قبسات من روح رمضان
قبس من رمضان
1- 15 “إذا أقبل الليل من هنا.
يعيش المسلمون خلال شهر رمضان وفق نظام زمني محدد، يتخلله أوقات مقدسة للإفطار والسحور وأداء صلاة التراويح، إلى جانب تحري ليلة القدر المباركة. وقد جاء في قوله تعالى في سورة البقرة:
“وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل…”
ويُحرم الصائم من الطعام والشراب خلال ساعات الصوم، ولكن تبقى نعم الله سبحانه وتعالى بلا حصر. قال تعالى في سورة فاطر:
“يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون
فالصائم في شهر الطاعة يضيء حياته بذكر الله، ممتثلاً لأوامره حين يمسك عن الطعام عند الفجر، ويفطر عند أذان المغرب بذكر اسمه العظيم. وهكذا تزداد أرواح الصائمين صفاءً، ويزدادون قرباً من ربهم بقولهم:
“قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين”
وقد بيّن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقت الإفطار بقوله:
“إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم”
ومن بركات الشهر الفضيل أن القلوب تزداد رحمة وحنانًا، فيتذكر الصائمون الفقراء والمحرومين، ويسارعون في العطاء، اقتداءً بقول النبي عليه الصلاة والسلام:
“من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”
2- 15 “أنا الرحمن..”
“الرحمن” هو اسم لا يُطلق إلا على الله، ويدل على سعة رحمته وشمولها لكل الخلق. قال ابن عباس رضي الله عنهما:
“الرحمن والرحيم اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم هو الذي يخص بها عباده”
وقد عرف الناس اسم “الرحمن” من خلال القرآن، فقد أنزله الله للدلالة على رحمته اللامحدودة، وهو القائل:
“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على عظمة الرحمة الإلهية بقوله:
“أنا الرحمن، أنا خلقت الرحيم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته”
3- 15 “أعطيت أمتي خمس خصال.”
فُرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وكان ولا يزال موسمًا للعبادة والتقرب إلى الله. وقد بيّن النبي الكريم بعض فضائل رمضان فقال:
“أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا، وتصفد فيه الشياطين، ويزين الله الجنة كل يوم للصائمين، ويغفر لهم في آخر ليلة”
4- 15 “طُوبى لِمَن قَرأ”
يحظى القرآن الكريم بمكانة عظيمة في قلوب المسلمين، فيحرصون على تلاوته في رمضان، فهو مصدر الهداية والرحمة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل قراءته:
“الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه له أجران”
5- 15 “ربّ العالمين”
“الرب” هو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو الذي يتولى شؤون خلقه بالرعاية والعناية. جاء في سورة الفاتحة:
“الحمد لله رب العالمين”
وقد كان الأنبياء يدعون الله باسمه “الرب”، كما قال آدم وحواء عليهما السلام:
“ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”
6- 15 “من تطوع في رمضان…”
الصدقة في رمضان من أعظم القربات، وزكاة الفطر طهرة للصائم وتكافل اجتماعي بين المسلمين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“من تصدق بخصلة من خصال الخير في رمضان، كان كمن أدى فريضة فيما سواه”
7- 15 “أكلة السحور”
يحرص المسلمون على تناول السحور، اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال:
“تسحروا فإن في السحور بركة”
وكان للنبي مؤذنان، بلال وابن أم مكتوم، فكان يقول:
“إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم”
8- 15 “حمل كتاب الله…”
القرآن هو النور الذي يهدي القلوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“خيركم من تعلم القرآن وعلمه”
9- 15 “كُلْ ما تشاء أنني لصائم”
كان للأدباء والشعراء مواقف طريفة مع الصيام، ومنها قصة الأحوص الشاعر الذي حاول إخفاء إفطاره عن نصيب، فلما واجهه قال له مازحًا:
“كُلْ ما تشاء فإني لصائم… والله ربي بالقلوب عالم”
10- 15 “اللهم إنّك عفو كريم…”
ليلة القدر هي أعظم ليالي العام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”
وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تسأل النبي: “يا رسول الله، ماذا أقول في ليلة القدر؟” فكان يجيبها:
“اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”
11- 15 “لِقُرآن كريم”
القرآن له أسماء عديدة تدل على عظمته، ومنها: الكتاب، الفرقان، الذكر، والشفاء، وقد قال الله تعالى:
“إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”
12- 15 “شهرُ الصيام جَرى باليُمْنِ…”
اعتاد المسلمون تهنئة بعضهم عند قدوم رمضان، كما فعل الإمام الحسن البصري الذي قال:
“إن الله جعل رمضان ميدانًا للسباق، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا”
13- 15 “من قام ليلة القدر…”
في العشر الأواخر من رمضان، كان النبي يجتهد في العبادة ويوقظ أهله، تحريًا لليلة القدر، قائلاً:
“تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر”
14- 15 “فيهما عينان تجريان”
وصف الله الجنة بأجمل الأوصاف، فقال تعالى في سورة الرحمن:
“فيهما عينان تجريان”
وجعل فيها أنهارًا من ماء ولبن وخمر وعسل، نعيمًا لأهل الطاعة والإيمان.
