رمضان مدرسة الإرادة: دروس وعبر في الصيام للأئمة والدعاة

فرحة لقاء رمضان

فرحة استقبال رمضان: نفحات إيمانية وفرصة للتجديد الروحي

يحلُّ علينا شهر رمضان المبارك ببركاته ونفحاته الإيمانية، فنفرح بلقائه ونشتاق إليه، لأن الاستعداد لاستقباله عبادةٌ عظيمة. وكما قال الله تعالى في كتابه الكريم:

“قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” (يونس: 58).

فرحة القلوب بقدوم رمضان

نشعر بالسعادة الغامرة لأن الله منحنا فرصة جديدة لنُقبل عليه ونستدرك ما فاتنا من الطاعات، في حين حُرم هذا الفضل آخرون. كم من الأحبة فقدنا؟ وكم من قريب ودعناه ودفناه؟! طويت صحائف أيامهم وضاعت أحلامهم، وكم كانوا يتمنون يوماً واحداً من رمضان ليصوموا، ويقوموا، ويقرأوا القرآن، لكن الآجال سبقتهم. لذا، ندعو الله أن يكتب لهم أجر رمضان بنياتهم، ويرزقنا وإياهم القبول والمغفرة في أعوام مديدة.

دموع الفرح بقدوم رمضان

لحظات بلوغ رمضان واستقبال التهاني تعزز في قلوبنا نعمة بقاء هذا الدين وحفظه رغم سعي الحاقدين لتشويهه، ورغم محاولات المعادين لتهميشه. وكما قال الله تعالى:

“ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين” (المنافقون: 8).

فرحة تعويض ما فات في رمضان الماضي

نفرح لأن رمضان يمنحنا فرصةً جديدةً لتعويض التقصير الذي وقعنا فيه العام الماضي، حيث انشغل البعض بالدنيا وودعوا الشهر الكريم بتلاوات ناقصة، ولهوٍ وانشغالٍ عن الطاعات. واليوم، بفضل الله، عاد رمضان من جديد ليمنحنا الفرصة لنُحسن استغلال أيامه ولياليه.

نعمة بلوغ رمضان في صحة وأمان

كم من مريض أنهكه المرض وكان يأمل أن يقوم ليله ويصوم نهاره، وكم من فقيد كان ينتظر هذا الشهر بشوق لكنّه لم يدركه! لذا، يجب أن نشكر الله على نعمة بلوغ رمضان ونحن في صحة وأمان، وأن نستثمر أيامه ولياليه في الطاعات، فهذه فرصة قد لا تتكرر.

بشارة النبي ﷺ بقدوم رمضان

قلوبنا تتلهف لاستقبال رمضان، كيف لا وقد زفّ إلينا الحبيب المصطفى ﷺ هذه البشرى العظيمة:

“أتاكم شهر رمضان شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم” (رواه أحمد والنسائي).

دعاء استقبال رمضان

نحمد الله على فضله ومنّته، ونسأله أن يهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يجعلنا من عتقائه من النار، ويعيننا على الصيام والقيام وتلاوة القرآن.

اللهم بلّغنا رمضان، وأعنّا فيه على طاعتك، وتقبّل منا صالح الأعمال.

كيف نستقبل رمضان بروح إيمانية صادقة؟

بعد أن منَّ الله علينا ببلوغ رمضان المبارك، يبقى السؤال الأهم: كيف نستقبل هذا الشهر الكريم بطريقة تليق بعظمته؟ فليس الفرح بقدومه وحده كافياً، بل يجب أن يكون هذا الفرح مصحوباً بعزيمة صادقة على اغتنام أيامه ولياليه بالطاعات والقربات.

1. التوبة الصادقة والاستعداد القلبي

رمضان هو شهر المغفرة والرحمة، فقبل أن نبدأ صيامه وقيامه، علينا أن نطهّر قلوبنا من الذنوب والمعاصي، ونجدد العهد مع الله بالتوبة النصوح، كما قال سبحانه:

“وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون” (النور: 31).

2. تنظيم الوقت والتخطيط للعبادات

كثيرٌ من الناس يفاجئهم رمضان دون استعداد، فيضيعون أيامه بين اللهو والانشغال بالدنيا. لذا، من الضروري وضع خطة عملية تشمل:

تخصيص وقت محدد لقراءة القرآن يوميًا بهدف ختمه أو تدبره.

الالتزام بأداء الصلوات في أوقاتها، مع المحافظة على السنن والنوافل.

استغلال أوقات السحر في الدعاء والاستغفار، فقد قال النبي ﷺ:

“ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟” (متفق عليه).

3. الإكثار من الصدقة والإحسان

رمضان هو شهر الجود والكرم، ومن أفضل الأعمال فيه الصدقة على الفقراء والمحتاجين. فقد كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. ويمكن للمسلم أن يخصص مبلغًا يوميًا أو أسبوعيًا لإطعام الصائمين، ودعم الأسر المتعففة، والمساهمة في المشروعات الخيرية.

4. اغتنام ليلة القدر

ليلة القدر هي خيرٌ من ألف شهر، والعمل فيها يضاعف أضعافًا كثيرة. لذا، من الضروري الاجتهاد في العشر الأواخر، والاعتكاف إن أمكن، والإكثار من الدعاء المأثور:

“اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعفُ عني” (رواه الترمذي).

5. الابتعاد عن المعاصي ومجاهدة النفس

لا يكتمل الصيام الحقيقي بمجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل يجب أن يشمل حفظ الجوارح عن المعاصي، فالصيام ليس فقط امتناعًا عن الأكل، بل امتناع عن كل ما يغضب الله، كما قال النبي ﷺ:

“من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” (رواه البخاري).

فرحة لقاء رمضان
فرحة لقاء رمضان

6. الدعاء عند الإفطار وتحقيق التقوى

من أهم لحظات الاستجابة في رمضان هي لحظة الإفطار، لذا يجب أن نستثمرها بالدعاء لأنفسنا وأحبابنا وأمتنا الإسلامية، فقد قال النبي ﷺ:

“للصائم عند فطره دعوة لا ترد” (رواه ابن ماجه).

كما أن الهدف الأساسي من الصيام هو تحقيق التقوى، كما جاء في قوله تعالى:

“يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (البقرة: 183).

ختامًا: لنحمد الله على نعمة رمضان

إن بلوغ رمضان نعمة عظيمة تستوجب الشكر، فكم من أناسٍ كانوا معنا في رمضان الماضي، واليوم رحلوا عن الدنيا! فلنحرص على استغلال هذا الشهر الكريم قبل أن تنقضي أيامه سريعًا، ولنسأل الله القبول والغفران، وأن يجعلنا من عتقائه من النار.

اللهم بلّغنا رمضان، وأعنّا على صيامه وقيامه، واجعلنا من المقبولين فيه، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين.

مزيد من الخواطر الرمضانية