لحظات القرب

نحو خطوة إلى الأمام

شهر رمضان: فرصة للتغيير والتجديد

حلّ علينا شهر رمضان المبارك، شهر الإصلاح والتغيير، الشهر الذي يحمل في طياته دعوة واضحة للارتقاء بالنفس وتطويرها. مع قدومه، نخطو جميعًا خطوة إلى الأمام، إذ نرى في هذا الشهر المبارك مظاهر التحول الإيجابية في سلوك كثير من الناس؛ فيمتنع السارق عن سرقته، والكاذب عن كذبه، ومن اعتاد أكل الحرام يعيد النظر في مصدر رزقه. إنها بداية رائعة، لكنها للأسف لا تستمر بعد انتهاء الشهر، فنجد المساجد التي امتلأت بالمصلين تعود إلى هدوئها المعتاد، وكأن هذه الخطوة لم تكن سوى مرحلة مؤقتة سرعان ما تنتهي.

رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل هو فرصة عظيمة للتقوى، كما جاء في قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). فهو فرصة للمدخن ليقلع عن التدخين، وللقاطع لرحمه ليعيد صلته بأهله، وللإنسان أن يبدأ رحلة التغيير الحقيقية، ليس ليوم أو شهر، بل ليستمر طوال حياته.

التغيير يبدأ من الداخل:

من العجيب أن كثيرًا من الناس ينفقون أموالهم ووقتهم في دورات تطوير الذات وتنمية القدرات، بحثًا عن التغيير نحو الأفضل، لكنهم يفوتون أعظم فرصة مجانية للتغيير الحقيقي، وهي رمضان. فقد جعل الله سنته في الكون واضحة: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”. بمعنى أن التحول الحقيقي يبدأ من داخل الإنسان نفسه، فإذا أراد التغيير بصدق وسعى إليه، فإن الله سيعينه على ذلك.

رمضان يمنحنا ثلاثين يومًا، أو أقل بقليل، لنقف مع أنفسنا ونحاسبها، ونرسم لأنفسنا طريقًا جديدًا نحو الأفضل. فمن يرفع يده إلى السماء طالبًا التغيير، يجب أن يكون قد بدأه بالفعل في قلبه وسلوكه.

كسر الروتين بوابة للإبداع:

يميل الإنسان بطبيعته إلى التعود على روتين محدد، سواء في النوم أو العمل أو حتى العبادات، لكن شهر رمضان يكسر هذا النمط المعتاد، ويجدد فينا الإحساس بالحياة. ولهذا، يؤكد الباحثون في علم الإبداع أن التجديد والخروج عن المألوف هو أساس كل تطور، فما أحوجنا اليوم إلى أن نستفيد من رمضان لكسر العادات السلبية واستبدالها بعادات إيجابية تعيننا على الحياة بروح متجددة.

رمضان نقطة تحول لا عودة للخلف:

تخيل رجلًا فقيرًا مريضًا يعيش في ظروف قاسية، ثم يأتيه الفرج فيصبح غنيًا معافى، لكنه يرفض هذا التحول ويصر على العودة لحياته السابقة! هذا تمامًا حال البعض في رمضان؛ يبدأون الشهر بتغيير إيجابي، يقبلون على الصلاة، ويبتعدون عن المعاصي، لكن مع انتهاء الشهر يعودون إلى ما كانوا عليه، وكأن شيئًا لم يكن.

الاستمرار بعد رمضان: سر النجاح الحقيقي

إن أعظم إنجاز يمكن أن تحققه في رمضان ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب، ولا حتى الالتزام المؤقت بالعبادات، بل هو القدرة على الاستمرار في الخير بعد انقضاء الشهر. فالنجاح الحقيقي لا يكمن في اتخاذ خطوة واحدة نحو الإصلاح، بل في مواصلة المسير بثبات.

تذكر أن الله لا يطلب منك الكمال، لكنه يحب منك الاستمرار، ولو بالقليل. فقد قال النبي ﷺ: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”. فحاول أن تجعل من رمضان نقطة انطلاق لعادات إيجابية تدوم معك، سواء في علاقتك بربك أو بأسرتك أو حتى بنفسك.

كيف نحافظ على أثر رمضان؟

1. المحافظة على الصلاة في أوقاتها: إذا كنت حريصًا في رمضان على أداء الصلوات في المسجد، فلا تجعل هذا الحرص يضعف بعد انتهاء الشهر. الصلاة صلتك بالله، وهي سر التوفيق في الحياة.

2. مواصلة قراءة القرآن: لا تجعل المصحف رفيقك في رمضان فقط، بل اجعله جزءًا من يومك حتى لو بآيات قليلة.

3. الاستمرار في الصيام: يمكنك صيام ستة أيام من شوال، وصيام الاثنين والخميس، فهي فرصة لتعزيز التقوى في قلبك.

4. المداومة على الصدقة: فقد كنت كريماً في رمضان، فلا تحرم نفسك من بركة العطاء طوال العام.

5. عدم العودة للمعاصي: رمضان جعلك أقرب إلى الله، فلا تهدم ما بنيت بيديك.

نحو خطوة إلى الأمام
نحو خطوة إلى الأمام

رسالة ختامية

رمضان ليس شهرًا عابرًا، بل هو فرصة ثمينة للتغيير، فإما أن تستغلها لبناء حياة جديدة، وإما أن تضيعها لتعود إلى ما كنت عليه. لا تكن كالذي استنشق نسيم الجنة ثم آثر العودة إلى الظلام. اجعل من رمضان نقطة تحول حقيقية، واتبع الحسنة بالحسنة، فإن الطريق إلى الله مفتوح دائمًا.

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا من الثابتين على طاعته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيها القارئ الكريم، لا تجعل رمضان محطة مؤقتة في حياتك، بل اجعله نقطة انطلاق نحو الأفضل، واتبع كل خطوة جيدة بخطوات أخرى، وواصل مسيرتك في الطاعة والإصلاح. لا تعد إلى ظلام المعاصي بعد أن أضاء قلبك بنور الهداية، ولا تتبع الحسنة بسيئة، بل اجعلها بداية لسلسلة من الأعمال الصالحة.

نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طريق الخير، وأن يجعل رمضان هذا العام بداية جديدة لحياة مليئة بالنقاء والتقوى.

مزيد من الخواطر الرمضانية