15- 15 “كيف لا نبكي لشهرٍ”
عند وداع رمضان، تفيض العيون دموعًا، ويتساءل المسلم: هل قُبل صيامه وقيامه؟ وقد أنشد أحد الشعراء:
“كيف لا نبكي لشهرٍ قد مضى… ثم لا ندري أقبلنا أم رُدِدنا”

16 – 15 “وداعًا رمضان…”
مع اقتراب نهاية شهر رمضان، يشعر المسلمون بالحزن لفراق أيامه المباركة ولياليه العامرة بالطاعة، فهو شهر المغفرة والرحمة والعتق من النيران. ويقول البعض عند وداعه: “يا رمضان، كنت ضيفًا عزيزًا فهل تقبلت أعمالنا؟”
وقد اعتاد مؤذنو المساجد في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل أن يودعوه بأدعية ونغمات حزينة، كما ورد في بعض النصوص:
“يا شهر رمضان، أين أرباب القيام؟ أين المجتهدون في جنح الظلام؟ أين الذين كانوا يهجرون المنام؟ رحلوا وبقي القليل، فعليهم السلام!”
أما الشاعر الأبيوردي فقد ودّع رمضان بهذه الأبيات:
صوم أغار عليه فطرٌ بنَـا… صيامٌ فلم تزل الشهورُ كأنها
كوكبٌ يتلألأ في السماء سنـا… يُضيء بين الدُجى نوره فارتقى
وتبقى مشاعر المسلمين متأرجحة بين الفرح بقدوم عيد الفطر المبارك، والحزن على رحيل شهر الطاعة، فيتساءلون: “هل سيكون لنا لقاء آخر مع رمضان؟ وهل سنبلغ أيامه مرة أخرى؟”
17 – 15 “العيد فرحة الصائمين”
بعد وداع رمضان، يستقبل المسلمون عيد الفطر السعيد، وهو يوم فرح وسرور، يتجلى فيه شكر الله على نعمة الصيام والقيام. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه”
يبدأ المسلم يوم العيد بأداء صلاة العيد، ثم تبادل التهاني والزيارات وصلة الأرحام، وتوزيع زكاة الفطر على الفقراء والمساكين، ليشعر الجميع بفرحة العيد.
وفي هذه المناسبة، تتجسد مظاهر المحبة والإخاء، فتتجدد العلاقات الأسرية، وتُمحى الأحقاد والضغائن، لتعود القلوب صافية كما أرادها الله
الخاتمة: رمضان مدرسة الروح والتقوى
يمضي رمضان، لكن آثاره تبقى في النفوس، فهو ليس مجرد شهر صيام، بل مدرسة روحية تعلمنا الصبر، والإحسان، ومجاهدة النفس. إنه فرصة حقيقية لمراجعة الذات والتقرب من الله.
ويبقى السؤال: هل نحمل معنا روح رمضان طوال العام؟ هل نحافظ على الصلاة، والذكر، والقرآن، والصدقة، بعد انقضاء الشهر الكريم؟
فلنجعل من رمضان نقطة انطلاق نحو مزيد من الطاعات، ولنحافظ على ما اكتسبناه من الخير، حتى يكون رمضان شاهدًا لنا، لا علينا.
“اللهم اجعلنا من المقبولين، وأعد علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وإيمان.”