شهر رمضان هو الشهر الذي نزل فيه القرآن
شهر رمضان
تفسير قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان…)
يتناول هذا المقال تفسير آية الصيام من سورة البقرة (185)، وذلك من خلال عشر مسائل رئيسية توضّح معانيها وأحكامها، وفقاً لما ورد في تفاسير العلماء.
1. معنى “الشهر” واشتقاقه
كلمة “الشهر” مشتقة من “الشُّهرة” لأن الهلال يظهر للناس في بداية الشهر، فيشهرونه برؤيته. وشهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم القمري الإسلامي. وقد سُمِّي بهذا الاسم من “الرمضاء”، أي الحرارة الشديدة، لأنه كان يقع في بداية الحر وفقاً للنظام الزمني عند العرب قبل الإسلام.
ويرى ابن عاشور أن إضافة لفظ “الشهر” إلى “رمضان” في الآية الكريمة جاءت للتأكيد على استيعاب جميع أيامه بالصيام، وذلك لتجنب أي التباس قد ينشأ عن ذكر رمضان دون الإشارة إلى كونه شهراً كاملاً.
2. إنزال القرآن في شهر رمضان
المقصود بإنزال القرآن في شهر رمضان هو بدء نزوله على النبي محمد ﷺ، حيث نزل أول جزء منه في ليلة القدر. ويعبّر عن نزول القرآن كله عند بداية إنزاله، كما هو الحال في بعض الآيات الأخرى التي تتحدث عن نزول الكتب السماوية.
يقول القرطبي إن القرآن أُنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى “بيت العزة” في السماء الدنيا، ثم نزل مفرَّقًا بحسب المناسبات خلال 21 سنة.
واختير شهر رمضان لهذا الحدث الجليل لأنه تميز بنزول القرآن، وهو كتاب الهداية والتشريع، فناسب أن يكون زمنه متعلّقًا بتطهير النفوس بالصيام.
3. دلالة (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)
توضح هذه العبارة أن شهر رمضان مُفضَّل لكونه زمان نزول القرآن، الذي هو هداية للناس. و”البينات من الهدى” تعني الأدلة الواضحة على الحق، مثل دلائل التوحيد والنبوة. أما “الفرقان”، فهو الذي يميز بين الحق والباطل، سواء في العقائد أو الشرائع.
4. معنى (شهد) في الآية
لفظ (شهد) في الآية يمكن أن يعني “حضر”، أي أن من كان مقيماً ولم يكن مسافراً في رمضان فعليه الصيام. كما يمكن أن يعني “علم”، أي من تحقق من دخول شهر رمضان. ولا يصح تفسيره بمعنى “رأى” فقط، إذ إن ذلك يفضي إلى فهم خاطئ بأن الصيام لا يجب إلا لمن شاهد الهلال بنفسه.
5. حكم المرض والسفر في الصيام
تكرار ذكر الرخصة في قوله (فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر) جاء ليؤكد بقاء حكم الرخصة بعد أن أصبح الصيام فرضًا محددًا بشهر رمضان
والمرض نوعان:
مرض شديد لا يمكن معه الصيام: يجب الإفطار.
مرض يمكن معه الصيام لكنه يسبب مشقة: يستحب الإفطار، والصيام مكروه.
6. التيسير في الأحكام (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)
هذه الآية توضح أن تشريع الصيام ليس لإرهاق الناس، وإنما لتحقيق التقوى مع مراعاة أحوالهم. وهذا يشمل الرخصة للمريض والمسافر، مما يدل على رحمة الشريعة الإسلامية.
7. إكمال عدة الصيام
الأمر بـ (ولتكملوا العدة) يعني وجوب صيام أيام رمضان كاملة، سواء بشكل متواصل أو مع قضاء الأيام التي أفطرها أصحاب الأعذار، تحقيقًا لحكمة الصيام.
8. التكبير بعد الصيام
الآية تشير إلى مشروعية التكبير بعد انتهاء رمضان (ولتكبروا الله على ما هداكم). والتكبير يُراد به تعظيم الله، ومن السنن أن يكون التكبير جماعيًا أو فرديًا في ليلة العيد وصباحه.
9. شكر الله على الهداية
قوله (ولعلكم تشكرون) يعني أن المقصود من الصيام والتكبير هو تحقيق الشكر لله على هدايته لنا إلى الإسلام وأحكامه، وذلك يكون بالطاعة، والتكبير، والصدقات، وإظهار الفرح المشروع في العيد.
