عودة المشتاق كعودة الصائم بعد يوم طويل
رحلتي نحو التوبة والسكينة
عدت إليك، يا خالق الوجود، بروح تواقة إلى النور، وبقلب يملؤه الأمل في رحمتك. كنت أبحث عن الأمان والطمأنينة، ولم أجد ملجأً سوى رحاب عفوك ورضوانك، فامنحني، يا إلهي، نعيم الدار الآخرة.
أدركتُ أن أهواء نفسي كانت قيودًا تُبعدني عنك، لكنها لم تستطع إطفاء نور الإيمان داخلي. فها أنا أطلب عونك، يا رب، لأتحرر من كل ما يُثقل روحي، وأتوجه إليك بقلب نقي، طامعًا في هدايتك ورحمتك.
كم ضللتُ في دروبٍ شتَّى، وكم حارت نفسي في متاهات الحياة، متسائلًا: أين السكينة؟ أين الوجهة الحقيقية؟ حتى أضاء لي الإيمان طريق العودة، ووجدت في نهج رسولك الكريم هداية تُنير دربي، فكانت التوبة قراري الذي لا رجعة فيه.
يا رب، تعبتُ من التيه، وأرهقتني الذنوب، حتى باتت روحي تئن من ثقلها. كم هو عظيم إثمي، وكم هو واسع عفوك! أعلم أنك الغفور الرحيم، لكن نفسي تتألم من حمل الخطايا، ولا أجد عزائي إلا في يقيني برحمتك التي تمسح كل ذنب، وتبدل السيئات حسنات.
رغم كل ما كان، فإن حبي لك ثابت، وإيماني بك يزداد قوة. لو كانت حياتي مليئة بالأخطاء، فإنني اليوم أعلن محبتي لك بصدق، وأجدد عهدي معك بكل جوارحي، بعينيّ التي تدمع خشيةً، وبقلبي الذي ينبض شوقًا للقرب منك.
عدت إليك، يا رب، ودموعي شاهدة على ندمي، وأحلامي كلها معلقة برضاك. هجرتُ ملذات الدنيا، واسترشدتُ بنور الطاعة، صمتُ نهاري، وسهرتُ ليلي مناجيًا، باحثًا عن سكينةٍ لا تُنال إلا في ظلّ رحمتك.
ليس لي رجاءٌ إلا رضاك، ولا أطلب شيئًا سوى أن أكون قريبًا منك. أناجيك بقلب يملؤه الأمل، وأعلم أنك لا ترد من يقصدك صادقًا. إليك أتوجه، يا رب، وأضع بين يديك كل أمنياتي، فحسبي رضاك، فهو أعظم ما يمكن أن يناله الإنسان.
أمام عينيّ تتجلى آفاق الجنة، فأين من يسعى إليها؟ أين من يبيع الدنيا ليشتري نعيم الآخرة؟ من يملأ قلبه بالشوق للقاء ربه؟ إن المواسم المباركة تقترب، ومواسم الرحمة تلوح في الأفق، فهل سأسابق إليها بروحي وقلمي وقلبي؟
حين أمعن النظر في رحلتي، أرى كيف جرفتني الدنيا في دروبها، وكيف ظننتُ يومًا أن السعادة تكمن في متاع زائل. لكنني أدركت الآن أن الطمأنينة لا تُنال إلا بالقرب منك، وأن كل شيء في هذه الحياة سراب، ما لم يكن في رضاك.
يا رب، كم من مرة ناديتني بلطفك، وأرسلت إليّ إشارات الهداية، لكنني كنت مشغولًا بصوت الحياة الصاخب. واليوم، وقد هدأ ضجيج روحي، أسمع نداءك واضحًا، فأستجيب بقلب تائب، وعزم لا يلين.
ما أعظم رحمتك! تغفر الذنب مهما كبر، وتقبل العبد مهما ابتعد. فلا ملجأ لي إلا إليك، ولا أمل لي إلا في رحمتك الواسعة. جئت إليك بقلبي المنكسر، أرجو نظرة عفو تمسح زلّاتي، ولمسة رحمة تعيد إليّ نقاء الروح وصفاء القلب.
يا إلهي، أراني واقفًا على أعتاب رحمتك، أحمل بين يديّ سنوات من التقصير، لكنني أرفعها إليك بيقين أن عفوك أوسع من ذنوبي، وأن كرمك أعظم من خطاياي. فإن كان لي في العمر بقية، فأسألك أن يكون في طاعتك، وإن كان لي في الدنيا نصيب، فاجعل رضوانك هو غايتي.
يا رب، كيف لي أن أصف شوقي إليك بعد طول الغفلة؟ كيف لي أن أعبّر عن حاجتي إلى رحمتك وأنا الضعيف المفتقر إليك في كل لحظة؟ كنتُ أظن أنني قادر على المضي وحدي، لكني أدركتُ الآن أن لا طريق إلا طريقك، ولا ملجأ إلا رحابك.
يا أرحم الراحمين، أتيتك بقلب أثقلته الذنوب، وبعين أرهقتها دموع الندم، فهل تقبلني؟ هل تشملني بعفوك كما شملت من قبلي، وتفتح لي باب الأمل كما فتحته لمن عاد إليك؟
إلهي، في ظلمات الليالي، حين يهدأ كل شيء، أشعر بروحي تهفو إليك، تسجد بين يديك، تبكي حبًا ورجاءً. ما أعظمك! تقبل من جاءك متأخرًا، وتفرح بتوبة عبد كان بعيدًا، وتبدّل السيئات حسنات لمن أقبل عليك بصدق.
يا رب، اجعلني ممن أحببتهم، ممن رضيت عنهم، ممن كتبت لهم حسن الخاتمة. لا تتركني لنفسي طرفة عين، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا الآخرة آخر عهدي. اجعلني من الذاكرين، من الشاكرين، من التائبين الذين يعودون إليك في كل مرة يزلّون فيها.
يا الله، إن كان في قلبي ذنب يحول بيني وبينك، فاغفره، وإن كان في حياتي ما يبعدني عنك، فاقطع جذوره، وإن كان في دربي ما يضلّني، فاهدني إلى صراطك المستقيم.
أُسلِمُ إليك أمري، وأفوض إليك حياتي، وأرجوك يا كريم، أن تجعل لي نصيبًا من رضاك، وأن تكتبني ممن ينالون رحمتك الواسعة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فها أنا، يا رب، أعود إليك بقلب ينبض حبًا، بروح تائبة، بنية صادقة… فأقبلني، واغفر لي، واهدني، فأنت الكريم الذي لا يرد من جاءه راجيًا.

أشعر الآن بنور الهداية يملأ روحي، وبنسيم الطمأنينة يحيط بقلبي. أدركتُ أن السباق إلى الجنة يبدأ من هنا، من لحظة الصدق مع النفس، ومن قرار العودة إليك بلا تردد.
يا رب، هذه يداي أرفعها إليك بالدعاء، وهذه روحي تلهج برجاء، وهذا قلبي يخفق حبًا وشوقًا للقرب منك. فإن كنت قد تأخرتُ كثيرًا، فها أنا أعود إليك بكل ما فيَّ، فأقبلني، يا أرحم الراحمين.
بهذا تكون الرسالة قد اكتملت بروح إيمانية صادقة، تعبّر عن التوبة والرجوع إلى الله بأسلوب نثري مؤثر.