صيام اللسان

صداقتك غرسٌ من الخير يزهر في رمضان.

غرس من الخير

أيها التجار والكرام، ها قد أقبل علينا شهر رمضان، وفيه أكرم الله عباده بنفحاتٍ من البركة والرحمة، فالخير بين أيدينا إن استغللنا هذه الفرصة العظيمة، وفتحنا أبواب العبادة، ساعين لنيل رضا الله سبحانه وتعالى بما يرضيه.

شهر رمضان هو شهر الجود والكرم، حيث تفيض فيه القلوب بالرحمة وتكثر فيه الأيدي الممدودة بالعطاء. كما قال ابن عباس رضي الله عنه: “كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان” (رواه البخاري).

فإذا كنت تُنمي زرع الخير في هذا الشهر، فاعلم أن كل صدقة تبذلها ستكون في ميزانك، كما ورد في قوله تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ” [البقرة: 261].

الصدقة هي العبادة التي يتضاعف أجرها بشكل كبير في رمضان، وهي عبادة لا يُستغنى عنها في هذا الشهر الفضيل. فكما تتفاخر الأعمال الحسنة، تفتخر الصدقة بأنها من أعظم العبادات وأحبها إلى الله تعالى، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم.”

إن إخراج الصدقة له فوائد عظيمة؛ فهي تنقي القلوب وتزيد من سعادة النفس، ويجب أن تكون صدقتك خالصة لوجه الله، بعيدة عن الرياء والمفاخرة. يقول الله سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى…” [البقرة: 264]. لذلك، لنجعل صدقاتنا في الخفاء، ولا نتفاخر بها بين الناس.

ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة تطهر النفس وتكفر الخطايا، كما قال: “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا” (صحيح ابن حبان).

الصدقة ليست مجرد مال نخرجها، بل هي طريقة لإزالة الهموم والآلام، وجاء في الحديث: “الصدقة تفدي العبدَ مِن عذاب الله”. لذا، احرص على أن تكون صدقاتك دائمًا من طيب ما لديك، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا.

أخي الصائم، لا تكتفِ بمجرد أداء الصيام؛ بل اجعل رمضان فرصة لتكثير صدقاتك، فإن كل مبلغ تنفقه يعود عليك أضعافًا مضاعفة. قال الله تعالى: “وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” [سبأ: 39].

كما أن هناك العديد من أعمال الصدقة في رمضان، مثل إطعام الطعام والسقاية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة”.

وفي هذا الشهر، لا تنسَ تفطير الصائمين، ففي ذلك أجر عظيم كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” (رواه الترمذي).

وفي الختام، اعلم أخي الصائم أن الصدقة هي وسيلة للوقاية من عذاب النار، فهي تبعد عنك البلاء وتطهر نفسك، وتزيد من رزقك. لنكن من الذين يتصدقون من طيب ما يحبون، وليكن رمضان فرصة عظيمة لنشر الخير وزيادة الحسنات.

فلنكن من أصحاب الهمم العالية الذين يسعون لنشر الخير وإعانة المحتاجين، فكم من فقير ينتظر يدًا حانية تمتد إليه، وكم من يتيم يحتاج إلى من يسد رمقه، وكم من مريض يتمنى دواءً يشفيه، وكم من أسرة تعاني ضيق العيش تنتظر من يخفف عنها آلامها. فكن أنت سببًا في إدخال السرور إلى القلوب، واغتنم هذا الشهر الفضيل في بذل العطاء.

وتذكر أن الصدقة لا تقتصر على المال فقط، فهناك صدقات كثيرة يستطيع الإنسان تقديمها، مثل الكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، وتقديم المساعدة لمن يحتاجها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك صدقة”.

ومن أعظم الصدقات التي يمكنك تقديمها في هذا الشهر المبارك:

إطعام الطعام: كما قال الله تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” [الإنسان: 8].

كفالة الأيتام والمحتاجين: فكم من طفل فقد معيله وينتظر من يمد له يد العون.

تفطير الصائمين: فهو عمل عظيم الأجر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره”.

سد الديون عن المعسرين: وهو من أعظم أبواب تفريج الكربات.

التبرع للمرضى: سواء بتوفير العلاج أو المساهمة في المستشفيات الخيرية.

صداقتك غرس من الخير يزهر في رمضان
صداقتك غرس من الخير يزهر في رمضان

واعلم أن الصدقة لا تنقص المال، بل تزيده بركةً ورزقًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما نقص مال من صدقة، بل تزده بل تزده بل تزده”.

وفي يوم القيامة، عندما تكون الشمس قريبة من رؤوس الخلائق، يكون المتصدق في ظل صدقته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة”.

أخي الصائم، لا تجعل رمضان يمضي دون أن يكون لك فيه سهم من الخير، فالدنيا فانية، ولن يبقى لك إلا عملك الصالح، والصدقة من الأعمال التي تبقى لك بعد موتك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.

فلنبادر جميعًا إلى الإنفاق في سبيل الله، ولنكن سببًا في إسعاد الآخرين، ولنغتنم هذه الأيام المباركة في مضاعفة أعمال البر والإحسان، فالجنة تنتظر أهل العطاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها”، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: “لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام”.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجود والكرم، وأن يوفقنا لاغتنام هذا الشهر في طاعته، وأن يتقبل منا صالح أعمالنا، ويجعلها سببًا في فوزنا برضوانه وجنته.

مزيد من الخواطر الرمضانية