نصائح لقارئي القرآن في شهر رمضان
نصائح قراءة القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي قال في كتابه الكريم: {شَهْرُ رمضان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى}(البقرة:185)، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أكرمه الله بوحيه، وجعل القرآن خير كتبه، كما قال عليه الصلاة والسلام: “خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه”، أما بعد:
لقد خصَّ الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بالعديد من الفضائل، منها أنه أفضل شهور السنة، ويتميز بليلة القدر، وفيه نزل القرآن الكريم. فقد أُنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم بدأ نزوله متدرجًا على مدار ثلاث وعشرين سنة. ولقد شرف هذا الشهر بنزول القرآن فيه، لذا أصبح يُعرف بشهر القرآن، ويظهر بوضوح ارتباط القرآن بشهر رمضان.
أحوال الناس في قراءة القرآن
كثيرًا ما يتساءل البعض في رمضان عن أيهما أفضل: قراءة القرآن بتدبر، أم قراءته بسرعة لتحقيق أكبر عدد من الختمات؟ هذه العبادات لا تتناقض ولا تتعارض مع بعضها البعض، ويعود الاختيار إلى حالة القارئ ومرتبته:
الصنف الأول: وهم عامة الناس الذين قد لا يتمكنون من تدبر الآيات أو فهم معانيها بشكل كامل، وبالتالي يكون الأفضل لهم زيادة في القراءة من أجل تكثير الحسنات، كما ورد في الحديث: “لا أقول ‘ألم’ حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف”.
الصنف الثاني: وهم العلماء وطلبة العلم، الذين قد يقرؤون القرآن بهدفين: الأول هو كثرة الختمات لزيادة الأجر، والثاني هو تدبر معاني القرآن واستنباط الدروس منه. وهؤلاء هم الأكثر قدرة على الاستفادة من معاني القرآن وتطبيقها في حياتهم.
لا تعارض بين الأسلوبين؛ إذ يمكن الجمع بينهما حسب الحاجة والوقت. ومن الأدق أن يُقال: الفهم أتم من عدمه. كما شبَّه بعض العلماء قارئ القرآن بتدبر كمن يقدم جوهرة، بينما قارئه دون تدبر كمن يقدم دراهم كثيرة.
تنبيهات تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان
1. الاستمرارية في القراءة: من المؤسف أن العديد من الناس يبدؤون شهر رمضان بنشاطٍ وحماس، ثم سرعان ما يفترون ويقل نشاطهم. لذا، يجب على المسلم أن يحدد لنفسه جزءًا معينًا يقرؤه يوميًا، مما يضمن ختم القرآن في رمضان، وإذا استمر في هذا الأسلوب طوال العام، سيكون قادرًا على ختمه عدة مرات.
2. التفسير المختصر: يُفضل لمن يقرأ القرآن أن يكون معه تفسير مختصر يبين معاني الآيات، وذلك يعين على التفاعل مع النصوص وفهمها بشكل أفضل. من بين الكتب التي يمكن أن تكون مفيدة “التفسير الميسر” أو “تفسير كلمات القرآن”.
3. تقييد الفوائد والمشكلات: أثناء قراءة القرآن، قد تظهر بعض الفوائد أو المشكلات التي تستحق التدوين، وذلك حتى لا تضيع الفائدة.
4. القراءة في الليل: من أفضل أوقات العبادة قراءة القرآن في الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا ليغفر للعباد ويستجيب لدعائهم.
5. تأثير التراويح: من فوائد صلاة التراويح في رمضان أن المستمعين للقرآن من خلال القراء المتقنين يختبرون تأثيرًا قويًا على قلوبهم، مما يجعلهم أكثر تفاعلًا مع كلام الله. يجب على المسلم أن يختار القراء الذين يؤثرون فيه بقوة.
6. التأثر بالقرآن: قد لا يشعر البعض بالتأثر الكامل أثناء تلاوة القرآن، وقد يعود ذلك إلى المعاصي والذنوب. لكن من الممكن تحسين الاستجابة بكثرة الطاعات والتقوى. كما أن التفسير المسبق للآيات التي سيتلوها الإمام يساعد في زيادة التأثر.
7. المداومة على الطاعات: رمضان فرصة عظيمة لزيادة العبادة، لكن من المهم الاستمرار في الطاعات بعد انتهاء الشهر. يُنصح بالمواظبة على الأعمال الصالحة بشكل يومي، ولو كانت قليلة، لتحقيق أكبر قدر من القرب لله تعالى.
الخاتمة
شهر رمضان هو محطة روحانية يتزود منها المسلمون لقوة عبادة في حياتهم الدنيا، ومفتاح لطريقهم إلى الجنة. هذه الفترة فرصة عظيمة للتقرب إلى الله بالصيام والقيام وقراءة القرآن. فلنغتنم هذه الفرصة بأقصى ما نستطيع، ونسأل الله أن يعيننا على ذلك.
أسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يجعلنا من الذين يسيرون في رمضان على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، ويستمرون في الطاعات بعد انقضاء هذا الشهر الكريم. فشهر رمضان هو فرصة عظيمة للغفران والتوبة والتقرب إلى الله، ولا ينبغي للمسلم أن يفرط في هذه الفرصة العظيمة.
إن رمضان ليس مجرد شهر للصيام عن الطعام والشراب فقط، بل هو شهر للتجديد الروحي، والتطهير الداخلي، والاعتكاف في رحاب الله. في هذا الشهر، يجب أن نجتهد في تقوية علاقتنا مع القرآن الكريم، وأن نجعل من تلاوته وقراءته والتدبر في آياته ركيزة أساسية في حياتنا. كما ينبغي علينا أن نحرص على أن تكون عباداتنا أكثر إخلاصًا، وأن نستشعر معاني الصلاة والقيام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التغيير الذي يحدث في رمضان يجب أن لا يكون محصورًا في الشهر نفسه فقط، بل يجب أن يمتد ليشمل كافة أشهر السنة، لكي لا نعود إلى ما كنا عليه من تهاون في العبادة. الاستمرار في الطاعات، ولو كان بمقدار قليل، هو الأهم، لأن الثبات على الطاعة هو ما يرضي الله ويزيد من قربنا إليه.
نسأل الله أن يعيننا على الاستمرار في طريق الخير، وأن يوفقنا لمضاعفة أعمالنا الصالحة في رمضان وبعده. وأن يعمّنا بركة هذا الشهر الفضيل، ويغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر. اللهم اجعلنا من أهل القرآن، واجعل رمضان هذا الشهر المبارك نقطة انطلاق لقلوبنا نحو القرب منك، وطريقًا إلى الجنة.
وفي الختام، نتذكر أن رمضان هو مدرسة تربوية عظيمة تعلمنا كيف نكون أقوى في إيماننا، وأقرب إلى الله، وأفضل في علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين. فلا تفوتوا على أنفسكم هذه الفرصة الثمينة، بل اجعلوا من رمضان بداية جديدة لطريق طويل نحو الإصلاح الروحي.
اللهم تقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وغفر لنا ولأحبابنا ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلنا من الذين فازوا برحمة الله في هذا الشهر الكريم.
إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من أهل القرآن، وأن يتقبل منا أعمالنا في هذا الشهر الكريم.