إلى أي فريق ستنضم هذا الشهر؟
استعدادك لرمضان: اختيار الطريق الصحيح
مع اقتراب الشهر الفضيل، يتعين علينا أن نقرر كيف سنقضي أيامه ولياليه. فالبشر في رمضان ينقسمون إلى فريقين، كما أشار الله تعالى في قوله:
﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 24]
الفريق الأول هو من تاقت أرواحهم إلى القرب من الله، واستعدوا لهذا الشهر العظيم ببرامج مليئة بالعبادة والذكر، فلا مكان لديهم للغفلة أو الكسل. يجدون في الصيام والقيام متعةً خاصة، ويتطلعون بشوق لكل لحظة في رمضان، فقد أدركوا قيمة هذا الشهر فسارعوا إلى اغتنامه، مستجيبين لنداء الله بقلوب واعية ونفوس متلهفة.
أما الفريق الآخر، فهم من غلبتهم الغفلة، وأثقلتهم الذنوب، وأصبحوا أسرى لشهواتهم، فابتعدوا عن النفحات الربانية التي يزخر بها رمضان، وكأن قلوبهم قد غلفت، لا يدركون عظمة الفرصة التي بين أيديهم. تراهم منشغلين بما لا ينفع، يضيعون الأوقات دون إحساس بقيمتها، وكأنهم في غيبوبة روحية.
وقفة مع النفس
لنسأل أنفسنا:
كم من السنين قضيناها نتمتع بنعم الله؟
كم سجدة أديناها؟ كم مرة أكملنا تلاوة القرآن؟
هل سعينا لمجاهدة أنفسنا، أم استسلمنا للهو والمعاصي؟
كم من العمر قد مضى؟ عشرون عامًا؟ ثلاثون؟ أم أننا اقتربنا من النهاية دون أن ندرك؟
يخبرنا النبي ﷺ في حديثه:
“أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ” (رواه الترمذي).
إذًا، فإن حياتنا قصيرة، وأعمالنا قليلة، فكيف نضيعها في الغفلة؟ أما آن الأوان لنجتهد فيما بقي؟
القرار بيدك:
إذا منحك الله فرصة الحياة لشهر رمضان هذا، فاجعلها في طاعته، واختر أن تكون مع الفائزين، مستجيبًا لندائه:
﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 20]
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾ [فاطر: 19 – 22]
إن الذين يكرسون أنفسهم لطاعة ثلاثين يومًا لن يكونوا كالذين أهدروا هذا الوقت في الغفلة والكسل. رمضان فرصة لا تعوض، وأنت وحدك المسؤول عن قرارك، فإما أن تكون من الناجين أو أن تخسر خسارة لا تعوض.
استعد لرمضان بروح جديدة
لا تدع هذه الفرصة تفوتك، لا تتردد في إعادة ترتيب أولوياتك. اجعل رمضان هذا العام مختلفًا، واغتنم كل لحظة فيه بالعبادة والطاعة، وردد في نفسك أن هذا الشهر سيكون أفضل مما سبق، مستعينًا بالله على تحقيق ذلك.
وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
“مَن أراد السعادة الأبدية، فليلزَم عَتبةَ العبودية.”
كيف تستعد لرمضان؟
إذا كنت تسعى لجعل رمضان هذا العام نقطة تحول في حياتك، فابدأ بالتخطيط الجاد لاستقباله بطريقة صحيحة. إليك بعض الخطوات العملية التي تساعدك على تحقيق أقصى استفادة من هذا الشهر الكريم:
1. تصحيح النية وتجديد العهد مع الله
رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة عظيمة لتطهير القلب وتقوية الصلة بالله. اجعل نيتك خالصة لله، واسأل نفسك: كيف يمكنني أن أحقق أقصى قرب من الله هذا الشهر؟
2. التوبة الصادقة والاستغفار
قبل أن تبدأ رحلتك الرمضانية، تخلص من أثقال الذنوب والمعاصي. اجعل توبتك صادقة، واعقد العزم على عدم العودة إلى ما يغضب الله. قال تعالى:
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]
3. إعداد جدول زمني للعبادة
رمضان أيامه معدودة، والوقت فيه ثمين، فلا تدعه يضيع دون فائدة. ضع لنفسك برنامجًا يشمل:
قراءة جزء من القرآن يوميًا على الأقل.
