الصعود إلي القمة في رمضان

لنُحيي روح شهر القرآن حقًا!

لنُحيي رمضان بالقرآن

الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدى للناس، وجعل شهر رمضان موسمًا للخير والبركات، والصلاة والسلام على سيد الخلق وإمام القراء محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا شك أن الارتباط بين رمضان والقرآن وثيق وعظيم، فقد قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾، وكان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وهذا يدل على فضل هذا الشهر في التفرغ لكتاب الله.

وقد أدرك سلفنا الصالح هذا المعنى العظيم، فكانوا يخصصون وقتهم في رمضان لقراءة القرآن وتدبره، مستثمرين ساعاته المباركة في الطاعات والقربات.

الرسول ﷺ والقرآن في رمضان

كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل تلاوته في رمضان، فقد روى حذيفة رضي الله عنه أنه صلى معه ذات ليلة، فقرأ النبي بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وكان يتوقف عند آيات العذاب والرحمة يتأملها ويدعو.

السلف الصالح والقرآن في رمضان

لقد كان للسلف مواقف عظيمة في تعظيم القرآن في هذا الشهر الفضيل، ومن أمثلتهم:

سفيان الثوري: كان يترك كل عبادة أخرى ويتفرغ تمامًا لقراءة القرآن.

الأسود بن يزيد: كان يختم القرآن كل ليلتين.

قتادة: كان يختم كل سبعة أيام في غير رمضان، وفي رمضان يختم كل ثلاثة أيام، أما في العشر الأواخر فكان يختم كل ليلة.

الإمام الشافعي: كان يختم القرآن ستين مرة في رمضان خارج الصلاة.

أبو حنيفة: كان له ورد مشابه في الإكثار من الختمات.

الإمام البخاري: كان يختم القرآن في النهار مرة، ويقوم الليل بختمة كل ثلاثة أيام.

الحافظ ابن عساكر: كان يختم القرآن كل أسبوع، وفي رمضان كل يوم.

لماذا هذا الاهتمام الكبير بالقرآن؟

يدرك هؤلاء العلماء أن البركة في العمر والوقت تكمن في الانشغال بكتاب الله، فقد استغلوا الأوقات الفاضلة والمواسم المباركة للارتقاء في علاقتهم مع القرآن.

يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: “لم يُنهَ عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث أيام إلا إذا كانت المداومة على ذلك، أما في رمضان، وخاصة في العشر الأواخر، فمن المستحب الإكثار من التلاوة اغتنامًا لفضل الزمان والمكان.”

اعتراضات واهية أمام اغتنام رمضان

قد يظن البعض أن هذا الانشغال بالقرآن سيؤدي إلى تعطيل الأعمال والواجبات، ولكن من يتأمل حال الأئمة والعلماء، يجد أنهم جمعوا بين العلم والعبادة والمسؤوليات دون تفريط. فالمسألة ليست في ضيق الوقت، بل في البركة التي يمنحها الله لمن صدقت نيته.

وفي المقابل، نجد كثيرًا من الناس يضيعون أوقاتهم في رمضان بين وسائل التواصل، والجلسات الطويلة، والمشاهدات التي، وإن خلت من المحرمات، فإنها تحرمهم من الخير العظيم.

رسالة إلى العاملين في نشر الخير

لا شك أن من يشتغل بالدعوة والإعلام النافع في رمضان على خير عظيم، لكن من الضروري أن يخصص كل شخص وقتًا لنفسه للعبادة والخلوة مع القرآن، خاصة في العشر الأواخر. فالانشغال بالدعوة لا يعني إهمال القلب وتزكيته بالقرآن.

أثر التفرغ للقرآن في رمضان

عندما تجعل من رمضان شهرًا للقرآن، ستجد أثره في حياتك بعد رمضان، سينعكس على قلبك طمأنينة، وعلى نفسك طهارة، وسيكون سببًا في رفع درجتك في الدنيا والآخرة.

وقد بشر النبي ﷺ قارئ القرآن بقوله: “اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها”، كما قال: “اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه”.

خطوات عملية للاستفادة من رمضان بالقرآن

1. ابدأ بشكل تدريجي: لا تثقل على نفسك في البداية، ابدأ بجزء أو جزأين، ثم زد بالتدريج.

