيام تمضي سريعًا، وما كان صعبًا في البداية يصبح يسيرًا مع المداومة، وقد قال النبي ﷺ: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، فكن من خير الناس بتعلمه وتعليمه.
وأخيرًا، ليكن رمضان محطة انطلاقة نحو علاقة مستمرة مع القرآن، لا تنقطع بانتهاء الشهر، بل تمتد على مدار العام، فتجد بركته في حياتك، ونوره في قلبك، وشفاعته يوم القيامة، فالله سبحانه وتعالى قد جعل القرآن منهجًا للحياة، فاجعله رفيق دربك، تجد فيه السكينة والرضا والفلاح.