احرصوا على السحور، ففيه بركةٌ وخير
فضل السُّحور وأحكامه في الصيام
تعريف السُّحور ومعناه
يُطلق مصطلح السُّحور على الطعام الذي يُتناول في آخر الليل قبل الفجر، وذلك بفتح السين، أما بضمها (السَّحور) فيشير إلى فعل تناول هذا الطعام. وقد ورد عن النبي ﷺ قوله:
“تسحَّروا، فإن في السُّحور بركة” (متفق عليه).
هل السُّحور واجب أم مستحب؟
اتفق علماء الأمة على أن السُّحور مستحب وليس واجبًا، وهو ما نقله الإمام ابن المنذر عن إجماع أهل العلم. وقد استدل الفقهاء على استحبابه بأن النبي ﷺ وأصحابه واصلوا الصيام لأيام متتالية دون تناول السُّحور، مما يدل على أنه ليس فرضًا.
أوجه البركة في السُّحور
السُّحور يحمل العديد من الفوائد الروحية والجسدية، ومنها:
1. اتباع سنة النبي ﷺ: فهو من العبادات التي سنَّها لنا رسول الله ﷺ، مما يترتب عليه الأجر والثواب.
2. مخالفة أهل الكتاب: فقد قال النبي ﷺ: “فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحر” (رواه مسلم)، مما يدل على خصوصية هذه العبادة في الإسلام.
3. تقوية البدن وتحمل مشقة الصيام: حيث يمدّ الجسم بالطاقة التي تساعده على أداء العبادات والنشاط اليومي دون مشقة زائدة.
4. الاستعانة على قيام الليل وذكر الله: فتناول السُّحور يساعد المسلم على الاستيقاظ في وقت السَّحر، وهو وقت نزول الرحمة واستجابة الدعاء.
5. تقليل التوتر وسوء المزاج الناتج عن الجوع: فقد ذكر الإمام ابن دقيق العيد أن من بركات السُّحور أنه يخفف من الآثار النفسية السلبية التي قد يسببها الجوع أثناء الصيام.
أقل السُّحور وأفضل طعام فيه:
يكفي في السُّحور تناول جرعة ماء، كما قال النبي ﷺ:
“السُّحور أكله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء” (رواه أحمد، وإسناده حسن).
ولكن يُستحب أن يكون السُّحور من التمر لقوله ﷺ: “نِعْمَ سَحُورُ المُؤْمِنِ التَّمْرُ” (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
وقت السُّحور:
السُّحور يبدأ في آخر الليل ويمتد حتى أذان الفجر الثاني. وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال:
“إن بلالًا يؤذِّن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم” (متفق عليه).
وبعض العلماء قالوا إن وقت السُّحور يبدأ من منتصف الليل، لكن القول الراجح أنه يكون في الجزء الأخير من الليل وليس بمجرد انتهاء صلاة التراويح.
السنة في تأخير السُّحور:
من المستحب تأخير السُّحور إلى قبيل أذان الفجر، ما لم يكن هناك خشية من طلوع الفجر أثناء الأكل، كما جاء في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه:
“تسحَّرنا مع النبي ﷺ، ثم قمنا إلى الصلاة. قيل: كم كان بينهما؟ قال: قَدْرُ خمسين آية” (رواه البخاري).
وهذا يدل على أن السُّحور كان قريبًا جدًا من وقت الفجر.
كيفية حساب منتصف الليل:
لحساب منتصف الليل، يتم قياس الفترة بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ثم تقسيمها على اثنين، وإضافة الناتج إلى وقت غروب الشمس.
أهمية السُّحور في الصيام:
السُّحور ليس مجرد وجبة طعام تُؤكل قبل الفجر، بل هو عبادة مستحبة تحمل معاني دينية وصحية عديدة. ومن أهم فوائده:
1. الامتثال لسنة النبي ﷺ: فهو أمر نبوي يحمل البركة والخير.
2. الاستعانة على مشقة الصيام: حيث يُساعد على تجنب الإحساس الشديد بالجوع والعطش خلال النهار.
3. تنشيط البدن وتقوية الإرادة: فالصائم يكون أكثر نشاطًا وحيوية عند تناول السُّحور.
4. إحياء وقت السَّحر بالطاعة: وهو وقت نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا واستجابة الدعاء.
