إن هذا الشهر قد حضركم

إنهم يغتالون فرحتنا برمضان!

فرحة المؤمن بشهر رمضان بين قدسيته وإفساده الإعلامي

يستقبل المؤمنون الصادقون شهر رمضان بفرح غامر وسعادة لا توصف، إذ هو شهر الطاعة والعبادة، شهر القرآن والتلاوة، شهر الذكر والقيام، حيث تزداد فيه النفحات الإيمانية، وتتنزل فيه البركات. إنه شهر الصلة والبر، شهر الجود والصدقة، شهر الاعتكاف وليلة القدر، شهر الجهاد والانتصارات، بل هو شهر الاعتمار والتقرب إلى بيت الله الحرام، حيث تتجلى فيه الفضائل والخصائص التي لا يسع المقام لحصرها، فالحمد لله على نعمة إدراكه.

لكن هذه الفرحة المباركة سرعان ما يُشوه بريقها بسبب ما تبثه القنوات الفضائية من محتويات هابطة تتنافى مع قدسية الشهر الكريم، وكأنها تتعمد صرف القلوب عن روحانية رمضان وعظمته. فبدلًا من أن تكون هذه القنوات وسيلة لنشر الخير والقيم الرفيعة، تحولت إلى منصات تروج للمجون والانحراف، مستغلة الإنتاج البصري المبهر لجذب المشاهدين وإبقائهم أسرى لشاشاتها، دون أدنى اعتبار لحرمة الشهر الفضيل أو لخوف من الله القائل: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40].

وقد تفنن المنتجون والمخرجون في استغلال هذا الموسم المبارك، فبذلوا الغالي والنفيس في إنتاج أعمال تغرق في مستنقع الفساد الأخلاقي والفكري، وتُبعد الناس عن روح العبادة والخشوع، حتى أصبح كثيرون يقضون ليالي رمضان بين مشاهد لا تمت للأخلاق بصلة، بدلاً من أن تكون أوقاتهم عامرة بالطاعة والذكر.

والأدهى من ذلك أن بعض الأعمال الإعلامية لم تكتفِ بإثارة الغرائز أو نشر الابتذال، بل تجاوزت ذلك إلى السخرية من ثوابت الدين وقيم المجتمع، في تجرؤ واضح على تعاليم الإسلام، وكأن الأمر لا يستدعي المحاسبة أو العقاب! ومع ذلك، نجد أعدادًا كبيرة من الناس يتابعون هذه الأعمال بشغف، ضاربين عرض الحائط بحرمة هذا الشهر، وكأنهم غافلون عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ”.

وهنا يطرح السؤال نفسه: لمصلحة من يتم انتهاك قدسية رمضان، وتشويه معانيه السامية؟ ولمصلحة من يتم تغييب الأمة عن واقعها الخطير، في وقت تحتاج فيه إلى اليقظة والوعي لمواجهة التحديات التي تحيط بها من كل جانب؟ ألا يكفي ما تعانيه الأمة من أزمات، حتى يُزاد عليها هذا التغييب المتعمد؟!

رمضان موسم للعودة إلى الله لا للغفلة والانشغال

إن إدراك شهر رمضان نعمة عظيمة تستوجب الشكر، فهو فرصة متجددة لتطهير القلوب وتزكية النفوس، وإعادة ترتيب الأولويات، ولكن من المؤسف أن بعض المسلمين يضيعون هذه الفرصة الثمينة في اللهو والغفلة، فتتحول ليالي الشهر الفضيل إلى أوقات تسلية وترفيه بدلًا من أن تكون محطةً للروح والوجدان.

فهل يُعقل أن يكون هذا حالنا في شهر يُفترض أن يكون موسمًا للطاعة والمغفرة؟ هل يُعقل أن تُستبدل مجالس الذكر والدعاء، بمشاهد تزرع الفتنة وتغذي الغرائز، وتُلهي القلوب عن التقوى والخشوع؟! أليس الأولى بنا أن نغتنم هذه الأيام المباركة فيما يقربنا من الله، بدلًا من الاستسلام لموجات الفساد الإعلامي التي تستهلك أوقاتنا وتفسد قلوبنا؟

إن مسؤولية الحفاظ على روحانية رمضان لا تقع على الأفراد فحسب، بل هي مسؤولية مشتركة بين المجتمعات والمؤسسات، فمن واجب الإعلام أن يكون وسيلة توجيه وبناء، لا أداة هدم وإفساد، ومن واجب الأسر أن تحصن أبناءها من هذه السموم التي تبث ليلًا ونهارًا، ومن واجب العلماء والدعاة أن يوجهوا الناس إلى الخير، ويبينوا لهم خطورة الانجراف خلف ما يفسد الصيام والقيام.

فيا أيها المسلمون! رمضان ليس شهرًا للعروض الترفيهية والمشاهد الفاضحة، ولا موسمًا للإسراف في الطعام والسهر على الشاشات، بل هو شهر القرب من الله، شهر العتق من النيران، شهر تصفد فيه الشياطين، فلماذا نطلق سراح أهوائنا لتقودنا إلى ما يغضب الرحمن؟

إن الأمة اليوم في أمسِّ الحاجة إلى اليقظة، إلى العودة الصادقة إلى الله، إلى الاستفادة الحقيقية من رمضان ليكون بداية جديدة نحو الصلاح والإصلاح. فليكن هذا الشهر بابًا لنهضة قلوبنا وأعمالنا، ولنتذكر أن العاقل من اغتنم مواسم الخير قبل أن يفاجئه الأجل، فتضيع الفرصة ولا ينفع الندم.

رمضان فرصة للتغيير والارتقاء بالنفس

إن شهر رمضان ليس مجرد موسم عابر، بل هو محطة إيمانية عظيمة تُشحذ فيها الهمم، وتُصفى فيها القلوب، وتُعاد فيها الحسابات. فهو فرصة لمن قصّر أن يستدرك، ولمن ابتعد أن يعود، ولمن غفل أن ينتبه، فهو شهر تُفتح فيه أبواب الرحمة، وتتنزل فيه البركات، وتعتق فيه الرقاب من النار. فكيف يليق بنا أن نفرط في مثل هذه النعمة الغالية وننشغل بما يبعدنا عن الله؟

إن الصيام ليس فقط امتناعًا عن الطعام والشراب، بل هو تدريب للنفس على ضبط الشهوات، والتحكم في الأهواء، ومجاهدة النفس، فليس من الحكمة أن نتحرر من شهوات الأكل والشرب، ثم نُطلق العنان لشهوات النظر والاستماع، فالله سبحانه يريد منا صيام الجوارح قبل صيام البطون، ويريد منا أن نستفيد من رمضان في تزكية أرواحنا وتهذيب سلوكنا.

رمضان بوابة للنهضة والإصلاح

أمتنا اليوم تعيش في مرحلة حرجة من تاريخها، تتعرض فيها لتحديات عظيمة وأخطار تحيط بها من كل جانب، فأين موقعنا من هذا الواقع؟ هل سنظل غارقين في غفلتنا، منصرفين عن قضايا أمتنا، مستهلكين لأوقاتنا في توافه الأمور؟ أم أننا سندرك حقيقة المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ونسعى جاهدين لإصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا؟

إن رمضان ليس شهر كسل وخمول، بل هو شهر العمل والإنجاز، شهر الانتصارات والبطولات، فقد سطّر التاريخ أعظم الفتوحات في هذا الشهر المبارك، فلم يكن المسلمون الأوائل يضيعون أوقاتهم فيما لا ينفع، بل كانوا يستغلونه في العبادة والعلم والجهاد والعمل، فأين نحن من ذلك اليوم؟

إنهم يغتالون فرحتنا برمضان!
إنهم يغتالون فرحتنا برمضان!
نداء إلى كل مسلم غيور

يا من أحببت رمضان وفرحت بمقدمه، لا تفرّط في هذه الفرصة العظيمة، ولا تدع الإعلام الفاسد يسرق منك هذه اللحظات المباركة، حافظ على صيامك من كل ما يفسده، واملأ وقتك بما ينفعك في الدنيا والآخرة، ولا تكن ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ”.

قف مع نفسك وقفة صادقة، واجعل هذا الشهر بداية جديدة، بداية للتوبة والرجوع إلى الله، بداية لحياة مليئة بالطاعة والبركة، فلا أحد يضمن أن يدرك رمضان القادم، فاغتنم أيامه ولياليه، وأقبل على الله بقلب صادق، فإن الله يُحب التائبين، ويقبل المقبلين عليه بصدق.

اللهم بلّغنا رمضان، وأعنّا على صيامه وقيامه، وأجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار، يا أرحم الراحمين.

فلنعد إلى الله بصدق، ولنحفظ رمضان من كل ما يشوه قدسيته، فهو أمانة في أعناقنا، فلنحسن استثماره قبل فوات الأوان!

إن رمضان فرصة للتوبة والعودة إلى الله، لا للغفلة والانحراف، فلنستغل هذا الشهر الكريم فيما يرضي الله، ولنجعل منه منطلقًا لتجديد الإيمان، لا موسمًا للانشغال بما يلهي عن ذكر الرحمن. فلننيب إلى الله، فلننيب إن كنا مؤمنين!

مزيد من الخواطر الرمضانية