كبري غنائم رمضان

كبرى غنائم رمضان

غنائم رمضان 

العمر هو أغلى ما يملك الإنسان، واستثماره فيما ينفع هو نهج العقلاء وأهل الإيمان. إن تجاهل مواسم الطاعات التي جعلها الله فرصة لتعويض ما فات، وتصحيح ما ضاع في لهو الحياة، يُعدّ من أعظم الخسائر. فما أشد الغبن في تضييع لحظات القرب من الله، ولولا إدراك أهل البصيرة لنفحات الرحمن في هذه الأوقات المباركة، لما وُجد الساعون إلى القرب، ولا السابقون بالخيرات.

فقد رُوي عن الصحابي محمد بن أبي عميرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لو أن رجلاً يَخِرُّ على وجهه من يوم وُلِد إلى يوم يموت هَرِمًا في طاعة الله -عز وجل- لحقره ذلك اليوم، ولودَّ أنه رُدَّ إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب” (رواه أحمد وصححه الألباني).

كما جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: “اطلبوا الخير في دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يُصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمِّن روعاتكم”.

اغتنام المواسم الربانية

العبد العاقل هو الذي يستثمر أيامه في بناء آخرته، ويجمع من دنياه ما يُصلحه في الآخرة، فالأنفاس معدودة، والفرص محدودة، والسعيد هو من اتعظ بغيره، بينما الشقي هو من لم يدرك العبرة إلا بعد فوات الأوان. ومن رحمة الله بنا أن جعل لنا مواسم طاعة تتجدد، تأتي محملة بالنفحات لمن اغتنمها، يفرح بها الصالحون، ويتسابق فيها المتنافسون، مرددين قول الله تعالى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ) [طه: 84].

يقول ابن رجب -رحمه الله- في “لطائف المعارف”: “ما من موسم من هذه المواسم الفاضلة إلا ولله فيه وظيفة من وظائف الطاعة يتقرب بها العباد إليه، ولله فيها نفحة يصيب بها من يشاء بفضله، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرّب فيها إلى ربه، فلعله يُصيبه نفحةٌ من تلك النفحات، فيسعد بها سعادةً لا شقاء بعدها أبداً”.

أما ابن القيم -رحمه الله- فيشبه الحياة بشجرة، فيقول: “السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة، فثمرته طيبة، ومن كانت أنفاسه في معصية، فثمرته حنظل”.

أعمار الأمة وقصرها والتعويض الإلهي

لقد خُصّت أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأعمار قصيرة مقارنة بالأمم السابقة، ومع ذلك، فقد منحها الله فرصًا لتعويض ذلك، فجعل لها مواسم للطاعات، وضاعف لها الأجور، حتى أن ليلة واحدة في العام، وهي ليلة القدر، تعادل عبادة ألف شهر.

يروي الإمام مالك في “الموطأ” أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أعمار الأمم السابقة، فكأنه رأى أن أمته لن تبلغ من العمل ما بلغه غيرهم، فأعطاه الله ليلة القدر، وجعلها خيرًا من ألف شهر. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلاً من بني إسرائيل ظل مجاهدًا ألف شهر، فتعجب الصحابة، فنزلت الآية: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر: 1-3].

رمضان موسم الطاعات العظمى

يتميز رمضان بجمعه بين مختلف العبادات: من صيام، وقيام، وصدقة، وذكر، وتلاوة، واعتكاف، وصدقة الفطر، وغيرها. فمن لم يوفق لأحدها، اجتهد في غيرها، فهي غنائم تتنوع وتتعدد، ومن أبرزها وأعلاها منزلة: العمرة.

فالعمرة من العبادات العظيمة التي رتب الله عليها ثوابًا عظيمًا، حتى قال بعض العلماء بوجوبها. فقد روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكِير خبث الحديد والذهب والفضة”. كما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.

العمرة في رمضان الأجر المضاعف

إن أداء العمرة في رمضان يُعادل الحج في الثواب، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة”، وفي رواية: “حجة معي”.

لكن ينبغي التنبه إلى أن هذا لا يعني أن عمرة رمضان تُجزئ عن حج الفريضة، بل المقصود أن أجرها يعادل أجر الحج من حيث الثواب، وليس من حيث الإجزاء.

ضيافة الرحمن في رمضان

ما أسعد من كتب الله له الاعتمار في رمضان، حيث يكون ضيفًا على أكرم مضيف، وزائرًا لأشرف بقاع الأرض. فقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم” (رواه ابن ماجه).

إنها فرصة لمن وفقه الله أن يسافر إلى مكة في رمضان، حيث تكتحل عيناه برؤية الكعبة المشرفة، ويطوف بها سبعًا بعد سبع، ويتشرف بالوقوف في أعظم بقاع الأرض. فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من طاف بالبيت أسبوعًا، لا يضع قدمًا، ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة، ورفع له بها درجة” (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

الفضل العظيم لمن يكرر العمرة في رمضان

من أكرمه الله بالاستطاعة، فلا ينبغي له أن يفوت هذه النعمة، فقد صح عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة” (رواه الترمذي).

منزلة المعتمر في رمضان وشرف الزمان والمكان

من فضل الله على عباده أن جعل لبعض الأزمنة والأماكن شرفًا وميزة خاصة، ومن هذه الأزمنة شهر رمضان، الذي تتضاعف فيه الحسنات وتُغفر فيه الذنوب، ومن هذه الأماكن مكة المكرمة، التي جعل الله الصلاة فيها بمائة ألف صلاة. وعندما يجتمع فضل الزمان وفضل المكان وفضل العبادة، تكون النتيجة مضاعفة الأجر والثواب إلى حدٍّ لا يعلمه إلا الله.

ولذا، فإن المعتمر في رمضان يجمع بين ثلاثة أنواع من الفضائل:

1. فضل العمرة، التي هي في ذاتها عبادة عظيمة تكفّر الذنوب وتُحطّ الخطايا.

2. فضل رمضان، الذي جعله الله شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.

3. فضل مكة المكرمة، حيث تتضاعف فيها الأجور والعبادات، وتكون الصلاة والطواف والذكر فيها أعظم من أي مكان آخر.

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من طاف بالبيت العتيق، فإنه يحظى بمغفرة الذنوب، كما جاء في الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من طاف بالبيت أسبوعًا لا يضع قدمًا، ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة، ورفع له بها درجة” (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

التكافل في رمضان صورة مشرقة من العبادة

إضافة إلى العمرة، فإن رمضان يُعد موسمًا للبذل والعطاء، إذ يحرص الصائمون في مكة المكرمة على تفطير الصائمين، ويُشارك الزوار بعضهم البعض في هذه المائدة الإيمانية المباركة، فيتضاعف الأجر، وتُحقق روح الأخوّة الإسلامية في أجمل صورها.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا” (رواه الترمذي وصححه الألباني). فما بالك بمن يُفطر الصائمين في أطهر بقاع الأرض، حيث الأجور تتضاعف، والرحمات تتنزل، والذنوب تُغفر؟

الاعتمار في رمضان غنيمة لا تفوت

لقد ثبت بالدليل القاطع أن العمرة في رمضان لا تعادل الحج من حيث الإجزاء، لكنها تعادله من حيث الأجر والثواب، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “عمرة في رمضان تعدل حجة”، وفي رواية: “حجة معي”.

وهذه بشارة عظيمة لكل من لم يستطع أداء الحج، فيمكنه أن يغتنم هذه الفرصة الثمينة ليكتب الله له أجر الحج، حتى لو لم يكن في مكة إلا أيّامًا معدودة، فالمهم هو إخلاص النية، واستشعار الفضل، والحرص على استثمار هذه الأيام المباركة في الطاعة والقرب من الله.

التنافس في مواسم الخيرات

إن رمضان فرصة ذهبية للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، ومن أعظمها العمرة، التي تجمع بين مغفرة الذنوب، ورفعة الدرجات، ومضاعفة الأجور، وحصول البركة في المال والرزق، كما جاء في الحديث: “تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد” (رواه الترمذي وصححه الألباني).

فكيف يُفرط في هذا الخير العظيم من ملك الزاد والراحلة، وكان قادرًا على السفر لأداء العمرة في رمضان؟ ألا يجدر بالمسلم أن يكون من المسارعين إلى هذه النفحات الربانية، التي قد لا تُتاح له في سنواته القادمة؟

إن العمر يمضي، والفرص قد لا تتكرر، ومن رحمة الله أنه يُرسل لعباده مواسم الطاعة، فمن اغتنمها فاز وسعد، ومن فرّط فيها ندم حين لا ينفع الندم. فهنيئًا لمن اختار أن يكون من الضيوف على بيت الله في رمضان، وهنيئًا لمن وفقه الله لاغتنام هذه الأيام المباركة في الطاعة والعبادة، وليكن لسان حاله قول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].