2. التزم بالوقت: خصص وقتًا ثابتًا للقرآن، وحاول جعله من الأولويات.

3. قلل الملهيات: تعامل بحزم مع وسائل التواصل والزيارات غير الضرورية.

4. استعن بالله: ادعُ الله أن يبارك لك في وقتك، وكرر المحاولة حتى آخر يوم من رمضان.

كان هذا المقال بمثابة دعوة صادقة لنفسي ولكم، لاستغلال هذا الشهر الكريم في التقرّب إلى الله من خلال كتابه العزيز، فلا شيء أحق بالعناية من كلام الله، ولا شيء يملأ القلب نورًا وطمأنينة مثل القرآن.

إن رمضان فرصة عظيمة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العام، ومن يُحسن استثمارها يجد بركتها في حياته كلها. لذا، لنحرص على جعل هذا الشهر فعلاً شهر القرآن، لا بالقول فحسب، بل بالعمل والتخطيط والتطبيق.

نسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يجعلنا من الذاكرين الشاكرين، وأن يرزقنا لذة تلاوة كتابه والتدبر فيه والعمل به. ونسأله أن يرفع درجاتنا بالقرآن، ويجعله نورًا لنا في الدنيا والآخرة.

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد هذه الوقفات المضيئة مع حال النبي ﷺ والسلف الصالح مع القرآن في رمضان، يبقى السؤال الأهم: ماذا عنّا؟ كيف سنجعل رمضان هذا العام مختلفًا؟

خطوات عملية لجعل رمضان شهر القرآن

1. ضع خطة واضحة:

حدد مقدار التلاوة اليومية (جزء، جزآن، أكثر حسب قدرتك).

اجعل لنفسك هدفًا لختم القرآن مرة أو أكثر.

وزّع القراءة بين الصلوات، وبعد الفجر، وفي أوقات الهدوء.

2. اجعل للقرآن وقتًا ثابتًا:

لا تترك الأمر للظروف، بل خصص وقتًا يوميًا ثابتًا لا يُمسّ.

الصباح الباكر أو بعد الصلوات من أفضل الأوقات.

3. اقرأ بتدبر لا مجرد تلاوة:

توقف عند الآيات، تأمل المعاني، وابحث عن التفاسير المختصرة.

اجعل لك دفترًا تدون فيه آيات أثرت فيك.

4. استغل التكنولوجيا في الخير:

استمع إلى القرآن أثناء القيادة أو الأعمال اليومية.

تابع برامج تفسير قصيرة على القنوات الموثوقة.

اشترك في مجموعات تشجيعية لحفظ القرآن أو ختمه.

5. قلّل الملهيات:

حدّد وقتًا لوسائل التواصل، ولا تتركها تسرق وقتك.

خفّف من اللقاءات الطويلة غير الضرورية.

اجعل أولويتك القرآن، ثم تأتي بقية الأمور.

اغتنم العشر الأواخر

إن كنت قد قصّرت في أول رمضان، فلا تضيّع الفرصة فيما بقي، فالعبرة بالخواتيم، وليلة القدر قد تكون في أي ليلة من العشر، فاجتهد في هذه الأيام القليلة الباقية.

لنُحيي روح شهر القرآن حقًا!
لنُحيي روح شهر القرآن حقًا!
رسالة أخيرة

القرآن هو حياة القلوب، ونور العقول، وسبب السعادة في الدنيا والآخرة. فاجعل رمضان هذا العام مختلفًا، اجعله شهر القرآن بحق، وسترى أثر ذلك في روحك وسلوكك طوال العام.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن، الذين هم أهله وخاصته، وأن يرزقنا لذة التلاوة، وحلاوة التدبر، وصدق العمل بما نقرأ.

اللهم اجعل القرآن العظيم حجة لنا لا علينا، وارفعنا به في الدنيا والآخرة، واجعله شفيعًا لنا يوم نلقاك.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ختامًا

نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يوفقنا لاستغلال هذا الشهر العظيم فيما يرضيه، وأن يرفعنا بالقرآن في الدارين.

مزيد من الخواطر الرمضانية