بعد رمضان، لا تكن مثل فلان

انتصار يوم العاشر من رمضان سنة 1393هـ

رمضان: شهر الانتصارات والبطولات

يُعد شهر رمضان شهر الخير والبركة والرحمة، وهو أيضًا شهر الانتصارات العظيمة التي سطّرت في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث شهد العديد من الفتوحات والمعارك الحاسمة التي غيّرت مجرى التاريخ.

ومن بين المحطات المضيئة في تاريخ مصر، يبرز يوم العاشر من رمضان عام 1393هـ، الموافق السادس من أكتوبر 1973م، حيث تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس، التي كانت تُعتبر آنذاك أحد أصعب الحواجز المائية في العالم، محطمة بذلك خط بارليف، وهو الحاجز الترابي الضخم الذي امتد لنحو 160 كيلومترًا على الضفة الشرقية للقناة، من بورسعيد شمالًا حتى السويس جنوبًا. كان هذا الحاجز يُمثل تحديًا كبيرًا، إذ اعتبرته القيادة الإسرائيلية حصنًا منيعًا لا يمكن اختراقه، لكن الجيش المصري الباسل أثبت عكس ذلك وحقق نصرًا تاريخيًا زلزل كيان العدو، وأعاد الثقة للأمة العربية والإسلامية.

لقد كانت حرب أكتوبر 1973م معركة مصيرية لمصر، إذ جاءت بعد هزيمة يونيو 1967م، التي منحت العدو الصهيوني جرأة للادعاء بأنه القوة العسكرية التي لا تُقهر. ورغم سنوات الاحتلال والقصف الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف، لم يرضخ الجيش المصري، بل أعاد بناء قوته واستعد للثأر واستعادة الأرض والكرامة.

كان المقاتل المصري في حرب 1973م مختلفًا عن سابقه، ليس في المظهر، بل في الروح والعزيمة، فقد استمد قوته من إيمانه بالله، واستلهم بطولات قادة الإسلام العظام كخالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجراح، وصلاح الدين الأيوبي، وقطز، وعمر المختار. كان الهتاف بـ”الله أكبر” بمثابة شرارة أشعلت قلوب الأبطال، فخاضوا المعركة بعزيمة لا تلين، مستعينين بالله، مستحضرين وعده بالنصر: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق: 3)، {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} (آل عمران: 126)، {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} (آل عمران: 160).

سيظل نصر العاشر من رمضان ملحمة خالدة تجسد قوة الإرادة المصرية والعربية، ودليلًا على أن العقيدة الصلبة والعزيمة الراسخة أقوى من أي تحصينات أو عوائق مادية. لقد أثبت الجيش المصري أن المستحيل يمكن تجاوزه عندما تتحد الإرادة مع الإيمان والعمل الجاد، فكان هذا الانتصار ليس مجرد استرداد للأرض، بل استعادة للكرامة الوطنية والثقة في قدرة الأمة على تقرير مصيرها.

لقد كانت هذه الحرب نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث كسرت الغطرسة الصهيونية، وأظهرت أن التفوق العسكري لا يُقاس فقط بعدد الأسلحة، بل بالقدرة على التخطيط والإصرار على تحقيق الهدف. كما رسّخت الحرب مفهوم التضامن العربي، إذ شاركت عدة دول عربية بدعم مصر وسوريا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، مما شكل وحدة عربية قلّما تكررت في التاريخ الحديث.

إن هذا اليوم العظيم سيبقى محفورًا في وجدان الأجيال القادمة، يروي قصة بطولة وتضحية، ويؤكد أن الأمة التي تؤمن بحقها وتدافع عنه لن تُهزم أبدًا. وإننا إذ نستذكر تضحيات الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير الأرض، فإننا نستلهم منهم معاني العزة والفداء، ونجدد العهد على الحفاظ على ما حققوه بدمائهم الزكية، وأن تبقى راية الوطن خفاقة بعزم أبنائه وإخلاصهم.

رحم الله شهداء الوطن، وأعاد علينا رمضان بالنصر والكرامة دائمًا، وجعل من تاريخه المشرق شعلة تنير درب الأجيال القادمة نحو مستقبل أكثر قوة ووحدة وعزة.

إن نصر العاشر من رمضان لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان شهادة حية على قدرة الأمة عندما تتحد وتضع هدفها نصب أعينها، فقد كان رمزًا لاستعادة العزة والكرامة، ودليلًا على أن الإصرار والعزيمة قادران على كسر أي قيود مهما بدت صعبة.

واليوم، ونحن نستذكر هذه الملحمة العظيمة، علينا أن نستلهم منها دروسًا للمستقبل، فكما انتصرنا بالإيمان والعمل والتضحية، فإن طريق النجاح لأي أمة يكمن في الوحدة والعلم والتخطيط السليم. إن روح أكتوبر يجب ألا تكون مجرد ذكرى، بل نهجًا يُغرس في نفوس الأجيال القادمة، ليظل حب الوطن والتفاني في خدمته هو الهدف الأسمى لكل فرد.

كما أن واجبنا تجاه الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم لا يقتصر على تخليد ذكراهم، بل يمتد إلى العمل الدؤوب للحفاظ على ما بذلوا دماءهم من أجله، فالوطن أمانة في أعناقنا جميعًا، ومسؤوليتنا أن نساهم في بنائه وتقدمه، ليظل قويًا قادرًا على مواجهة التحديات، كما كان في ذلك اليوم العظيم.

انتصار يوم العاشر من رمضان سنة 1393هـ
انتصار يوم العاشر من رمضان سنة 1393هـ

وختاماً ستظل حرب العاشر من رمضان رمزًا خالدًا للبطولة والتضحية، وصفحة مشرقة في سجل تاريخنا المجيد، تُذكرنا دومًا بأن الإرادة الصلبة والعزيمة القوية قادرتان على تحقيق المستحيل، وأن مصر، بعون الله، ستبقى دائمًا قوية، شامخة، عزيزة بأبنائها الأوفياء.

لقد أسقطت حرب العاشر من رمضان أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، وألحقت هزيمة قاسية بالعدو الإسرائيلي، وأصبحت علامة فارقة في تاريخ العسكرية المصرية والعربية. سيظل هذا النصر المجيد مصدر فخر لكل مصري وعربي، كما يبقى وسام شرف لشهدائنا الأبرار الذين بذلوا أرواحهم فداءً للوطن، ليحيا أبناؤه في عزة وكرامة. وكما قال الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران: 169).

مزيد من الخواطر الرمضانية