احرصوا على السحور، ففيه بركةٌ وخير

تعظيم سنة النبي ﷺ: دروس مستفادة من رمضان

تعظيم سنة النبي

لا تزال هذه المدرسة المباركة تمنحني من فيض عطاياها، وتلهمني للحديث عما تعلمته خلال رحلتي بين فصولها. ومن أبرز الدروس التي ترسخت في نفسي: تعظيم سنة النبي محمد ﷺ، وهو مبدأ تعلمته من حديثه الشريف: “لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر”. هذا الدرس العميق مستمد من كتاب الله وسنة نبيه، مما يجعله جديرًا بالاهتمام والتأمل.

لقد جعل الله محبته مشروطة بمتابعة سنة نبيه ﷺ، فقال في كتابه الكريم: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله”، مما يبرز أهمية التمسك بسنته في حياة كل مؤمن.

رمضان مدرسة لتعظيم السنة:

يأتي شهر رمضان ليعيد تذكير الناس بضرورة إحياء سنة النبي ﷺ، حيث يحث على تعجيل الفطر، رغم أن بعضهم قد يرى في تأخير الإفطار فضيلة لزيادة التحمل والصبر، لكن الالتزام بالسنة أولى من الاجتهاد الشخصي. ومن هنا، فإن الخيرية تبقى ملازمة لمن يتمسك بسنة المصطفى ﷺ، إذ يوجهنا رمضان إلى اتباع سنته في لحظة الإفطار، فيقول لنا: “كان ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات فتمر، فإن لم يكن حسا حسوات من ماء”.

إن متابعة النبي ﷺ في هذه اللحظات ليست مجرد عادة، بل هي تجسيد لحب السنة وتقديرها، وهو أمر يُشاهد عند كثير من الصائمين الذين يبحثون عن الرطب والتمر، لا بدافع الجوع، وإنما اقتداءً بالنبي الكريم ﷺ.

هذه العادة الرمضانية تُعلّمنا أن نربي أنفسنا على الالتزام بالسنة ليس فقط في الإفطار، بل في كل جوانب حياتنا. فكما نترك ما نشتهيه لحظة الإفطار من أجل سنة نبينا، يجب أن تكون هذه سلوكًا دائمًا في كل قراراتنا اليومية.

بركات اتباع السنة:

التمسك بالسنة يترك أثرًا عميقًا في حياة الإنسان، إذ لا يقتصر على كونه طاعة لله، بل قد يكون سببًا في هداية الآخرين. فقد رُوي أن رجلًا في إحدى الجامعات رأى شخصًا يشرب الماء جالسًا، فسأله عن سبب ذلك، فأجابه: “هكذا علّمنا نبينا ﷺ”. كانت هذه الإجابة سببًا في إسلام الرجل، إذ كان طبيبًا قضى سنوات في البحث العلمي ليصل إلى ذات النتيجة التي قررها الإسلام قبل 1400 عام!

نماذج مشرقة في تعظيم السنة:

من أعظم الأمثلة على تعظيم السنة الإمام أحمد بن حنبل، الذي لم يكن ينقل حديثًا إلا وعمل به، فكان إذا احتجم أعطى الحجام أجره اتباعًا لما فعله النبي ﷺ. كما أن الشيخ ابن باز -رحمه الله- كان لا يدخل بيته عند عودته من السفر حتى يصلي ركعتين في المسجد، تطبيقًا لسنة النبي ﷺ، حتى لو اضطر إلى الانتظار طويلًا لفتح المسجد.

نقطة انطلاق جديدة:

إن رمضان ليس مجرد شهر صيام، بل هو فرصة للتدرب على الالتزام بالسنة، ومن اتخذ من رمضان نقطة انطلاق، سيجد نفسه يكبر في معاني الإيمان، ويرتقي في مراتب الدين. فمن أراد أن يكون عظيمًا في الأرض، فليبدأ بإحياء سنة نبيه ﷺ.

إن رمضان مدرسة متكاملة، تعلمنا كيف يكون الالتزام بالسنة منهج حياة، لا يقتصر على أيام معدودة، بل يمتد ليشمل سلوكنا وأخلاقنا في كل الأوقات. فالتعامل مع السنة يجب ألا يكون مجرد التزام شكلي، بل محبة حقيقية تنبع من القلب، وإجلال لأوامر الله واتباع لهدي نبيه ﷺ.

السنة مفتاح الخير والبركة:

عندما نحرص على إحياء السنة في حياتنا، نكتشف أن بركتها تتجاوز حدود الفرد لتشمل المجتمع كله. فالاقتداء بالنبي ﷺ يربّي فينا التواضع، والإيثار، وحب الخير، ويجعلنا أكثر التزامًا بالأخلاق الإسلامية.

وفي هذا السياق، نجد أن تطبيق السنة ليس مقصورًا على العبادات فقط، بل يشمل جميع جوانب الحياة، بدءًا من طريقة الطعام والشراب، مرورًا بأسلوب الحديث، وانتهاءً بطريقة التعامل مع الآخرين. لذلك، كلما اقترب المسلم من السنة، ازدادت محبته في قلوب الناس، وارتفع شأنه عند الله وعند خلقه.

تعظيم سنة النبي ﷺ: دروس مستفادة من رمضان
تعظيم سنة النبي ﷺ: دروس مستفادة من رمضان

السنة سبيل الرفعة في الدنيا والآخرة:

إن تعظيم السنة كان سمةً بارزةً في حياة العلماء والصالحين، الذين لم يكتفوا بنقلها بل جسّدوها واقعًا في حياتهم. فقد كان الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: “إذا صح الحديث فهو مذهبي”، دلالة على تمسكه الشديد بسنة النبي ﷺ.

بل حتى في حياتنا المعاصرة، نرى أن كل من يحترم السنة ويتبعها بإخلاص، يجد محبة الناس تحيط به، ويُرزق القبول بين الخلق، كما كان حال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- الذي أحبه الناس بسبب اتباعه الدقيق للسنة، حتى أصبح اسمه مرادفًا للعلم والتقوى.

رمضان بداية الطريق:

إن رمضان ليس فقط شهر عبادة، بل هو محطة لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء العادات الصحيحة. فمن أكرمه الله فيه بإحياء سنة واحدة، فإنه بذلك يفتح بابًا من أبواب الخير سيظل ممتدًا لما بعد رمضان.

فلنجعل من هذا الشهر نقطة انطلاق لنكون أكثر التزامًا بسنة نبينا ﷺ، وأكثر حرصًا على تطبيقها في حياتنا، ولنعلم أن العظمة الحقيقية ليست في اجتهادنا الشخصي، بل في اتباعنا لمنهج النبي ﷺ الذي قال: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي”.

اللهم اجعلنا من المتمسكين بسنة نبيك ﷺ، وارزقنا محبته، واجمعنا به في الفردوس الأعلى.. آمين.

مزيد من الخواطر الرمضانية