لماذا لا يقدّر إعلامنا حرمة رمضان؟

لماذا لا يقدّر إعلامنا حرمة رمضان؟

لماذا أصبح رمضان شهرًا ترفيهيًا بدلًا من كونه شهرًا روحانيًا؟

لست رجل دين، ولكني اليوم أفهم جيدًا لماذا كانت والدتي تحرص على توجيه شاشة التلفاز نحو الحائط طوال شهر رمضان.

عندما كنت طفلًا، كنت أشعر بالضيق من قرار أمي التي حرمتني وإخوتي من متابعة الفوازير والمسابقات الرمضانية، بينما كان جميع أصدقائي يستمتعون بها. لم تُرضِ فضولي إجابة والدتي البسيطة: “رمضان شهر عبادة، وليس شهر فوازير!”

لم أستوعب حينها هذا المنطق، واعتبرته مجرد تشدد لا طائل منه. كيف يمكن أن تؤثر مشاهدة طفل صغير لبرنامج ترفيهي على قدسية الشهر الفضيل؟

هل منكم من سيُدير التلفاز ليواجه الحائط هذا العام؟

مرت السنوات، وأخذتني مشاغل الحياة، وانشغلت في دوامة العمل والدراسة، حتى كدت أنسى هذا التساؤل الطفولي. لكن الإجابة جاءتني بعد سنوات، من رجل بسيط، في مكان بعيد تمامًا عن محيط نشأتي، من عامل أمريكي في محطة بنزين، حيث كنت أعتاد شراء القهوة أثناء تزويد سيارتي بالوقود.

كان ذلك في ليلة عيد الميلاد (الكريسماس)، حينما رأيت الرجل منشغلًا بوضع أقفال على ثلاجة المشروبات الكحولية. أثار الأمر فضولي، فسألته:

“لماذا تغلق هذه الثلاجة؟”

أجابني بهدوء:

“هذه ثلاجة الخمور، وقوانين الولاية تمنع بيعها في ليلة ويوم الكريسماس، احترامًا لميلاد المسيح.”

بدهشة تساءلت: “لكن أليست أمريكا دولة علمانية؟ لماذا تتدخل القوانين في أمر كهذا؟”

فأجابني بكلمات بسيطة ولكنها بليغة:

“الاحترام… يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح، حتى وإن لم يكونوا متدينين. إذا فقد المجتمع الاحترام، فقدنا كل شيء.”

الاحترام…

ظلّت هذه الكلمة تتردد في ذهني لأيام، أدركت حينها أن الأمر ليس مجرد قوانين، بل ثقافة مجتمعية تُكرّس لمبدأ الاحترام. فحتى في مجتمع يشرب بعض أفراده الخمر كجزء من تقاليدهم، إلا أنهم يعتبرون يوم الميلاد مناسبة تستحق التقدير، ولا يرون من اللائق أن يُعاقروا الخمر في حضرة هذا الضيف المقدس.

أتمنى أن نحترم شهر رمضان كما يحترمون مناسباتهم، وأن نُدرك قيمة ما نتابع ونشاهد خلال هذا الشهر.

“ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.”

ربما فقد إعلامنا مفردة الاحترام، لكنه لا يزال قرارنا نحن. فهل سنكون على قدر المسؤولية هذا العام؟

كيف نستعيد روحانية رمضان؟

إذا تأملنا في رمضان اليوم، سنجد أنه تحوّل من شهر للعبادة والتأمل إلى موسم استهلاكي وترفيهي بامتياز. البرامج الكوميدية والمسلسلات تحيط بنا من كل اتجاه، وكأن الهدف من الشهر لم يعد الصيام والقيام، بل التسابق على مشاهدة أكبر عدد من الأعمال الفنية والإعلانات التجارية.

لكن، هل هذا هو رمضان الذي تربينا عليه؟ هل هذا هو الشهر الذي نزل فيه القرآن؟

رمضان لم يكن يومًا شهرًا للكسل والتسلية، بل كان دائمًا شهر الجهاد والاجتهاد، شهرًا يُغيّر فيه الإنسان من نفسه ويقترب من الله، لا أن ينساق خلف موجة الترفيه والاستهلاك المفرط.

نحن اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في تعاملنا مع هذا الشهر الكريم. علينا أن نسأل أنفسنا:

هل ما نشاهده ونفعله في رمضان يقرّبنا من الله أم يبعدنا عنه؟

هل نعيش رمضان بروحانيته أم أننا نسير مع التيار دون وعي؟

هل سنترك هذا الشهر يمر كأي شهر آخر، أم سنحترمه كما يجب؟

الاحترام لا يعني فقط أن نغلق التلفاز، بل أن ندرك قيمة هذا الشهر ونحسن استغلاله. من ترك شيئًا لله، عوّضه الله خيرًا منه، ومن عظم شعائر الله، كان ذلك دليلًا على تقوى قلبه.

ماذا لو تعاملنا مع رمضان كضيف كريم؟

تخيل لو أن رمضان كان ضيفًا عزيزًا يزورنا مرة واحدة في العام، كيف سنستقبله؟ هل سننشغل عنه باللهو والضجيج، أم سنكرمه ونقدّر قيمته؟

لو فكرنا قليلًا، لوجدنا أن رمضان يأتي ليمنحنا فرصة ذهبية لتصفية أرواحنا، لتقوية صلتنا بالله، وللعودة إلى ذواتنا الحقيقية بعيدًا عن صخب الحياة اليومية. لكنه للأسف بات اليوم مجرد موسم استهلاكي، حيث تنشط الأسواق والمطاعم، ويتسابق الإعلام لإغراقنا بالمحتوى الترفيهي، حتى أصبح هذا الشهر بالنسبة للكثيرين مرادفًا للسهر والتسلية، بدلًا من العبادة والخشوع.

لماذا لا يقدر إعلامنا حرمة رمضان؟
لماذا لا يقدر إعلامنا حرمة رمضان؟

كيف نعيد لرمضان هيبته؟

لا يمكننا تغيير الواقع الإعلامي بين ليلة وضحاها، ولكن يمكننا اتخاذ قرارات شخصية تحدث فرقًا في حياتنا:

1. فلنحدد أولوياتنا: هل سنقضي الشهر في متابعة المسلسلات، أم في تلاوة القرآن والتقرب من الله؟ القرار بأيدينا.

2. فلنقلل من الترفيه غير المفيد: ليس المطلوب أن نعيش عزلة تامة، ولكن لنكن أكثر وعيًا بما نستهلكه من محتوى.

3. فلنحيي عاداتنا الروحانية: قراءة القرآن، الذكر، صلاة التراويح، والصدقة. هذه هي الأجواء التي يجب أن تملأ رمضان.

4. فلنحترم الشهر كما نحترم أي مناسبة مقدسة: كما يحترم الآخرون أعيادهم، نحن أولى بأن نحترم رمضان.

الخيار لنا.

قد لا نستطيع التحكم فيما يُعرض على الشاشات، لكن بإمكاننا التحكم فيما نختار أن نشاهده. قد لا نمنع ضجيج العالم من حولنا، لكن يمكننا أن نصنع لأنفسنا واحةً من السكينة في بيوتنا وقلوبنا.

رمضان ليس مجرد 30 يومًا تمر وتنقضي، بل هو فرصة ثمينة قد لا تتكرر. فلنجعله شهرًا يترك أثرًا حقيقيًا في حياتنا، شهرًا نخرج منه أقرب إلى الله، لا مجرد شهر آخر من الاستهلاك والتسلية العابرة.

ليكن رمضان هذا العام مختلفًا… ليكن روحانيًا بحق.

رمضان فرصة، فلنستغلها كما ينبغي.

ليتنا نكون كذلك.

مزيد من الخواطر الرمضانية