وداع رمضان عند الشعراء والأدباء

وداع رمضان عند الشعراء والأدباء

وداع رمضان: لحظات الفراق المملوءة بالشجن

مع اقتراب ختام شهر رمضان المبارك، تتعالى من مآذن المساجد والجوامع نداءات الوداع، ممزوجة بنبرات حزينة تخترق القلوب، وتترك أثرًا عميقًا في نفوس الصائمين. كيف لا وهو الضيف الكريم الذي حلّ بيننا محمّلًا بالخيرات والنفحات الإيمانية، وأيام الرحمة والمغفرة والعتق من النار؟

رمضان، شهر الله، وشهر القرآن، شهر العبادة والتقرب إلى الله، يشدّ رحاله مودعًا، تاركًا خلفه أرواحًا تعلقت به، وقلوبًا اعتادت طمأنينته، ولسان حال المؤذنين في أواخر لياليه يردد:

لا أوحشَ الله منك يا رمضان

لا أوحشَ الله منك يا شهر القرآن

لا أوحشَ الله منك يا شهر الصيام والقيام

لا أوحشَ الله منك يا شهر الكرم والجود

“لا أوحشَ الله منك” بين المعنى والمأثور

جاء في تفسير الخوارزمي لعبارة “لا أوحش الله منك” أنها تعني الدعاء بألا يرحل الشخص أو الشيء، حتى لا يترك فراغًا موحشًا في حياة محبيه. وقد عبّر عن هذا المعنى الشاعر الأبله البغدادي بقوله:

“مَادَامَ جُودُ يَدَيْكَ مَوْجُوْدًا فَمَا مَاتَ الكِرَام، لا أُوحَشَتْ دَارُ السّلامِ مِنْ ارتيَاحِكَ والسَّلام”

أما أبو العلاء المعري فقد أشار إلى ذات المعنى في قوله:

“لا أوْحَشَتْ دَارك من شَمْسِها، ولا خَلا غَابُكَ مِنْ أُسْدِه”

لحظات الفراق في كلمات الكُتّاب

لم تكن المشاعر الجياشة تجاه رمضان حكرًا على المؤذنين والشعراء، بل أبدع الكُتّاب في تصوير ألم وداعه بكلمات تنبض بالشوق والحنين، فكتب أحدهم معبّرًا عن لحظات الوداع:

“يا رمضان، أين أرباب القيام؟ أين الذين كانوا يسهرون لياليك بين راكع وساجد؟ أين أولئك الذين تمنوا لو أنك تبقى طوال العام؟ ذهبوا إلا قليلًا، فعليهم السلام، كانوا في الليل قليلاً ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون.”

الشعراء في وداع رمضان

على مر العصور، أطلق الشعراء العنان لأقلامهم ليودعوا رمضان بأبيات تحمل لوعة الفراق وحسرة الوداع، فقال أحدهم:

يا صَائِمِي رَمَضانَ فُوْزُوا بالمُنَى

وتَحَقَّقُوا نَيْلَ السَّعادةِ والغِنَى

وَثِقُوا بِوَعْدِ اللهِ إذْ فيهِ الهَنَا

أوَ ليسَ هذا القَوْلُ قولَ إلهِنَا؟

الصومُ لي وأنا أجزي بهِ

وفي قصيدة أخرى للشاعر الأبيوردي، أودع الشهر الفضيل بأسى، مشيرًا إلى مرور الأيام كأنها لحظات خاطفة، فقال:

صَوْمٌ أغارَ عليهِ فِطْرٌ كالنَجْمِ بَزَّ سَنَاهُ جَمْر

بِنْ يا صِيَامُ فَلَمْ تَزَلْ فَرْعَا لهُ الإفطارُ نَجْر

ما كنتَ أوّلَ راحِلٍ ودَّعتَ والزَّفَراتُ جَمْر

أما أحد الشعراء فقد تساءل، وهو يودع رمضان، عن مصير الأعمال التي قُدمت فيه، وهل قُبلت أم لا؟