إن تكرار العمرة في رمضان فرصة عظيمة لتطهير النفس، وزيادة الرزق، ونيل المغفرة، فما أعظمها من غنيمة لا يُفرط فيها إلا محروم. فهلّا شددنا الرحال إلى بيت الله في هذا الشهر العظيم، لنكون من الفائزين بفضل الله ورحمته؟

العمرة في رمضان فرصة لا تعوّض

إن الله -عز وجل- يمنح عباده مواسم للطاعات، ويفتح لهم أبواب الخير، فمن اغتنمها سعد في دنياه وآخرته، ومن فرّط فيها فقد أضاع على نفسه فرصًا قد لا تتكرر. وإن من أعظم هذه الفرص العمرة في رمضان، التي حثّ عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعلها في الأجر مساوية للحج.

كبري غنائم رمضان
كبري غنائم رمضان
أثر العمرة في رمضان على النفس والروح

إن أداء العمرة في هذا الشهر الفضيل يُدخل السكينة إلى القلب، ويُعمّق الإيمان في النفس، فالمعتمر في رحاب مكة يجد نفسه بين يدي الله في أجواء روحانية لا مثيل لها، يشاهد الكعبة المشرفة، ويطوف حولها بخشوع، ويسعى بين الصفا والمروة مستشعرًا مشاعر الأنبياء والصالحين الذين سبقوه في هذه البقاع الطاهرة.

وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: “الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم” (رواه ابن ماجه). فالمعتمر في رمضان هو في ضيافة الله، ومن أكرمه الله بهذه الضيافة فقد نال شرفًا عظيمًا، ورحمة واسعة، وفرصة لتجديد العهد مع الله والتوبة من الذنوب.

ثمار العمرة في رمضان

1. مغفرة الذنوب ومحو الخطايا

العمرة من أسباب تكفير الذنوب، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما” (متفق عليه). وفي رمضان، حيث الرحمة مضاعفة، فإن الأجر يكون أعظم وأجلّ.

2. تحقيق الطمأنينة والسكينة القلبية

يعيش المعتمر في رمضان لحظات من القرب إلى الله، فيجد نفسه مغمورًا بالطمأنينة، ويشعر بانشراح الصدر وسكينة الروح، فهو في أطهر بقاع الأرض، يطوف ويسعى ويصلّي في المسجد الحرام، حيث تتنزل الرحمات، وتتحقق الأمنيات.

3. مضاعفة الأجر والثواب

كما جاء في الحديث الشريف، فإن عمرة في رمضان تعدل حجّة، وهي فرصة لمن لم يستطع أداء الحج، أن يحصل على أجره، بل إن الصلاة في المسجد الحرام تضاعف أضعافًا كثيرة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام خير من مئة ألف صلاة فيما سواه” (رواه ابن ماجه).

4. الاستجابة للدعوات

رمضان هو شهر الدعاء، وقد وعد الله بإجابة الدعاء فيه، فكيف إذا اجتمع رمضان مع التواجد في الحرم المكي؟ إنها فرصة عظيمة لمن لديه أمنيات وأحلام يرجو تحقيقها، أن يسأل الله بيقين، وهو ساجد في المسجد الحرام، أو طائف حول الكعبة، أو قائم في الصلاة.

دعوة لاغتنام الفرصة

إن العمرة في رمضان ليست مجرّد رحلة دينية، بل هي رحلة إيمانية تُغيّر حياة الإنسان، وتجدد روحه، وتعيد ترتيب أولوياته. فمن وُفّق إليها فليحمد الله، وليستغلّ كل لحظة في العبادة والدعاء والاستغفار، ومن لم يستطع هذا العام فليجعلها هدفًا يسعى لتحقيقه في الأعوام القادمة، وليبذل الأسباب، فإن الله كريم جواد، يفتح لعباده أبواب فضله، ويُيَسّر لهم الطاعة إن صدقت نياتهم وأعمالهم.

ختامًا الفوز بأعظم الجائزة

إن أعظم جائزة ينالها الإنسان من العمرة في رمضان هي رضا الله -عز وجل- ومغفرته، فمن رضي الله عنه سعد في الدنيا والآخرة، ومن غفر الله له فقد فاز فوزًا عظيمًا. فهنيئًا لمن شدّ رحاله إلى بيت الله في رمضان، وهنيئًا لمن أكرمه الله بهذه النعمة العظيمة، فليحافظ عليها، وليكثر من الدعاء، وليُعدها محطة انطلاقة لحياة جديدة مليئة بالخير والطاعة والاستقامة.

ولنختم بقول الله -عز وجل-:

(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة: 48].

مزيد من الخواطر الرمضانية