المحافظة على الصلوات في وقتها، وأداؤها في المسجد إن أمكن.
الإكثار من الذكر والتسبيح والاستغفار.
تخصيص وقت لقيام الليل والدعاء، خاصة في العشر الأواخر.
4. التقليل من العادات السيئة
إذا كنت تقضي ساعات طويلة على مواقع التواصل أو في مشاهدة التلفاز، فحان الوقت لتخفيف هذه العادات واستبدالها بأعمال صالحة. اجعل رمضان فرصة لكسر هذه العادات السلبية.
5. الحرص على الصدقة وفعل الخير
الرسول ﷺ كان أجود الناس في رمضان، وكان يتضاعف كرمه في هذا الشهر. ابحث عن فرص لمساعدة المحتاجين، سواء بالمال أو بالطعام أو بأي عمل خيري.
6. الابتعاد عن المشاحنات والغضب
رمضان شهر الصفاء، فحاول أن تبتعد عن الغضب والجدال، وتحلَّ بالصبر والحلم، وكن سببًا في نشر الخير بين الناس.
رمضان قد يكون فرصتك الأخيرة، فلا تضيعها بالغفلة أو التسويف. قرر الآن أن تجعله نقطة تحول في حياتك، وأن تخرج منه وقد ازددت قربًا من الله، فالفائز الحقيقي هو من يغتنم أيامه ولياليه، ويخرج منه وقد غُفرت ذنوبه، وقُبل عمله.
فماذا سيكون قرارك هذا العام؟ هل ستنضم إلى الفائزين أم ستبقى مع الغافلين؟

اجعل رمضان بداية جديدة لحياتك
رمضان ليس مجرد شهر يمر بنا كل عام، بل هو فرصة ذهبية للتغيير، ومحطة روحانية يمكن أن تكون نقطة تحول في حياتك للأفضل. فالسعيد من أدرك قيمته وعمل فيه بجد، والشقي من مر عليه ولم يغتنمه.
1. ضع خطة واضحة للعبادة
لكي لا يضيع رمضان دون تحقيق أهداف واضحة، ضع لنفسك خطة تتناسب مع قدراتك وتشمل:
ختم القرآن: حدد لنفسك وردًا يوميًا للقراءة والتدبر.
المحافظة على الصلوات: صلِّ في المسجد إن أمكن، وكن حريصًا على السنن والنوافل.
قيام الليل: لا تفوت هذه الفرصة العظيمة، حتى لو بركعات قليلة.
الذكر والاستغفار: اجعل لسانك رطبًا بذكر الله في كل وقت.
الصدقة والعمل الصالح: حتى لو بالقليل، فالأجر مضاعف في رمضان.
2. استثمر وقتك فيما ينفع
رمضان ليس شهرًا لإضاعة الوقت أمام الشاشات أو في اللهو غير المفيد. قلل من استخدام الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، وخصص وقتك لما ينفعك في دنياك وآخرتك.
3. اغتنم العشر الأواخر
أهم ليالي العام تأتي في العشر الأواخر، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. لا تجعل هذه الليالي تمر عليك كأي ليالٍ أخرى، بل اجتهد فيها بالصلاة والدعاء والتقرب إلى الله.
4. جاهد نفسك وكن صادقًا مع الله
التغيير يبدأ من الداخل، ولن تشعر بلذة العبادة إلا إذا جاهدت نفسك على الطاعة وتركت المعاصي، فاجعل رمضان نقطة انطلاق حقيقية لك نحو حياة أكثر قربًا من الله.
الخاتمة: رمضانك هذا العام مختلف
لا تجعل رمضان يمر دون أن يكون له أثر في حياتك. اغتنمه بكل ما أوتيت من قوة، وكن من الذين يفرحون يوم العيد وقد كُتبت لهم المغفرة.
فالقرار بيدك: هل ستجعله رمضانًا كغيره، أم ستجعل منه البداية الحقيقية لحياتك مع الله؟
فهيا، خذ قرارك الآن، واختر أن تكون مع الفائزين!