مخصص للشباب خلال شهر رمضان
للشباب في رمضان: فرصة للتغيير والتحسين
أخي الشاب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ها قد أقبل علينا شهر رمضان المبارك، وهو ليس مجرد شهر للصيام عن الطعام والشراب، بل فرصة حقيقية لمراجعة الذات، والتغيير نحو الأفضل، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة. في هذا الشهر، يعيش المسلمون أجواءً روحانية مميزة، ويحرص الكثير منهم على مضاعفة جهودهم في العبادة والطاعة، وأنت بلا شك أحد هؤلاء الذين يستبشرون بقدوم هذا الشهر الكريم.
أود أن أحدثك بصراحة، فالمصارحة قد تكون أحيانًا صعبة، لكنها ضرورية لتحقيق التغيير. قد نخطئ، وقد نغفل عن بعض الأمور المهمة في حياتنا، ولكن الأهم هو أن نكون على استعداد لتصحيح المسار والاستفادة من الفرص التي يمنحها لنا الله.
التناقض بين الطاعة والمعصية:
أحيانًا نرى بعض الشباب يتهاونون في أداء العبادات طوال العام، لكنهم يصبحون في رمضان شديدي الحرص على صيامهم، يتساءلون عن أدق التفاصيل التي قد تؤثر على صحة الصيام، مثل دخول الغبار إلى الفم أو نزول قطرات دم من الأنف أثناء الوضوء. ورغم حرصهم على الالتزام بأحكام الصيام، قد تجدهم يتساهلون في ارتكاب المعاصي الأخرى، دون أن يكون لديهم نفس الحذر أو الخوف من مخالفة أوامر الله.
أليس غريبًا أن يحتاط الإنسان لأمر صغير في العبادة، بينما يتهاون في أمور كبيرة يعلم يقينًا أنها محرمة؟ هذا التناقض ليس منطقيًا، ويجب أن يدفعنا إلى التفكير في موقفنا من الدين بشكل شامل، بحيث لا يكون التزامنا موسميًا أو مقتصرًا على جوانب معينة دون غيرها.
القدرة على ضبط النفس:
يقول بعض الشباب إنهم غير قادرين على مقاومة شهواتهم، وإن ضغوط الحياة والمغريات أقوى من قدرتهم على الالتزام، لكن رمضان يثبت لنا العكس.
حينما يؤذن للفجر، يتوقف الصائم فورًا عن تناول الطعام، حتى لو كان جائعًا أو متأخرًا على السحور. وخلال ساعات النهار، يمتنع عن الأكل والشرب رغم شعوره بالعطش والتعب. لماذا؟ لأنه قرر أن يلتزم بأمر الله، وأدرك أن بإمكانه السيطرة على رغباته.
هذا دليل واضح على أن الإنسان قادر على التحكم في نفسه إذا كانت لديه إرادة قوية، فلماذا لا نستخدم نفس القدرة في تجنب المعاصي، وفي الالتزام بالصلاة، وغض البصر، والابتعاد عن كل ما يغضب الله؟ رمضان هو مدرسة حقيقية لتدريب النفس على الالتزام والطاعة.
شباب في طاعة الله:
إذا زرت مسجدًا في رمضان، خاصة في صلاة التراويح أو التهجد، ستجد عددًا كبيرًا من الشباب الذين اختاروا أن يستثمروا وقتهم في العبادة بدلاً من اللهو والتسلية. هؤلاء الشباب يعيشون في نفس المجتمع، ولديهم نفس المغريات والتحديات، ولكنهم قرروا أن يكونوا من أهل الطاعة.
لماذا لا تكون أنت أحدهم؟ ما الذي يمنعك من السير على نفس الطريق؟ الكثير من الشباب الذين كانوا غارقين في اللهو والبعد عن الله استطاعوا تغيير حياتهم والعودة إلى طريق الاستقامة. الفرق بينك وبينهم هو القرار، والإرادة الحقيقية للتغيير.
اغتنام الشباب قبل فوات الأوان:
الشباب مرحلة قصيرة، سرعان ما تمر، ويجد الإنسان نفسه قد كبر وتغيرت أحواله. انظر إلى كبار السن من حولك، هل كانوا هكذا منذ البداية؟ لقد كانوا شبابًا مليئين بالحيوية، لكن العمر مضى بهم سريعًا.
لذلك، لا تنتظر حتى تفقد طاقتك، أو تواجه صعوبات الحياة، أو تمر بتجربة صعبة تدفعك للتوبة. اغتنم شبابك الآن، واستثمره في الأعمال الصالحة، فالشباب هو أفضل وقت لبناء العادات الجيدة، والتقرب إلى الله قبل أن يأتي وقت الندم.
ماذا قدمت في رمضان؟
رمضان فرصة ذهبية لكل واحد منا ليعيد ترتيب أولوياته، ويبدأ في بناء علاقة قوية مع الله. انظر حولك، ستجد الناس منشغلين بالعبادة، فمنهم من يكثر من الصلاة، ومنهم من يتصدق، ومنهم من يقرأ القرآن. وأنت، أين موقعك بين هؤلاء؟
أليس من الأفضل أن تجعل هذا الشهر نقطة تحول في حياتك؟ أن تبدأ فيه مسيرة جديدة من الطاعة والاستقامة؟ لا تؤجل التغيير، فكل يوم يمر هو خطوة إما نحو الخير أو نحو غيره، والقرار بيدك.

اتخذ قرارك الآن
كثير من الشباب يؤجلون التوبة، وينتظرون “اللحظة المناسبة”، ربما بعد حادث مؤثر، أو فقدان عزيز، أو أي تجربة توقظهم من غفلتهم. لكن ماذا لو لم تأتِ هذه اللحظة؟ ماذا لو كان التأجيل سببًا في فوات الفرصة؟
الحياة لا تضمن لأحد وقتًا إضافيًا، والفرصة الحقيقية للتوبة والتغيير هي الآن. قد يكون اتخاذ القرار صعبًا في البداية، لكنه سيكون أحد أفضل القرارات التي تتخذها في حياتك.
اجعل رمضان بداية جديدة، واستثمره في بناء علاقتك مع الله، فالحياة قصيرة، والفرص لا تتكرر كثيرًا.