أيُّ شَهْرٍ قَد تَوَلَّى يا عِبَادَ اللهِ عنَّا

حَقَّ أن نَبْكِي عَلَيهِ بِدمَاء لو عَقِلْنَا

كيفَ لا نَبْكِي لِشَهرٍ مَرّ بالغَفْلَةِ عنَّا

ثُمَّ لا نَعْلَمُ إنّا قَدْ قُبِلْنَاَ أو طُرِدْنَا

رحل رمضان، وترك في القلوب لوعة، وفي الأرواح شوقًا، وفي النفوس أملًا بأن يعود في العام القادم، ونكون حينها من الذين اغتنموا أيامه، وأدركوا لياليه، وكتبوا في سجل العابدين الصادقين.

اللهم بلغنا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، وتقبل منا صيامنا وقيامنا، ولا تحرمنا أجره يا أكرم الأكرمين.

رمضان محطة إيمانية تترك أثرها في القلوب

لا يُعد رمضان مجرد شهر صيام وقيام، بل هو محطة إيمانية تتجدد فيها الأرواح وتصفو القلوب، حيث يتذوق المسلم لذة القرب من الله، وينهل من معين رحمته، ويستشعر نفحات المغفرة والعتق من النار. ومع رحيله، تبقى آثاره محفورة في النفوس، تُذكرنا بأيام كانت الأرواح فيها أكثر نقاءً، والقلوب أكثر صفاءً، والألسنة عامرةً بالذكر والدعاء.

وداع رمضان بداية عهد جديد مع الطاعات

يُخطئ من يظن أن وداع رمضان يعني انتهاء موسم الطاعة، فالمؤمن الحق يستمر على درب العبادة، مستعينًا بروح رمضان التي زرعت في قلبه حب الخير، وحفزته للاستمرار في الطاعات، فكما قيل: “من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد رحل، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.”

إن الصيام والقيام والطاعات التي ألفناها في رمضان ليست مقيدة بزمن معين، بل هي منهج حياة، فمن أحسن في رمضان فعليه أن يواصل، ومن قصر فليبدأ من جديد، فباب التوبة مفتوح، والفرص لا تزال سانحة، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين.

وداع رمضان عند الشعراء والأدباء
وداع رمضان عند الشعراء والأدباء

الفرحة بالعيد امتداد لفرحة العبادة

بعد وداع رمضان، يأتي عيد الفطر، الذي شرعه الله فرحةً للصائمين وجائزةً للعابدين، وهو يوم يجتمع فيه الناس على المحبة وصلة الرحم، ويتبادلون التهاني والأمنيات، في أجواء تعكس قيم الإسلام في الفرح والرحمة والتكافل.

لكن العيد الحقيقي ليس في ارتداء الجديد وتبادل التهاني فحسب، بل في الشعور بالرضا عن النفس، والسعادة بقرب الله، واستشعار القبول والرضوان. وكما قال أحد الصالحين: “ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعته تزيد.”

أمل اللقاء في رمضان القادم

وبينما نودع هذا الشهر الكريم بقلوب يغمرها الشوق، فإن الأمل يظل معلقًا بأن يُبلغنا الله رمضان القادم، ونحن في حالٍ أفضل، وإيمانٍ أقوى، وقربٍ أعمق من الله. فكما مر رمضان سريعًا، فإن الأعمار تمضي سريعًا، ولا يدري أحدنا هل سيدركه مرة أخرى أم لا، فليكن وداعنا له وداع المشتاقين، لا وداع المفارقين، ولنجعل من أيامنا القادمة امتدادًا لنفحاته المباركة.

اللهم لا تجعل رمضان آخر عهدنا، وبلغنا إياه أعوامًا عديدة، وارزقنا فيه القبول والرضا، واجعلنا من عتقائك من النار.

وهكذا، يبقى رمضان رمزًا للطهر والنقاء، وشعلةً تضيء دروب العابدين، ونسأل الله أن يعيده علينا ونحن في خير حال، بقلوبٍ مطمئنة، وأرواحٍ مشرقة بنور الإيمان.

مزيد من الخواطر الرمضانية