رمضان الاستثمار المضمون (وبينات من الهدى والفرقان)

وصلنا شهر رمضان المبارك

تأملات في شهر رمضان 

بلوغ شهر الرحمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ها هي الأيام تمضي سريعًا، والأسابيع تتوالى، والشهور تتعاقب، لتقودنا نحو شهر مليء بالخيرات والبركات، نعم… إنه شهر رمضان. لقد كان الصحابة، رضي الله عنهم، ينتظرونه بشوق قبل ستة أشهر، ويبكون فراقه ستة أشهر أخرى، إدراكًا لعظيم فضله وبركته.

وهنا أتوقف عند حديث نبوي شريف أخرجه البزار والطبراني في الأوسط، حيث كان النبي ﷺ، عند دخول شهر رجب، يدعو قائلاً: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان.”

فماذا كان يعني هذا الدعاء للصحابة، رضي الله عنهم، حين يسمعونه من النبي ﷺ؟ لا شك أنه كان يغمر قلوبهم بالشوق والاستعداد لهذا الشهر الكريم، باعتباره فرصة لا تعوض لنيل الرحمة والمغفرة والبركة.

الاستعداد لشهر رمضان:

لذلك، علينا أن نحسن الاستعداد لهذا الشهر الفضيل، لا بمجرد التحضير للمأكل والمشرب، أو ترتيب الالتزامات المالية، بل بالإعداد الروحي والإيماني والعلمي. فالأولى بنا أن نسأل أنفسنا: ماذا يمكن أن نقدم لأنفسنا ولمن حولنا في هذا الشهر المبارك؟

وفي ظل المحاولات المستمرة من أعداء الإسلام لإفساد روحانية هذا الشهر عبر بث البرامج والمسلسلات الهابطة التي تسرق أوقات المسلمين وتلهيهم عن العبادة، فإن من واجبنا أن نحافظ على قدسية رمضان، ونحمي أجواءه الإيمانية من العبث والتشويه.

خطة عملية لاستثمار رمضان:

من هنا، يجدر بكل فردٍ منا وضع خطة واضحة لاستغلال رمضان أفضل استغلال، من خلال:

الارتقاء بالإيمان عبر تكثيف العبادات والطاعات.

الدعوة إلى الله من خلال تنظيم البرامج التوعوية والدروس الدينية.

تحفيز الشباب على التفاعل مع القرآن الكريم عبر حلقات تعليم التلاوة والتدبر.

تنظيم حملات العمرة لجمع الأجر المضاعف.:

تعزيز الروابط الاجتماعية عبر لقاءات تهدف إلى التوعية بحقائق الدين، والتصدي للمخططات التي تحاول تشويه صورة رمضان في نفوس المسلمين.

رمضان شهر التغيير والفرص العظيمة:

مع اقتراب شهر رمضان، تتجدد في قلوبنا مشاعر الفرح والشوق لهذا الموسم الإيماني المميز، حيث تتفتح أبواب الرحمة، وتُضاعف الحسنات، وتتنزل البركات. لكنه ليس مجرد شهر للصيام عن الطعام والشراب، بل هو فرصة ذهبية لإحداث تغيير جذري في علاقتنا مع الله، وتزكية نفوسنا، وتعزيز روح الإيمان في حياتنا.

رمضان محطة للتغيير الحقيقي:

رمضان هو فرصة لمن أراد تصحيح مساره، فهو شهر التوبة النصوح، والعودة إلى الله، وإصلاح ما فسد من علاقتنا بربنا وبأنفسنا وبالناس من حولنا. كم من أشخاص تغيرت حياتهم للأفضل في رمضان، وكم من غافل عاد إلى الله في هذا الشهر، وكم من قلب امتلأ بالنور بعد أن كان غارقًا في الظلمات!

لذلك، يجب أن يكون رمضان محطة للتغيير الحقيقي، لا مجرد فترة مؤقتة نلتزم فيها بالطاعات ثم نعود بعدها إلى العادات القديمة، بل نقطة انطلاق نحو حياة مليئة بالطاعة والرضا والقرب من الله.

كيف نحقق التغيير في رمضان؟

لجعل رمضان نقطة تحول في حياتنا، لا بد من وضع خطة واضحة وعملية، تشمل:

1. تصحيح النية: أن يكون الهدف من صيام رمضان وقيامه هو التقرب إلى الله، وليس مجرد عادة اجتماعية أو التزام روتيني.

2. تنظيم الوقت: الاستفادة القصوى من ساعات اليوم، بحيث يكون للعبادة نصيبها الأكبر، سواء في الصلاة أو الذكر أو قراءة القرآن.

3. ترك المعاصي: الابتعاد عن الذنوب التي تبعدنا عن الله، سواء كانت في الأفعال أو الأقوال أو حتى في عاداتنا اليومية.

4. الإكثار من الدعاء: فرمضان هو شهر الدعوات المستجابة، فلنحرص على الإلحاح في الدعاء، خاصة في أوقات السحر وقبل الإفطار.

5. الحرص على قيام الليل: فهو من أعظم العبادات التي تقرب العبد إلى الله، ولا سيما في العشر الأواخر من رمضان.

6. الاهتمام بالقرآن: فهو شهر القرآن، فلنضع لأنفسنا هدفًا واضحًا لتلاوته وتدبره وختمه أكثر من مرة.

7. تعزيز الروابط الاجتماعية: من خلال صلة الأرحام، والتصدق على المحتاجين، ومشاركة الخير مع الآخرين.

استعدوا للعشر الأواخر كنز رمضان العظيم:

مع دخول العشر الأواخر، يجب أن تتضاعف همتنا، فهي ليالي العتق من النار، وفيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. فلنغتنم هذه الأيام في الاجتهاد بالطاعات، وطلب المغفرة، والإقبال على الله بكل جوارحنا.

وصلنا شهر رمضان المبارك
وصلنا شهر رمضان المبارك

رمضان لا ينتهي بانتهائه

إذا كان رمضان فرصة للتغيير، فيجب ألا ينتهي أثره بمجرد انقضاء الشهر، بل يجب أن تكون ثماره ممتدة طوال العام، بحيث نستمر في طاعة الله، ونحافظ على ما اكتسبناه من روحانية وقرب منه. فالسعيد من استمر على نهجه بعد رمضان، والشقي من ضيع هذه الفرصة وعاد إلى ما كان عليه قبل رمضان.

ختامًا دعاء نردده دائمًا

اللهم اجعلنا ممن يحسنون صيام رمضان وقيامه، وبلغنا ليلة القدر، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ووفقنا لما تحب وترضى، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مزيد من الخواطر الرمضانية