كيف نستقبل رمضان بروح متجددة واستعداد مميز يغير حياتنا؟
استقبال رمضان بروح متجددة
الحمد لله الذي منح عباده نعمة عظيمة، إذ حماهم من مكر الشيطان وخداعه، وأبطل آماله وخيب ظنونه، فجعل الصيام حصنًا حصينًا لأوليائه ودرعًا واقيًا لهم، وفتح لهم به أبواب الجنة. وأرشدهم إلى أن الشيطان يجد طريقه إلى قلوبهم عبر الشهوات والرغبات الدفينة، فإذا ما قمعوها، صارت نفوسهم مطمئنة قوية، قادرة على التصدي لوساوسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صاحب الفضل العظيم، وناصر من اتبع الكتاب والسنة. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، قائد البشرية إلى النور، ومجدد سنة الحق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، حتى يأتي يوم الحساب حيث يكون المصير إما إلى الجنة أو إلى النار.
مرحبا برمضان، شهر الخير والبركات
أهلا بشهر رمضان، شهر البركة والرحمة، شهر نزول القرآن، ونفحات الجنان، وراحة القلوب بالصلاة والصيام والقيام.
أيها الأحبة في الله، ها هو رمضان قد أقبل، حاملاً معه فرصة عظيمة لنيل الطاعات، وحصد الحسنات، والارتقاء في الدرجات، والقرب من الله سبحانه وتعالى.
فلنغتنم هذه الفرصة العظيمة، ولنجعل من رمضان محطة إيمانية نتزود منها بالتقوى، ونجدد فيها علاقتنا مع القرآن الكريم، لنتشبه بالملائكة في طهرهم، ونكون بجوار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جنان النعيم.
رمضان موسم الرحمة والمغفرة
يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الشريف:
“أتاكم شهر رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه بالرحمة، ويُحطّ عنكم الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله.”
كيف استعد النبي – صلى الله عليه وسلم – لرمضان؟
لم يكن استعداد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لرمضان بمجرد الإعداد للمأكل والمشرب، بل كان استعداده بالعبادة والطاعة والإنفاق والجود، فقد وصفه ابن عباس – رضي الله عنه – بقوله:
“كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلَرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.”
وهكذا كان الصحابة والتابعون يستقبلون رمضان، كأنه موسم يتنسمون فيه عبير الجنة، وترتفع فيه أرواحهم إلى أعلى المقامات، فيزدادون قربًا من الله تعالى.
عمر بن الخطاب يضيء المساجد
عندما جاء رمضان، كان الفاروق عمر – رضي الله عنه – أول من أنار المساجد بالقناديل، وجمع الناس على صلاة التراويح، حتى قال عنه الإمام علي – رضي الله عنه –:
“نور الله قبرك يا ابن الخطاب، كما نورت مساجد الله بالقرآن.”
الاستعداد الحقيقي لرمضان
يظن البعض أن الاستعداد لرمضان يكون فقط بتحضير الأطعمة والولائم، ولكن الحقيقة أن رمضان فرصة عظيمة لا تأتي إلا مرة في العام، وقد لا ندرك رمضان القادم. فكم من أحباب لنا كانوا معنا في رمضان الماضي، واليوم هم تحت التراب!
يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله –:
“إن الاستعداد الحقيقي لرمضان ليس في إعداد الموائد، بل في الإقبال على الله، والاجتهاد في مرضاته، وتدبر القرآن، وجعل تلاوته وسيلة للارتقاء الروحي.”
كيف نستعد لرمضان؟
1. التوبة الصادقة:
فلنبدأ بالتوبة والرجوع إلى الله، والإقلاع عن الذنوب، والندم على التقصير، فمن لم يتب في رمضان، فمتى سيتوب؟
2. الدعاء بأن يبلغنا الله رمضان:
كان السلف يدعون قائلين: “اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام.”
3. الشكر لله على بلوغ رمضان:
من أعظم النعم أن يمنحنا الله فرصة العيش في رمضان، فلنشكر الله على ذلك، ونستعد للطاعة والعبادة.
4. الفرح بقدوم رمضان:
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبشر أصحابه بقدوم رمضان، ويحثهم على اغتنامه بالخير.
5. وضع خطة عملية للاستفادة من رمضان:
تحديد وقت معين لقراءة القرآن يوميًا.
الاستعداد لصلاة التراويح في المسجد.
إعداد وجبات إفطار للصائمين المحتاجين.
تخصيص وقت لزيارة الأرحام وصلة الأقارب.
6. النية الصادقة في اغتنام رمضان:
“فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم” [محمد: 21]، فمن عقد العزم على الطاعة، أعانه الله عليها وكتب له الأجر.
7. التهيئة النفسية والروحية:
من خلال قراءة كتب عن فضائل رمضان، وسماع المحاضرات التي ترفع الهمة، والتخطيط للاستفادة القصوى من هذا الشهر الكريم.
كيف نغتنم رمضان؟
رمضان ليس مجرد شهر للصيام فقط، بل هو فرصة عظيمة لتقوية علاقتنا بالله، وتصحيح مسار حياتنا، وتنقية قلوبنا من الذنوب والمعاصي. وإليك بعض الوسائل العملية لاغتنام هذا الشهر المبارك:
1- المحافظة على الصلوات في وقتها
الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، جماعة في المسجد، خاصة صلاة الفجر والعشاء، لأنهما من أعظم الصلوات أجرًا.
2- تلاوة القرآن وتدبره
رمضان هو شهر القرآن، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185]. فلنحرص على ختمه مرة أو أكثر، مع التدبر والعمل به.
3- الإكثار من الذكر والاستغفار
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يكثر من الذكر والاستغفار في رمضان، فلنحرص على قول:
“سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.”
“أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.”
الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم.
4- الاجتهاد في قيام الليل وصلاة التراويح
قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.” [البخاري ومسلم]. فلنحرص على قيام الليل، سواء في صلاة التراويح أو التهجد.
5- الصدقة والإنفاق في سبيل الله
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلنقتدِ به في الإنفاق على الفقراء والمحتاجين، سواء بإطعام الصائمين، أو التبرع للمشاريع الخيرية.
6- تحري ليلة القدر
ليلة القدر خير من ألف شهر، وقد أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها تكون في العشر الأواخر من رمضان، فلنجتهد في العبادة في هذه الأيام المباركة، وندعو الله ونكثر من قول: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.”
7- صلة الأرحام والإحسان إلى الناس
رمضان فرصة لصلة الأرحام، وزيارة الأقارب والجيران، وإصلاح العلاقات المقطوعة، فالله يحب المتسامحين، وهو الغفور الرحيم.
8- الدعاء والرجاء من الله
الدعاء في رمضان مستجاب، قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: “للصائم دعوة لا ترد عند فطره.” [ابن ماجه]. فلنرفع أيدينا إلى السماء، ونسأل الله من خيري الدنيا والآخرة.

9- الاعتكاف في العشر الأواخر
الاعتكاف سنة نبوية عظيمة، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فليكن لنا نصيب من هذه العبادة، ولو ليوم أو يومين.
10- تجديد النية بعد رمضان
رمضان ليس نهاية الطاعة، بل هو محطة لشحن الإيمان لنستمر في الطاعات بعده، فليكن شعارنا بعد رمضان: “لن أنقطع عن العبادة.”
اللهم اجعل رمضان شاهدًا لنا لا علينا، ووفقنا فيه للصيام والقيام، وبلغنا ليلة القدر، واغفر لنا ذنوبنا، واعتق رقابنا من النار، آمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
خاتمة
رمضان ليس مجرد شهر عادي، بل هو موسم الطاعات والفرص العظيمة، فلنجعله نقطة تحول في حياتنا، ولنستقبله بقلوب نقية، ونفوس تائبة، وعزائم صادقة، حتى نكون من الفائزين برحمة الله ورضوانه.
اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا من عتقائك من النار، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.