10. العلاقة بين التكبير والشكر في ختام الصيام
يختم الله تعالى الآية بذكر الحكمة من التشريع، وهي تحقيق الشكر لله على الهداية، فقال: (ولعلكم تشكرون). والشكر هنا يشمل معاني متعددة:
1. شكر الله على نعمة الهداية والتشريع: فقد أرشدنا إلى صيام شهر رمضان وبيّن لنا أحكامه، مما يحقق التقوى والطاعة.
2. التكبير كجزء من الشكر: جاء الأمر بالتكبير عقب الصيام، ليكون وسيلة لتعظيم الله وتمجيده، خصوصًا في عيد الفطر، حيث يكبر المسلمون إعلانًا بتمام العبادة.
3. الشكر بالأفعال: لا يقتصر الشكر على الأقوال، بل يشمل أيضًا العبادات كإخراج زكاة الفطر، وصلة الرحم، ومواساة المحتاجين، وكل ما يُظهر الامتنان لله على نعمه.
خلاصة التفسير
تشير هذه الآية الكريمة إلى فرضية الصيام في شهر رمضان، وتوضح مكانته باعتباره الزمن الذي نزل فيه القرآن الكريم، مما جعله شهر الهداية والتشريع. كما تبين الرخصة للمريض والمسافر، وتؤكد أن الهدف من الصيام ليس المشقة، وإنما تحقيق التقوى وتيسير العبادة. ويأتي ختام الآية بالتكبير والشكر، مما يرسّخ قيمة الاحتفال بنعمة الصيام وإتمام العبادة بطريقة مشروعة.
بهذا يكون تفسير الآية قد اكتمل، موضحًا معانيها بأسلوب واضح وشامل، مع إبراز الفوائد التشريعية والروحية للصيام في شهر رمضان.
أوجه الإعجاز في آية الصيام
تحتوي آية الصيام على العديد من أوجه الإعجاز التشريعي واللغوي والعلمي، والتي تعكس دقة التعبير القرآني وسِعة التشريع الإسلامي.
1. الإعجاز التشريعي
التدرج في فرض الصيام: في بداية الأمر، كان الصيام اختياريًا بين الصيام أو دفع الفدية، ثم جاء الأمر الحاسم بوجوبه على كل من شهد الشهر. وهذا التدرج يتماشى مع طبيعة الإنسان في التكيف مع العبادات.
الرخصة للمريض والمسافر: وهذا يدل على مراعاة الإسلام للضرورات والحاجات، وهو ما يتوافق مع قاعدة “المشقة تجلب التيسير”.
2. الإعجاز اللغوي
اختيار الألفاظ في الآية يعكس بلاغة القرآن، فمثلاً:
استخدام “هدى للناس وبينات من الهدى” يفيد أن القرآن ليس فقط مصدر هداية، بل فيه أدلة واضحة تقود الإنسان إلى الحق.
تكرار كلمة “الهدى” يؤكد أهمية القرآن في إرشاد البشرية.
قوله “الفرقان” يشير إلى قدرة القرآن على الفصل بين الحق والباطل بشكل قاطع.
3. الإعجاز العلمي في الصيام
أثبتت الدراسات الحديثة أن الصيام له فوائد صحية عظيمة، مثل:
إزالة السموم من الجسم وتحسين وظائف الجهاز الهضمي.

تحفيز عملية إصلاح الخلايا وتقليل الالتهابات، وهو ما يعرف علميًا بعملية Autophagy (الالتهام الذاتي) التي اكتشفها العلماء في العصر الحديث.
تجديد الطاقة وتحسين الصحة النفسية، حيث يساعد الصيام في تهذيب النفس وتقوية الإرادة.
التطبيقات العملية لآية الصيام في حياة المسلمين
هذه الآية لا تقتصر على التشريع، بل تحمل توجيهات عملية تساعد المسلمين في تنظيم حياتهم الروحية والاجتماعية، ومنها:
الالتزام برؤية الهلال لضبط أوقات العبادات وفق التقويم القمري الإسلامي.
تعظيم الشعائر من خلال الالتزام بالصيام وإظهار التكبير عند انتهاء العبادة.
التكافل الاجتماعي من خلال زكاة الفطر والإحسان للفقراء، تحقيقًا لمعنى الشكر لله.
خاتمة
تجمع هذه الآية بين الأحكام الشرعية، والمعاني الروحية، وأوجه الإعجاز، مما يجعلها من أعظم آيات القرآن الكريم التي تبيّن مكانة شهر رمضان وأهمية الصيام كركن من أركان الإسلام.