للصائم سعادتان ينتظرهما
سعادتان الصائم
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمه التي لا تُحصى، وغمرنا بعطاياه التي لا تُعد، فهو الغفور الرحيم، يقبل التوبة عن عباده ويغفر الذنوب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أحبتي الكرام
يمضي الصائم يومه متنقلًا بين لحظات الصبر والعبادة، ممتثلًا لأمر الله سبحانه وتعالى حين قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
يقبل هذه العبادة بفرح، ويرجو بها الأجر العظيم، منتظرًا لحظة الإفطار بشوق وسعادة، كيف لا وقد وعد الله الصائمين بجزاء عظيم على صبرهم؟
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه.”
وفي رواية أخرى: “إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه.”
وقد علّق الحافظ ابن رجب -رحمه الله- على هذا الحديث قائلًا: إن فرحة الصائم عند فطره نابعة من طبيعة النفس البشرية، التي تميل إلى ما يلائمها من طعام وشراب، فإذا حُرمت منه لفترة ثم أُبيح لها مجددًا، سعدت بذلك، خاصة عند اشتداد حاجتها إليه. أما فرحته الكبرى فتكون يوم يلقى الله، حين يجد ثواب صيامه مدخرًا له في وقت يكون أحوج ما يكون إليه، كما قال الله تعالى:
﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ [المزمل: 20].
ومن فضل الصيام أن الله خصّ الصائمين بباب في الجنة لا يدخل منه غيرهم، يُسمى “باب الريّان”. فقد ورد في الحديث الذي رواه البخاري عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إن في الجنة بابًا يُقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم.”
أحبتي
شهر رمضان هو موسم الرحمة والغفران، وهو تاج الزمان وفرصة ثمينة لمضاعفة الأعمال الصالحة. فلنسعَ فيه لاغتنام الخير، ولنتقرب إلى الله بالعبادة والدعاء، سائلين المولى أن يجعلنا من أهل الفرح والسرور في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا من المقبولين، واغفر لنا ذنوبنا، وتقبل منا صيامنا وقيامنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بارك الله فيكم جميعًا، وجعلنا وإياكم من عتقائه في هذا الشهر الكريم. فلنجعل هذه الأيام المباركة محطةً نتزود فيها من الطاعات، ونجدد فيها العهد مع الله، فنسأله المغفرة والعفو، ونسعى جاهدين لاستثمار كل لحظة فيها بالخير والعمل الصالح.
أحبتي
ما أجمل أن نستشعر معاني الصيام العميقة، ليس فقط في الامتناع عن الطعام والشراب، بل في تهذيب النفوس، وكبح الشهوات، والإقبال على الطاعات، فتتطهر قلوبنا، وتزكو أرواحنا، ونزداد قربًا من الله. وإن كان الجوع والعطش يرافقاننا في نهار رمضان، فإن الأجر المترتب عليهما أعظم وأبقى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به.” (متفق عليه).
وهذا دليل على عظيم منزلة الصيام عند الله، إذ خصه بنفسه وأعدّ للصائمين جزاءً لا يُقارن بأي عمل آخر.
فلنحرص أحبتي على اغتنام رمضان، بتلاوة القرآن، وكثرة الذكر، والقيام، والتضرع بالدعاء، فإنها أيامٌ معدودة، وسرعان ما تنقضي، فلنكن فيها من الفائزين.
اللهم اجعلنا من الصائمين القائمين، الذين يُرضونك بعباداتهم، ويستغلون أوقاتهم فيما يقرّبهم منك. اللهم لا تحرمنا أجر رمضان، واغفر لنا ذنوبنا، وأدخلنا جنتك من باب الريّان.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزاكم الله خيرًا أحبتي، ونسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا في ميزان حسناتنا، وأن يكتب لنا ولكم الأجر والثواب في هذا الشهر المبارك.
أحبتي في الله
إن رمضان ليس مجرد شهر نصوم فيه عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة إيمانية، تُربّي فينا الصبر والإخلاص، وتُعلّمنا الإحساس بالآخرين، فحين نشعر بالجوع والعطش، نتذكر إخواننا الذين يمرون بهذه الحال طوال العام، لا يجدون ما يسدّ رمقهم، فيزداد تعاطفنا معهم، وتدفعنا هذه المشاعر إلى البذل والعطاء.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة.” (متفق عليه).
فلنقتدِ بنبينا الكريم، ولنجعل رمضان شهر الخير، فنُخرج الصدقات، ونكفل الأيتام، ونعين المحتاجين، ونتعاون على البر والتقوى، لعل الله يكتب لنا القبول، ويفتح لنا أبواب رحمته ورضوانه.
أحبتي
إن رمضان سريع الانقضاء، فأيامه تمضي مسرعة، ولياليه تتوالى كأنها لحظات، وما هي إلا أيام معدودة ونودعه، فليكن حالنا فيه كما قال الله تعالى:
﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾ [طه: 84]، فنسارع إلى الطاعات، ونحرص على قيام الليل، ونتلو القرآن بتدبر، ونجتهد في الدعاء، عسى أن نكون ممن يُعتقون من النار.
اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم، واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر، واعتق رقابنا ورقاب أهلينا من النار، وأدخلنا جنتك من باب الريان بغير حساب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين