رمضان: فرصة ذهبية للشباب للنمو والتغيير
رمضان: فرصة للتغيير والعودة إلى الله
الحمد لله الذي فتح لنا أبواب الخير ومنحنا فرصة التوبة، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، أما بعد
هذه كلمات أوجهها لكل من يسعى للتغيير والارتقاء بنفسه في هذا الشهر الكريم، راجيًا من الله أن ينفع بها من يقرأها وينقلها لغيره. وأسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا ظاهرها وباطنها.
رمضان شهر التوبة والرحمة:
أخي العزيز، ها قد أقبل علينا شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة، شهر العتق من النار والجود والإحسان. إنه فرصة عظيمة لمن أراد تصحيح مساره والعودة إلى ربه بقلب خاشع ونفس تائبة.
رمضان ليس مجرد أيام نصوم فيها عن الطعام والشراب، بل هو محطة للتقوى، ووقتٌ تتضاعف فيه الحسنات وتُفتح فيه أبواب الجنة. فهل ستغتنم هذه الفرصة أم ستدعها تمر دون تغيير؟
بادر قبل فوات الأوان:
قال رسول الله ﷺ: “إذا كان أول ليلة من رمضان صُفّدت الشياطين ومردة الجن، وغلّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة” [رواه الترمذي وابن ماجه].
كم من رمضان مرَّ علينا ونحن نؤجل التوبة؟ كم من فرص منحها الله لنا لنعود إليه لكننا تساهلنا؟ هذا الشهر هو فرصة ذهبية، فلا تجعلها تفوتك.
لماذا نبتعد عن الله؟
يخاطبنا الله عز وجل بقوله: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6].
فما الذي يجعلك تتجرأ على معصيته وتؤجل التوبة؟ أهو نسيان لنعمته أم استهانة برحمته؟
تذكر أن الله يمهل ولا يهمل، وأن كل لحظة تمر قد تكون الأخيرة. فلا تنظر إلى صغر ذنبك، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
بشرى للتائبين:
إذا كنت تشعر أن ذنوبك كثيرة، فاستمع إلى هذه الآيات العظيمة التي تبشّر كل من يريد العودة إلى الله:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
أي فضلٍ أعظم من أن الله لا يكتفي بغفران الذنوب، بل يُبدّلها حسنات؟ فهل ستضيع هذه الفرصة الثمينة؟
قال رسول الله ﷺ: “قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي”.
فما الذي يمنعك من التوبة؟ أتخشى كلام الناس؟ أم تخاف ألا تستمر في طريق الاستقامة؟ ثق بأن الله سيعينك إذا صدقت النية، ولا تدع وساوس الشيطان تصرفك عن الرجوع إلى الحق.
كن مع الصالحين:
البحث عن رفقة صالحة هو جزء أساسي من الثبات على طريق الهداية. الصحبة الصالحة تذكرك بالله، وتدفعك نحو الخير، وتكون لك سندًا في أوقات الضعف. فلا تختر أصدقاء يبعدونك عن الله، فقد قال تعالى:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [الفرقان: 27-28].
حدد طريقك اليوم:
قبل أن يُغلق باب التوبة، اسأل نفسك: ما هو الطريق الذي ستسلكه بعد رمضان؟ هل ستعود إلى عاداتك القديمة أم ستجعل هذا الشهر نقطة تحول في حياتك؟
التوبة لها شروط بسيطة لكنها عظيمة في معناها:
1. الندم الصادق على ما فات.
2. الإقلاع عن الذنب فورًا
3. العزم الجاد على عدم العودة إليه.
4. أن تكون التوبة قبل الموت أو قبل طلوع الشمس من مغربها.
دعاء التوبة:
اللهم إني أعترف بذنبي، واعود إليك نادمًا، فاغفر لي برحمتك. اللهم إنك أنت التواب الرحيم، فاقبلني في عبادك الصالحين. اللهم لا تجعلني من الغافلين، وأعنّي على طاعتك ومرضاتك.
اللهم اجعل رمضان هذا بداية ميلاد جديد لي في طاعتك، وهداية دائمة إلى صراطك المستقيم.
ما بعد رمضان: هل ستستمر؟
لقد مرَّ الشهر المبارك سريعًا، وحان الوقت لنسأل أنفسنا: ماذا بعد رمضان؟ هل كانت عبادتنا فيه مجرد عادة مؤقتة، أم أنها كانت انطلاقة حقيقية نحو التغيير؟
رمضان ليس مجرد محطة موسمية نشحن فيها إيماننا ثم نعود إلى سابق عهدنا، بل هو فرصة لبناء علاقة دائمة مع الله، علاقة تقوم على الطاعة والالتزام، لا على الموسمية والتكاسل.
يقول الله عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، فالعبادة ليست مقتصرة على مواسم معينة، بل هي أسلوب حياة يجب أن يستمر طوال العام.
علامات قبول رمضان:
كيف تعلم أن الله تقبَّل منك صيامك وقيامك؟ هناك علامات تدل على ذلك، منها:
1. الثبات بعد رمضان: من استمر على الطاعة بعد رمضان، فهذه علامة قبول.
2. تحسن السلوك والأخلاق: فإذا وجدت نفسك أكثر التزامًا وأقرب إلى الله، فهذا مؤشر على أن رمضان أثمر في قلبك.
3. النفور من المعاصي: إذا شعرت أن قلبك لم يعد يميل إلى الذنوب كما كان من قبل، فهذه بشارة خير.
كيف تثبت بعد رمضان؟
1. المحافظة على الصلوات في أوقاتها: فهي العمود الفقري للدين، ومن حافظ عليها ثبَّته الله.
2. الاستمرار في قراءة القرآن: لا تهجر المصحف بعد رمضان، اجعل لك وردًا يوميًا ولو كان قليلًا.
3. الصيام التطوعي: صم ستة أيام من شوال، والاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر.
4. الصحبة الصالحة: ابحث عن رفقاء الخير، فهم من سيعينونك على الثبات.
5. الاستغفار والدعاء: لا تتوقف عن سؤال الله الثبات، فهو القادر على تثبيتك.

ختامًا: لا تكن رمضانيًا فقط!
بعض الناس يعبدون الله في رمضان، ثم يعودون إلى التقصير بعده، وكأنهم كانوا يعبدون الشهر وليس رب الشهر! كن عبدًا لله في كل وقت، وثق أن الله سيفتح لك أبواب الخير متى صدقت النية وسعيت إليه.
اللهم اجعلنا من عبادك الثابتين، ووفقنا لما تحب وترضى، وتقبل منا رمضان، واغفر لنا ما كان من تقصير، واهدنا صراطك المستقيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين