ابدأوا الصيام عند رؤيته، وأفطروا عند رؤيته
الصيام عند رؤيته والفطار عند رؤيته
الحمد لله الذي أكرمك ببلوغ شهر رمضان، ومنّ عليك بالصحة والعافية لتدرك هذه الأيام المباركة.
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).
كما قال سبحانه:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 185).
رمضان فرصة عظيمة للتوبة:
إن الذنوب لها عواقب وخيمة وآثارها السلبية تمتد إلى الدنيا والآخرة، خاصة إذا كان ضررها يتعدى الفرد إلى المجتمع. لذلك، فإن حلول رمضان فرصة ثمينة للقلب كي يفرح، وللعين كي تدمع فرحًا بقدوم شهر المغفرة والرحمة. فهو موسم التوبة والإنابة، وميدان التنافس في الطاعات، حيث تُرفع الدرجات وتُمحى السيئات وتُعتق الرقاب من النار.
فضائل الصيام:
جاءت العديد من الأحاديث الصحيحة التي تبين فضل الصيام، ومنها:
1. الصيام وقاية من النار: قال رسول الله ﷺ: “الصيام جنة يستجن بها العبد من النار” (رواه أحمد).
2. سبب لدخول الجنة: قال النبي ﷺ: “عليك بالصوم، لا مثل له” (رواه النسائي).
3. يشفع لصاحبه يوم القيامة: قال ﷺ: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة…” (رواه أحمد).
4. يكفر الذنوب: قال النبي ﷺ: “فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصيام والصلاة والصدقة” (رواه البخاري).
5. باب الريّان للصائمين: قال ﷺ: “للصائمين باب في الجنة يقال له الريّان، لا يدخل منه إلا الصائمون” (رواه البخاري).
أخطاء شائعة في رمضان:
هناك بعض السلوكيات التي يقع فيها البعض خلال رمضان، ومنها:
النوم طوال النهار وإهمال الصلوات.
السهر على المسلسلات أو الألعاب دون استثمار الوقت في الطاعات.
الإسراف في الطعام والشراب عند الإفطار.
تناول الثوم أو البصل ثم الذهاب إلى المسجد مما يؤدي إلى إيذاء المصلين.
ترك صلاة التراويح وعدم إتمامها مع الإمام.
خروج النساء إلى الأسواق بملابس غير مناسبة خاصة في العشر الأواخر.
أحاديث ضعيفة لا تصح
يتم تداول بعض الأحاديث غير الصحيحة عن رمضان، ومنها:
1. “نوم الصائم عبادة وصومه تسبيح وعمله مضاعف ودعاؤه مستجاب وذنبه مغفور.”
2. “من أفطر يومًا في رمضان من غير عذر، لم يقضه صيام الدهر كله وإن صامه.”
3. “لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا شهر رمضان.”
فضائل رمضانية
جاء عن النبي ﷺ العديد من الأحاديث التي تبين فضل رمضان، ومنها:
“ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم.” (رواه الترمذي).
“من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء.” (رواه الترمذي).
“من صلى مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة.” (رواه أبو داود).
“عمرة في رمضان تعدل حجة.” (رواه البخاري).
أحداث هامة وقعت في رمضان
شهد شهر رمضان العديد من الأحداث التاريخية المهمة، ومنها:
نزول الوحي على النبي ﷺ في السنة الأولى للبعثة.
وقوع غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة.
فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة.
هزيمة التتار في معركة عين جالوت عام 658هـ.
فتح المسلمين للأندلس عام 91هـ.
فوائد التمر في الإفطار
كان النبي ﷺ يفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء. وذلك لحكم صحية عظيمة، حيث إن التمر:
سريع الامتصاص في الجسم ويعوض نقص السكر في الدم.
يقوي الكبد ويساعد على تحسين الهضم.
يمنح الجسم الطاقة اللازمة بعد يوم طويل من الصيام.
