كبري غنائم رمضان

مواصلة صالح العمل بعد رمضان

مواصلة العمل 

الحمد لله الذي أنعم علينا بشهر رمضان المبارك، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد جعل الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بمثابة محطة إيمانية مكثفة، يتدرب فيها المسلم على أنواع من العبادات والطاعات، سواء كانت عبادات فردية تعزز صلته بالله، أو عبادات اجتماعية تعكس أخلاقه وسلوكه مع الآخرين. ويمكننا أن نلخص هذه الجوانب في ثلاثة محاور رئيسية:

المحور الأول: التزام المسلم بالعبادات والطاعات

يعتبر شهر رمضان فرصة ذهبية للالتزام بالأعمال الصالحة، وعلى رأسها الصيام الذي يقوي الإرادة ويزيد التقوى، مما ينعكس على أداء الصلاة في أوقاتها والمحافظة عليها، لكونها الركن الأعظم بعد التوحيد، وهي الفريضة التي لا تسقط عن المسلم في أي وقت. فالصلاة ميزان الأعمال، فمن حافظ عليها، كان ذلك دليلًا على صلاح عمله، ومن أهملها فقد عرّض نفسه لخطر الابتعاد عن رحمة الله.

كما يحث الشهر الفضيل على الجود والكرم، حيث يحرص المسلم على إخراج الزكاة والصدقات، ابتغاء مرضاة الله وطمعًا في مغفرته، فقد وعد الله أهل الصلاة والزكاة والطاعة برحمته الواسعة، كما قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: 56].

المحور الثاني: تهذيب النفس والأخلاق

رمضان مدرسة تربوية يتعلم فيها المسلم ضبط النفس والتحكم في الأهواء، فالصائم يترفع عن الجدال والخصام، ويتحلى بالحلم والصبر والعفو، مستجيبًا لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم”.

فهذه السلوكيات ليست خاصة بشهر رمضان فقط، بل هي جزء من الإسلام في كل الأوقات، لكن رمضان يعززها، ويجعلها أكثر رسوخًا في القلوب، ليكون المسلم على خلق حسن في حياته اليومية.

المحور الثالث: العبادة في ليالي رمضان وخاصة العشر الأواخر

من أعظم ما يميز رمضان قيام الليل، وخاصة في العشر الأواخر، حيث يتفرغ العبد لعبادة ربه في جوف الليل، طمعًا في مغفرته ورضوانه، وحرصًا على الفوز بليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.

الاعتكاف في هذه الأيام يعدّ فرصة للانقطاع إلى الله، والتفرغ للعبادة، وطلب الرحمة والنجاة من النار، فقد قال تعالى في وصف عباده الصالحين: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان: 64]. فمن حرص على قيام هذه الليالي نال رضا الله، ومن أهملها فقد فاته خير كثير.

الثبات بعد رمضان

من أهم الدروس التي يجب أن يخرج بها المسلم من رمضان، هي الاستمرارية في الطاعة وعدم التراجع عنها بعد انقضاء الشهر، فمن اجتهد في العبادة خلال رمضان ثم تركها بعده، فقد فوّت على نفسه فرصة الاستمرار في الخير. ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]، أي استمر في طاعة الله حتى يأتيك الموت، فإنما العبرة بالخواتيم.

نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الطاعات، وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم، وأن يرزقنا حسن الختام، ورفقة النبي صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم.

لقد كان شهر رمضان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله عز وجل، والتزود بالطاعات، وتنقية القلوب، وتعويد النفس على الصبر والاحتساب، فهو شهر تتجلى فيه رحمة الله ومغفرته، ويتسابق فيه العباد لنيل القرب منه سبحانه.

ولكن العبرة ليست فقط في الاجتهاد خلال هذا الشهر، بل في المحافظة على ما اكتسبه المسلم بعد انتهائه، فالفائز الحقيقي هو من يواصل طريق الطاعة والإيمان، ولا يكون من الذين يعبدون الله موسمياً، فإذا انقضى رمضان عادوا إلى التقصير والغفلة.

الاستمرار على الطاعة بعد رمضان

ينبغي أن يدرك المسلم أن رب رمضان هو رب كل الشهور، وأن من أحب الأعمال إلى الله تعالى الاستمرار على الطاعات ولو كانت قليلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ” (رواه البخاري ومسلم).

ولذلك، فمن أهم علامات قبول العمل في رمضان، أن يحرص العبد على مواصلة الطاعات بعده، ومن ذلك:

1. المحافظة على الصلاة في أوقاتها وعدم التهاون بها، فهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة.

2. الاستمرار في قراءة القرآن وتدبره، فقد كان السلف الصالح يُلازمون القرآن في رمضان وبعده.

3. الحرص على صيام النوافل مثل صيام الست من شوال، وصيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر.

4. المداومة على الذكر والاستغفار، فبذكر الله تطمئن القلوب، ويتجدد الإيمان.

5. الحرص على قيام الليل ولو بركعتين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل باستمرار.

6. الاستمرار في الصدقة والإحسان، ومساعدة المحتاجين، فهي من أسباب رضا الله وتكفير السيئات

مواصلة صالح العمل بعد رمضان
مواصلة صالح العمل بعد رمضان
خطر الرجوع إلى المعاصي بعد رمضان

إن من المؤسف أن بعض الناس بعد انتهاء رمضان يعودون إلى التقصير في الصلاة، وهجر القرآن، والغفلة عن الذكر، والانشغال بالدنيا حتى ينسوا ما كانوا عليه من الطاعة، وكأنهم لم يعيشوا أجواء الإيمان في رمضان!

وهذا حال من حذّر الله منهم في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾ [النحل: 92]، أي لا تكونوا كالتي كانت تغزل ثم تفك غزلها بعد أن أحكمته، فلا يكن حالكم بعد رمضان كحال من يهدم ما بناه.

ختامًا لنحرص على حسن الخاتمة

المسلم لا ينظر إلى رمضان على أنه نهاية للعبادة، بل هو بداية لمرحلة جديدة من الثبات على الطاعة، لأن الحياة قصيرة، والموت يأتي بغتة، والعبرة بالخواتيم، فمن عاش على الطاعة مات عليها، ومن مات على الطاعة فاز بجنة الله ورضوانه.

نسأل الله أن يرزقنا الثبات بعد رمضان، وأن يجعلنا من المقبولين، وأن يرزقنا حسن الخاتمة، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مزيد من الخواطر الرمضانية