“إلا الصيام”
الصيام
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الذي قال في كتابه العزيز:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، خير من صام وقام، القائل:
“من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه” (متفق عليه).
فضل الصيام وعظيم أجره
يُعدُّ الصيام من أعظم العبادات وأحبِّها إلى الله تعالى، فهو من العبادات التي ترفع درجات المؤمن، وتقرّبه إلى ربه، ولذلك فإن أجره عند الله عظيم لا يعلمه إلا هو. ففي الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، قال:
“كل عمل ابن آدم له يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك” (رواه مسلم).
تفسير الحديث وخصوصية الصيام
يشير هذا الحديث إلى أن جميع أعمال الإنسان مضاعفة الأجر، حيث يمنح الله الحسنات بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، إلا الصيام، فهو عبادة خالصة بين العبد وربه، لا يطّلع عليها أحد، ولهذا فقد استأثر الله بثوابه، وأخذه لنفسه دون تحديد مقدار الأجر.
وقد ذكر العلماء عدة تفسيرات لمعنى قوله تعالى: “إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”:
1. الصوم عبادة خفية: فهو عمل لا يظهر للناس، على عكس الصلاة والزكاة والحج، فهو سرٌّ بين العبد وربه، مما يجعله بعيدًا عن الرياء، ومخلصًا لله وحده.
2. عدم دخول الصيام في القصاص: حيث إن أعمال الإنسان قد تؤخذ منه يوم القيامة لتعويض من ظلمهم، إلا الصيام، فهو عبادة محفوظة عند الله، يجزي بها الصائم مباشرة.
3. عدم وقوع الشرك في الصوم: بخلاف بعض العبادات التي قد يشوبها الشرك كالنذر أو الذبح لغير الله، فإن الصيام لا يُقدم إلا لله، فهو عبادة خالصة.
دعوة لاستغلال هذه العبادة العظيمة
وبناءً على هذه الفضائل العظيمة، ينبغي لنا أن نستغل هذا الشهر المبارك، ونجتهد في الصيام والقيام بإخلاص، رجاء أن نفوز بالأجر العظيم من الله عز وجل، فهو الكريم الذي يضاعف الجزاء لعباده الصالحين.
نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، وأن يعيننا على أداء الصيام والقيام على الوجه الذي يرضيه عنّا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، فالصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو تهذيب للنفس، وتطهير للقلب، وتعويدٌ على الصبر والتقوى.
فلنحرص جميعًا على اغتنام هذا الشهر الفضيل، بالإكثار من الطاعات، وتلاوة القرآن، والدعاء، والصدقة، وترك كل ما يُنقص الأجر من لغو أو معصية، حتى يكون صيامنا مقبولًا، وننال عظيم الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم صيامًا مقبولًا، وذنبًا مغفورًا، وعملاً متقبلًا، إنه سميع مجيب.
كما أن الصيام مدرسة إيمانية عظيمة، تُعلِّم المسلم الصبر، وتقوي عزيمته، وتزرع فيه الإحساس بالفقراء والمحتاجين، فيتجلى التكافل الاجتماعي بأبهى صوره، حيث يسارع المسلمون إلى البذل والعطاء، طلبًا للأجر والمثوبة من الله تعالى.
وفي هذا الشهر المبارك، تتضاعف الحسنات، وتُفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، وتُصفّد الشياطين، فحريٌّ بنا أن نغتنم هذه الفرصة العظيمة، ونجدد علاقتنا بالله، ونتقرب إليه بالطاعات، ونسأله القبول والمغفرة.

ومن أهم ما يجب أن يحرص عليه الصائم:
1. إخلاص النية لله تعالى في صيامه وقيامه، والبعد عن الرياء.
2. التحلي بالأخلاق الحسنة، فليس الصيام مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو اجتنابٌ للغو والرفث والجدال.
3. الإكثار من قراءة القرآن والتدبر فيه، فهو شهر القرآن الذي نزل فيه هدى للناس.
4. الإحسان إلى الناس، بالبذل والصدقة، وصلة الأرحام، والتخفيف عن المحتاجين.
5. الاجتهاد في قيام الليل، واغتنام العشر الأواخر، طمعًا في الفوز بليلة القدر، التي هي خيرٌ من ألف شهر.
وختامًا، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم هذا الشهر الكريم، وأن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يجعلنا من عتقائه من النار، ويكتب لنا القبول والمغفرة، ويجعلنا من الفائزين بجناته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.