أحكام وفقه الصيام
أصدر العلماء بعض الفتاوى الهامة للصائمين، ومنها:
الإبر العلاجية لا تفطر الصائم، أما الإبر المغذية فتفطر. (ابن باز)
يجوز استخدام معجون الأسنان مع الحرص على عدم ابتلاع شيء منه. (ابن باز)
قطرة العين والأذن لا تفطر، أما قطرة الأنف إذا وصلت إلى المعدة فتفطر. (ابن عثيمين)
شرب الدخان محرم في رمضان ويفطر الصائم. (ابن عثيمين)
يجوز استعمال العطور في نهار رمضان، إلا البخور إذا استنشقه الشخص مباشرة. (ابن عثيمين)
بخاخ الربو لا يفطر؛ لأنه مجرد بخار يصل إلى الرئتين وليس طعامًا.
عقوبة الإفطار بغير عذر:
رأى النبي ﷺ في رؤيا أناسًا معلقين من أرجلهم، تسيل دماؤهم من أفواههم، فسأل عنهم، فقيل له: “هؤلاء الذين يفطرون قبل تحل صومهم.” (رواه النسائي).
رمضان مدرسة الإيمان والتقوى:
شهر رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل هو فرصة عظيمة لتقوية الإيمان، وتربية النفس على التقوى، والابتعاد عن الذنوب والمعاصي. فهو شهر تتهذب فيه النفوس، وتتجدد العزائم، وتتعاظم الطاعات، حيث تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، ويضاعف الله فيه الأجور.
كيف نستثمر رمضان؟
لكي يكون رمضان فرصة حقيقية للتغيير، لا بد من اغتنامه في الأعمال الصالحة، ومنها:
1. المحافظة على الصلاة في وقتها، والإكثار من النوافل.
2. تلاوة القرآن وختمه مرة أو أكثر خلال الشهر.
3. الإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء، خاصة عند الإفطار وفي الثلث الأخير من الليل.
4. الحرص على قيام الليل وصلاة التراويح، وعدم التكاسل عنها.
5. الإحسان إلى الناس، والتصدق على الفقراء والمحتاجين
6. ضبط اللسان وتجنب الغيبة والنميمة والكلام السيئ.
7. إفطار الصائمين ولو على تمرة، فقد قال النبي ﷺ: “من فطر صائمًا كان له مثل أجره”.
8. الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، والتفرغ للعبادة والتقرب إلى الله.
العشر الأواخر وليلة القدر
العشر الأواخر من رمضان هي أفضل أيام الشهر، ففيها ليلة القدر التي قال الله عنها:
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (القدر: 3).
وقد كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر، ويجتهد في العبادة أكثر من أي وقت آخر، حيث قال السيدة عائشة رضي الله عنها: “كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” (متفق عليه).

علامات ليلة القدر
لم يحدد النبي ﷺ يومًا ثابتًا لليلة القدر، لكنها تكون في العشر الأواخر، وأرجى الليالي لها هي ليلة السابع والعشرين. ومن علاماتها:
1. أن تكون ليلة هادئة، لا حارة ولا باردة.
2. شروق الشمس في صباحها بيضاء لا شعاع لها.
3. يشعر المؤمن فيها بالراحة والطمأنينة.
وداع رمضان
عند اقتراب نهاية الشهر الكريم، ينبغي للمسلم أن يسأل الله القبول، وألا يكون ممن يعبدون الله في رمضان فقط، ثم يعودون إلى المعاصي بعده. فالتقوى التي يكتسبها المسلم في رمضان ينبغي أن تستمر معه طيلة حياته، قال تعالى:
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: 99).
العيد فرحة للمؤمنين
بعد انتهاء رمضان، يأتي عيد الفطر مكافأة للصائمين وفرحة للطائعين، ومن السنن المستحبة فيه:
التكبير من غروب شمس آخر يوم من رمضان حتى صلاة العيد.
الاغتسال والتطيب ولبس أفضل الثياب.
إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد.
أداء صلاة العيد مع الجماعة.
صلة الأرحام، وزيارة الأهل والأصدقاء، وإدخال السرور على المسلمين.
ختامًا
رمضان محطة إيمانية عظيمة، فمن أحسن استغلاله فاز برحمة الله ورضوانه، ومن ضيّعه فقد خسر فرصة لا تعوض. فلنحرص جميعًا على أن نكون من المقبولين، ونسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام، ويجعلنا من عتقائه من النار.
رمضان فرصة عظيمة للتوبة والاستغفار، فلا تحرم نفسك من الأجر العظيم، واجعل هذا الشهر بداية جديدة لك مع الله.