أفضل الأطعمة في السُّحور:
يُستحب أن يكون السُّحور خفيفًا ومفيدًا، ومن أفضل الأطعمة:
التمر: لقول النبي ﷺ: “نعم سحور المؤمن التمر” (رواه أبو داود).
الماء: ولو كان شربة واحدة، كما ورد في الحديث.
الأطعمة الغنية بالبروتينات والألياف: مثل الحبوب، والفواكه، ومنتجات الألبان، حيث تعطي إحساسًا بالشبع لفترة أطول.
أحكام متعلقة بالسُّحور:
يجوز الأكل والشرب حتى أذان الفجر الثاني، لحديث النبي ﷺ: “إن بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم” (متفق عليه).
السُّحور لا يُشترط أن يكون وجبة كبيرة، بل يكفي القليل منه لتحقيق البركة.
السنة تأخير السُّحور قدر الإمكان، ما لم يخشَ طلوع الفجر، كما في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
حكم من تسحَّر وشك في طلوع الفجر:
إذا أكل الشخص أو شرب وهو متأكد أن الفجر لم يطلع بعد، فصيامه صحيح.
إذا أكل وهو متردد أو غير متأكد هل طلع الفجر أم لا؟ فالأحوط أن يمسك ويقضي هذا اليوم لاحقًا.
إذا أكل بعد طلوع الفجر ظانًّا أنه لم يطلع، ثم تبيَّن له أنه قد طلع، فيلزمه قضاء اليوم.
حكم السُّحور بعد أذان الفجر:
إذا كان الأذان مبنيًّا على تقويم دقيق وموثوق، وجب التوقف عن الأكل فور سماعه.
إذا كان المؤذن يُؤذِّن قبل الوقت احتياطًا، جاز الأكل حتى دخول الوقت الفعلي للفجر.
السُّحور عبادة عظيمة تحمل العديد من البركات الدينية والدنيوية، وقد حرص النبي ﷺ وأصحابه على المحافظة عليها. لذا، ينبغي للمسلم أن يحرص على هذه السنة، وأن يجعلها جزءًا من عبادته في رمضان، ليحصل على الأجر والثواب، ويستعين بها على الصيام والقيام.
حكم من نام قبل السُّحور ولم يستيقظ:
إذا نام المسلم قبل السُّحور ولم يستيقظ حتى الفجر، فلا إثم عليه، وصيامه صحيح، لكنه قد يفقد البركة التي أوصى بها النبي ﷺ. لذا، يُستحب لمن يخشى فوات السُّحور أن يتخذ الأسباب للاستيقاظ، مثل ضبط المنبّه أو طلب المساعدة من أفراد الأسرة.
هل يجوز السُّحور أثناء الأذان؟
إذا كان المؤذن يؤذِّن قبل دخول وقت الفجر، فيجوز الأكل والشرب حتى يتحقق طلوع الفجر.
أما إذا كان الأذان بعد دخول وقت الفجر، فيجب التوقف عن الأكل فورًا، امتثالًا لقوله تعالى:
“وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ” (البقرة: 187).

ماذا يفعل من أكل بعد طلوع الفجر ظانًّا بقاء الليل؟
إذا تبين له لاحقًا أن الفجر كان قد طلع: فالأحوط أن يقضي ذلك اليوم خروجًا من الخلاف بين العلماء.
إذا كان غير متأكد من طلوع الفجر وأكل ثم تبين لاحقًا أنه قد طلع: ففي هذه الحالة يُستحب له القضاء، لكنه غير واجب عند بعض الفقهاء، لأن الأصل بقاء الليل حتى يتيقن طلوع الفجر.
السُّحور وأثره على صحة الصائم
إلى جانب الفوائد الروحية، أثبتت الدراسات أن السُّحور يساعد في:
تثبيت مستويات السكر في الدم، مما يقلل الشعور بالدوخة والصداع أثناء النهار.
تخفيف الشعور بالجوع والعطش، خاصة عند تناول الأطعمة الغنية بالألياف والبروتين.
المحافظة على ترطيب الجسم، خصوصًا عند تناول الفواكه والخضروات والماء.
خاتمة
السُّحور سنة نبوية مباركة تحمل في طياتها فوائد عظيمة، سواء على المستوى الديني أو الصحي. وهو فرصة للاستعداد لصيام النهار بقوة ونشاط، وكسب الأجر والبركة في الوقت نفسه. لذا، ينبغي للمسلم الحرص عليه، وتأخيره قدر الإمكان، والالتزام بالسنة النبوية في ذلك.