نفحات رمضانية
نفحات رمضانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
*الرسالة الأولى: لا مجال للكسل!
استيقظ فقد بدأ السباق! لا تنتظر حتى تجد نفسك في آخر الصفوف، بل بادر قبل أن تنتهي الفرصة. هذا شهر العطاء والمغفرة، أيام معدودة وساعات سريعة تمضي كالسحاب، وبعدها ينتهي موسم الطاعات وتتوقف مضاعفة الأجور. ربما تجد متعة مؤقتة في الكسل، لكنه في النهاية يورث حسرة تدوم، بينما جهد العبادة وإن كان شاقًا للحظة، فإن أثره فرح دائم.
انظر إلى أهل الصلاح وسابقهم، لا تكتفِ بالقليل من الخير، بل احرص على التقدم في الصف الأول، تصدق، واذكر الله كثيرًا، واجعل لقيام الليل نصيبًا في يومك. رمضان ليس كسائر الشهور، فاستغل كل لحظة فيه، واطلب من الله العون والقبول.
*الرسالة الثانية: أي عاقل يفرّط في هذا الكنز؟
جاء في الحديث الشريف أن ذكر الله من أفضل الأعمال، وأزكاها عند الله، وأرفعها في الميزان، بل هو أعظم من إنفاق الأموال والجهاد في سبيل الله. ومع ذلك، كم مرة مرّت علينا هذه الأحاديث دون أن نحرص على تطبيقها بجدية؟ الذكر باب مفتوح لكسب الحسنات، فلا تهمله، فكل تسبيحة وتكبير تحطّ الخطايا وتثقل الميزان.
*الرسالة الثالثة: اغتنم أوقات الدعاء!
الدعاء سلاح المؤمن، وهو أعظم ما يُستغل به شهر رمضان. فليكن لك وقتٌ خاص ترفع فيه أكفّ الضراعة، خصوصًا عند الإفطار، وبين الأذان والإقامة، وفي سجودك، وأواخر يوم الجمعة. قد تكون دعوة صادقة منك سببًا في تغير حياتك بالكامل، فقد يعتقك الله من النار بها، فاجتهد وادعُ الله بإلحاح.
*الرسالة الرابعة: الصيام أعمق من مجرد الامتناع عن الطعام
الامتناع عن الطعام والشراب هو أبسط درجات الصيام، أما صيام الجوارح فهو الأصعب والأهم. ضبط اللسان عن الغيبة والكلام الجارح، وصون النظر عن المحرمات، وحفظ السمع من سماع الباطل، كلها صور من الصيام الحقيقي. فهل تمرنّا خلال هذا الشهر على التحكم في أنفسنا حتى يبقى أثر ذلك معنا بعد رمضان؟
*الرسالة الخامسة: لا تفوّت فرصة العمرة في رمضان
العمرة في رمضان تعدل أجر الحج، كما ورد عن النبي ﷺ. لكن هناك بعض المفاهيم المغلوطة حول أفضلية العمرة في ليلة السابع والعشرين، مما يؤدي إلى ازدحام شديد. العمرة في أي يوم من رمضان عظيمة الفضل، فتحرَّ الدقة في فهم الأحكام، وأتمّ مناسكك كما ينبغي، حتى تنال الأجر كاملاً.
*الرسالة السادسة: إن لم تغتنم رمضان، فمتى؟
يُستغرب كيف يمرّ رمضان على البعض دون أن يغتنموه، رغم أن الشياطين تصفد، وأبواب الجنة تفتح، والحسنات تضاعف! فاحذر أن تكون ممن قال فيهم جبريل عليه السلام: “رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يُغفر له”، فالأمر بين يديك، فلا تضيّع الفرصة.
*الرسالة السابعة: رمضان يكشف إرادتك الحقيقية
رمضان يثبت أنك قادر على ضبط نفسك، فمن كان يدخّن مثلًا ويظن أنه لا يستطيع الإقلاع، يجد نفسه يمتنع عنه طيلة ساعات النهار. فالمشكلة إذًا ليست في القدرة، بل في العزيمة. استخدم قوة الإرادة التي اكتسبتها في رمضان لتغيير نفسك للأفضل بعده.
*الرسالة الثامنة: اجعل صومك عبادة لا عادة
هناك من يصوم لأنه نشأ على ذلك، وهناك من يصوم كارهاً له، فيكون صيامه مجرد عادة بلا روح. أما الصيام الذي يُغفر به الذنب، فهو الذي يكون إيمانًا واحتسابًا، أي يقينًا بفرضه وسعيًا لنيل أجره. فراجع نيتك، واجعل صومك لله خالصًا.
*الرسالة التاسعة: نظّم وقتك وتخفف من الانشغال
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يدعو عند دخول رمضان بأن يفرّغه الله من الأشغال ليتمكن من العبادة. فالانشغال المفرط بالدنيا قد يحرمك من خير هذا الشهر، وكذلك كثرة النوم والطعام. فوازن بين حاجاتك الدنيوية واستثمارك في الطاعات.
*الرسالة العاشرة: هل حان وقت المحاسبة؟
ثلث رمضان انقضى، وسرعان ما ينقضي الباقي، فماذا قدّمنا فيه؟ هل زادت صلاتنا، وارتفعت همّتنا في قراءة القرآن، وازداد برّنا بأهلنا؟ أم أننا لا نزال نؤجل ونسوّف؟ قف مع نفسك وقفة صادقة، فربما يكون هذا آخر رمضان تدركه، فاستدرك ما فات.
*الرسالة الحادية عشر: تحقيق الغاية من الصيام
الصيام لم يُفرض إلا لتحقيق التقوى، وهي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. والمتقون لهم صفات واضحة، منها الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق في سبيل الله، واليقين بالآخرة. فهل غيّر الصيام فيك شيئًا نحو هذا الهدف؟
*الرسالة الثانية عشر: لا تترك الشياطين تعود بعد رمضان!
في رمضان نرى المساجد عامرة، وقلوب الناس مقبلة على الطاعة، لأن مردة الشياطين مصفدة. لكن هل فكّرت كيف تستمر على هذا الحال بعد رمضان؟ الحل بسيط: تحصّن بذكر الله، وأكثر من الاستغفار، وداوم على الأعمال الصالحة، حتى لا تعود خطوات الشيطان لتجرك إلى الوراء.
*الرسالة الثالثة عشر: لماذا الصيام مميز عند الله؟
جاء في الحديث أن كل أعمال ابن آدم له، إلا الصيام فهو لله وهو الذي يتكفل بمكافأته. ذلك لأن الصيام فيه إخلاص عظيم، فالصائم يمتنع عن المفطرات سرًّا وعلنًا، فقط طاعةً لله. لذلك كان أجره مضاعفًا، وفرحته يوم لقاء ربه عظيمة.
*الرسالة الرابعة عشر: لا تدع فتور العزيمة يسرق منك الأجر!
الكثير يبدأ رمضان بحماس شديد، لكن مع مرور الأيام يبدأ الفتور، خاصة مع انشغال الناس بالتحضير للعيد. لكن الأهم لم يأتِ بعد، فالعشر الأواخر هي خير ليالي الشهر، بل خير ليالي العام كله، وفيها ليلة القدر. فشدّ همتك، فالفائز من ثابر حتى النهاية.
*الرسالة الخامسة عشر: كيف نستمر على الطاعة بعد رمضان؟
رمضان مدرسة إيمانية عظيمة، لكن التحدي الأكبر هو الاستمرار على الطاعة بعد انتهائه. فمن الخطأ أن نكون عبادًا لله في رمضان فقط، ثم نعود بعدها إلى التفريط والغفلة. فلنحرص على تثبيت ما تعودنا عليه من الصلاة والذكر وقراءة القرآن، ولو بالقليل، فالمداومة على العمل الصالح أحب إلى الله من الأعمال المتقطعة، كما قال النبي ﷺ: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ” (رواه البخاري ومسلم).
إليك بعض الخطوات العملية:
1. المحافظة على الصلوات في أوقاتها: فلا خير في عبادة موسمية، والصلاة هي عمود الدين.
2. الاستمرار في صيام النوافل: مثل صيام الست من شوال، والاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر.
3. المحافظة على وِرد من القرآن: لا تترك المصحف بعد رمضان، ولو بقراءة صفحة أو آيتين يوميًا.
4. المداومة على ذكر الله: التسبيح والاستغفار والتحميد من أسهل العبادات وأعظمها أجرًا.
5. الحرص على الصدقة والعمل الخيري: فالعطاء لا يجب أن ينقطع بانتهاء رمضان.
*الرسالة السادسة عشر: اجعل عبادتك خالصة لله
كثيرون يجتهدون في العبادة أمام الناس، لكنهم في الخفاء مقصّرون. والعبادة الحقيقية هي التي تكون خالصة لله، بعيدًا عن أعين الناس، فلا قيمة لصلاة التراويح إذا لم تحافظ على الفجر، ولا معنى للبكاء في الدعاء إن كنت سريع الغضب وسوء الخلق.
قال النبي ﷺ: “إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه” (رواه النسائي). فراجع نيتك، واجعل عملك لله وحده، حتى تنال القبول.
*الرسالة السابعة عشر: لا تفرّط في ليلة القدر
ليلة القدر هي أعظم ليلة في العام، فقد قال الله عنها: “ليلة القدر خير من ألف شهر” (القدر: 3)، أي أن عبادتها تعدل عبادة أكثر من 83 عامًا! وهي ليلة تُفتح فيها أبواب الرحمة، وتُكتب فيها مقادير العام، ويستجيب الله فيها الدعاء.

كيف تغتنمها؟
1. قم الليل بخشوع وإخلاص.
2. أكثر من الدعاء، وأفضل ما يُقال: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”.
3. اقرأ القرآن وتدبر معانيه.
4. أخرج صدقة لوجه الله.
5. اجعل هذه الليلة بداية جديدة في حياتك.
*الرسالة الثامنة عشر: لا تجعل العيد نهايةً للخير
العيد فرحة بطاعة الله، وليس مناسبةً للعودة إلى الذنوب والتقصير. فكما أن المسلم يُفرح أهله وأحبابه بالعيد، عليه ألا يجعل العيد مناسبةً لارتكاب المحرمات أو التقصير في الطاعات.
تذكّر هذه الأمور في العيد:
1. احرص على صلاة العيد في المسجد.
2. ابدأ يومك بالتكبير والتهليل
3. صل رحمك، وكن سببًا في إدخال السرور على الآخرين.
4. لا تجعل فرحة العيد سببًا في الانشغال عن الصلاة والعبادة.
*الرسالة التاسعة عشر: رمضان فرصة للتغيير الحقيقي
رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام، بل هو فرصة لإصلاح القلب والسلوك. فمن كان عاصيًا فليتب، ومن كان مقصرًا فليجتهد، ومن كان متهاونًا فليعاهد الله على الاستقامة.
اسأل نفسك بعد رمضان:
هل تغيّرت للأفضل؟
هل اقتربت من الله أكثر
هل أصلحت من أخلاقك وعلاقتك مع الآخرين
اجعل من رمضان نقطة انطلاقة، لا مجرد محطة مؤقتة، واطلب من الله الثبات بعده.
*الرسالة العشرون: الدعاء بالقبول
وأخيرًا، بعد كل هذا الجهد في رمضان، لا بد من أن نسأل الله القبول. فقد كان الصحابة يدعون الله ستة أشهر بعد رمضان أن يتقبل منهم، فالأعمال تُقبل أو تُرد، ولا نعلم هل قُبل صيامنا وقيامنا أم لا.
اللهم تقبّل منا صيامنا وقيامنا، واغفر لنا ما قصّرنا فيه، ووفقنا لما تحب وترضى، وثبّتنا بعد رمضان على الطاعة، وأعتق رقابنا من النار، وارزقنا الفردوس الأعلى بغير حساب.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ختامًا: نسأل الله أن يرزقنا حسن العبادة في رمضان وبعده، وأن يجعلنا من الفائزين برحمته، والمقبولين في هذا الشهر الكريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.