شهر شعبان وتهيئة الأسرة للإقبال على الله في رمضان

فضل صيام المجاهد وثوابه العظيم

صيام المجاهد 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا يخفى على أي مسلم متمسك بكتاب الله وسنة نبيه الكريم ما يضفيه شهر رمضان المبارك من نفحات إيمانية وروحانية، تدفع المسلمين إلى الإقبال على الطاعات وأعمال البر بأنواعها. وإذا كان هذا الشهر الفضيل له مكانة عظيمة لدى عامة المسلمين، فإن قيمته تزداد عند المجاهدين الذين وهبوا أنفسهم ومالهم وكل ما يملكون لله عز وجل.

إن للصيام في حياة المجاهد بُعدًا خاصًا، فهو ليس مجرد عبادة يتقرب بها إلى الله، بل تجربة عملية يستلهم منها دروسًا عظيمة من جهاد النفس والتحمل، مسترشدًا بسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

ولبيان فضل الصيام أثناء الجهاد، وردت عدة أحاديث نبوية تبين مكانته وأجره العظيم، ومنها:

1. فضل الصيام في سبيل الله

روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا” (رواه البخاري ومسلم).

يبين هذا الحديث عظيم الجزاء لمن يصوم أثناء الجهاد، حيث يكون بعده عن النار بمقدار سبعين عامًا، مما يدل على الحماية الربانية التي يحظى بها الصائم المجاهد.

2. الحماية من النار للصائم في الجهاد

جاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض” (رواه الترمذي والطبراني).

وفي رواية أخرى، جاء أن الصائم في سبيل الله يبعد عن النار مسيرة مائة عام، مما يؤكد على الفضل الكبير لهذا العمل الصالح.

3. الصيام والجهاد مضاعفة الأجر

عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف” (رواه أبو داود والحاكم).

يبين هذا الحديث أن ثواب العبادات، ومنها الصيام، يزداد في ميدان الجهاد، حتى يفوق النفقة بسبعمائة ضعف، مما يدل على منزلة الصائم المجاهد عند الله.

4. مواقف من السلف في صيام الجهاد

لقد كان السلف الصالح يحرصون على الصيام أثناء القتال، رغم المشقة الكبيرة التي يواجهونها، طلبًا للأجر العظيم. ومن الروايات التي تدل على ذلك:

روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان مع عبد الله بن مخرمة في معركة اليمامة، وعندما أصيب عبد الله قال له: “هل أفطر الصائم؟” فأجابه ابن عمر: “لا”. عندها طلب عبد الله الماء ليكسر صيامه، لكنه فارق الحياة قبل أن يتمكن من ذلك.

كما روى الطبراني عن محمد بن الحنفية أنه رأى أحد الصحابة في ميدان القتال يتلوى من العطش وهو صائم، لكنه أصر على الجهاد حتى استشهد، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من رمى بسهم في سبيل الله كان له نورًا يوم القيامة”.

إن هذه الأحاديث والمواقف تبين فضل الصيام أثناء الجهاد، حيث يكون سببًا في النجاة من النار والفوز برضوان الله وجنته. فهنيئًا لمن جمع بين الجهاد والصيام، ونال الأجر العظيم والمقام الرفيع عند الله.

ونسأل الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا، وأن يتقبل جهاد المجاهدين، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين.

صيام المجاهدين في ميادين القتال

إن الصيام في ميدان الجهاد ليس مجرد عبادة فردية، بل هو دليل على صبر المجاهد وقوة عزيمته، فهو يجمع بين الصبر على العدو والصبر على الجوع والعطش، مما يزيده قوة في مواجهة الشدائد. وقد كان الصحابة والسلف الصالح يدركون قيمة هذا الصيام وأثره في تقوية النفس وربطها بالله عز وجل.

1. صيام الصحابة في المعارك

لقد حرص الصحابة الكرام على الصيام في المعارك رغم شدة الحر وقسوة الظروف، ومن أبرز المواقف:

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: “ترافقت أنا وعبد الله بن مخرمة وسالم مولى أبي حذيفة في معركة اليمامة، وكان الصيام علينا جميعًا. فلما كان يوم القتال، وجدت عبد الله بن مخرمة جريحًا، فقال لي: هل أفطر الصائم؟ قلت: لا. فقال: فاجعل لي في هذا المجن ماء لعلي أفطر، فأتيته به فوجدته قد استشهد قبل أن يفطر.”

وروي عن أبي عمرو الأنصاري، أحد البدريين الذين شهدوا معركة بدر وأحد، أنه كان صائمًا أثناء القتال، وكان يتلوى من العطش، ولكنه أصر على الصيام حتى استشهد، وكان يقول لغلامه: “ويحك، ترسني، فترسه الغلام حتى أطلق ثلاثة أسهم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ‘من رمى بسهم في سبيل الله، قصر أو بلغ، كان له نورًا يوم القيامة'”، فقتل قبل أن يفطر.

2. كرامات المجاهدين الصائمين

لقد وردت روايات عديدة عن السلف الصالح الذين غزوا في سبيل الله وصاموا، وقد رأى بعضهم كرامات عظيمة نتيجة إخلاصهم وصبرهم، ومن ذلك:

يُروى أن أحد المجاهدين كان يتمنى الشهادة في سبيل الله، ولكنه لم ينلها بعد عدة معارك، فقال في نفسه: “لعلني لو عدت إلى أهلي وتزوجت لن أنال الشهادة”. لكنه رأى في منامه أنه دخل الجنة وقابل حورية العين التي تنتظره، وعندما استيقظ بكى بشدة، حتى ظن رفاقه أنه قد أصيب بمكروه. وعند غروب الشمس وقع في المعركة واستشهد وهو صائم، فنال ما كان يتمناه

فضل صيام المجاهد وثوابه العظيم
فضل صيام المجاهد وثوابه العظيم

الصيام والجهاد: مدرسة في التربية الروحية

إن الصيام في ساحة الجهاد ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تهذيب للنفس، وتربية على الصبر والتوكل على الله، وتحقيق لمعنى العبودية الحقة. كما أنه يعين المجاهد على ضبط النفس وكبح الشهوات، فيكون أصدق نية وأخلص عملاً، بعيدًا عن الرياء والسمعة.

وقد قال بعض السلف: “الجهاد جهادان: جهاد النفس وجهاد العدو، فمن جاهد نفسه بالصيام وجاهد عدوه بالسلاح، فقد استكمل مراتب الجهاد”.

الخاتمة

إن صيام المجاهد في سبيل الله له أجر عظيم وثواب مضاعف، فقد جعل الله بينه وبين النار خندقًا لا يمكن تجاوزه، كما جعله في منزلة أرفع من غيره، حيث ينال الأجر بسبعمائة ضعف، وهو من أقرب المجاهدين منزلةً إلى الله.

فطوبى لمن جمع بين الجهاد والصيام، فكان من الفائزين بالجنة، الناجين من النار، الذين جعلوا الدنيا مطيةً للآخرة، ووهبوا أنفسهم لله، طمعًا في رضوانه.

ونسأل الله أن يتقبل منا ومن المجاهدين صيامهم وقيامهم، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعلنا من أهل الجهاد والعبادة، والحمد لله رب العالمين.

مزيد من الخواطر الرمضانية