ويل لمن بلغ رمضان ولم تُغفر له ذنوبه
من بلغ رمضان ولم تغفر ذنوبه
من أعظم نعم الله على عباده المؤمنين أن يبلغهم شهر رمضان المبارك، فقد اختصه الله سبحانه وتعالى بفضائل عظيمة وخصائص فريدة، مما جعله شهراً مختلفاً عن باقي شهور السنة. ففيه يُشرع صيامه كأحد أركان الإسلام، ويعتبر شهراً تتنزل فيه الرحمة والمغفرة، وتتضاعف فيه الأجور، وتُغفر الذنوب وتُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار. كما يُعتق الله فيه عباده من النار، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه لما يحمله من خير عظيم وبركات وفوائد لا تعد ولا تحصى. وكان عليه الصلاة والسلام يقول: “أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” (رواه النسائي وصححه الألباني).
وقد ورد في الأحاديث النبوية العديد من الأحاديث الصحيحة التي تبرز فضائل رمضان، ويدعو المسلم في هذا الشهر الكريم إلى استقبال هذه الفرصة العظيمة بشكر وعبادة، ليخرج منه وقد زاد في تقواه واستقامته. فإن من بلغ شهر رمضان وكان عازماً على الطاعة، يخرج منه وقد غُفرت له ذنوبه، ويكون من الفائزين في الدنيا والآخرة. ولكن من يدخل رمضان دون أن يستفيد منه ويقع في المعاصي والذنوب دون توبة، فهذا هو الخاسر بحق، فقد خسر فرصة عظيمة قد لا تتكرر.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له” (رواه الترمذي وصححه الألباني). كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أن الخسران الحقيقي هو أن يدخل رمضان دون أن يغفر له، وقال: “رغم أنف رجل أدرك رمضان فلم يغفر له” (رواه البزار وصححه الألباني).
من خلال هذه الأحاديث النبوية، يظهر لنا عظمة هذا الشهر الكريم وكيفية استثمار وقته بالصيام والقيام، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة. كان الصحابة رضوان الله عليهم يدعون الله طوال العام أن يبلغهم هذا الشهر المبارك، ويشكرونه بعد انقضائه على ما أتموه من عبادة وطاعة. ورمضان هو موسم للغفران وتكفير السيئات، ولا ينبغي للمسلم أن يمر عليه دون أن يحقق في هذا الشهر الكريم أعلى درجات العبادة والتقوى.
ونحن في هذا الشهر المبارك، يجب أن نتذكر أن رمضان ليس مجرد فرصة للامتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة لتجديد العهد مع الله، وتعميق علاقة الإنسان بخالقه. هو زمن للتوبة الصادقة، والاعتراف بالذنوب، والرجوع إلى الله بقلب مخلص نقي. فلا ينبغي للإنسان أن يضيع هذه الفرصة السانحة من خلال الانشغال بالملذات أو الغفلة عن العبادة.
الحديث النبوي الشريف الذي يوضح “رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له” هو تحذير للمسلم من أن يتجاهل ما جاء فيه من فرص عظيمة، فكما ذكرنا سابقاً، رمضان هو “موسم الغفران” و”تصفيد الشياطين”. فإذا انشغلنا بالأمور الدنيوية وتجاهلنا العبادات والطاعات، فإننا بذلك نكون قد خسرنا أفضل أيام العام وأعظم فرصة قد منحها الله لنا.
وكما كان الصحابة يدعون الله بصدق أن يبلغهم رمضان، فإننا اليوم ينبغي أن نستغل كل لحظة فيه بالتقرب إلى الله والابتعاد عن المعاصي. وكل لحظة تمضي من رمضان هي فرصة للتوبة وتجديد النية والحرص على العمل الصالح، سواء كان ذلك بالقيام أو التلاوة أو الصدقات أو الدعاء.
شهر رمضان هو فرصة لتحقيق مكاسب روحية عظيمة، بل هو موسم للتغيير الإيجابي في حياة المسلم. فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185]. رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ولذلك فإن من أبرز العبادات فيه هو تلاوة القرآن الكريم، وفهم آياته والعمل بها.
وأخيراً، على المسلم أن يظل ملتزماً في هذا الشهر الكريم بالاستمرار في التقوى والصلاح بعد رمضان، فالتغيير الحقيقي في حياة المسلم هو ما يحدث بعد انتهاء الشهر. يجب أن نكون ممن يثبتون على العبادة والطاعة ولا نعود إلى غفلتنا أو معاصينا بعد انتهاء الشهر الفضيل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعًا لاغتنام هذا الشهر الكريم بما يرضيه، وأن يعيننا على العبادة والتقوى. فشهر رمضان هو فرصة للتغيير الإيجابي في حياتنا، وهو فرصة لننظف قلوبنا ونطهر أنفسنا من الذنوب والآثام. ولهذا يجب أن يكون هدفنا في هذا الشهر هو أن نكون أفضل نسخة من أنفسنا، سواء من خلال تقوية علاقتنا مع الله أو بتعزيز روابطنا مع الآخرين من خلال الأعمال الصالحة.
من الضروري أن ندرك أن رمضان ليس فقط للصوم عن الطعام والشراب، بل هو صوم عن جميع أنواع المعاصي، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. هو فرصة للتخلي عن العادات السيئة والتخلص من التعلق بالماديات التي قد تلهينا عن العبادة. في رمضان، يصبح قلب المؤمن أكثر استعدادًا للخشوع والخضوع لله، لأن الله سبحانه وتعالى يفتح أبواب رحمته وفضله في هذا الشهر المبارك.
كما يجب على المسلم أن يتحلى بروح التعاون والمساعدة في رمضان، وأن يسعى لتحقيق السلام الداخلي والخارجي. إن التراحم بين المسلمين في هذا الشهر، سواء كان من خلال الصدقة أو العون المتبادل، يزيد من بركة الشهر ويفتح أبواب الرزق والتوفيق.
وعلاوة على ذلك، يجب أن نتذكر أن الله سبحانه وتعالى يحب المتقين والمتطهرين، ويعطي الفرص لمن أراد التوبة. في رمضان، تتضاعف الحسنات وتُغفر السيئات، وهو فرصة عظيمة لكل مسلم للتقرب إلى الله بالدعاء والذكر والعبادات. حتى لو كانت ذنوبنا كبيرة، فإن رحمة الله أوسع وأكبر، وهو القادر على أن يغفر لنا ويسامحنا إذا صدقنا التوبة وأخلصنا في نياتنا.

في الختام، نسأل الله أن يجعلنا من الذين يوفقهم لصيام رمضان وقيامه، وأن يعيننا على المداومة على الطاعة بعد رمضان، وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الفضيل. اللهم اجعل رمضان لنا ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهر رحمة ومغفرة وعتق من النار، واجعلنا من أهل الجنة.
نسأل الله أن يعيننا على صيام رمضان وقيامه، وأن يوفقنا لاغتنام كل لحظة من هذا الشهر المبارك بما يرضيه، وأن يجعلنا من الفائزين برحمة الله وعتقه من النار.
وفي الختام، نسأل الله أن يجعلنا من الذين يصومون رمضان إيماناً واحتساباً، وأن يوفقنا لصيامه وقيامه بما يرضيه، وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن الفائزين في الدنيا والآخرة.