لئن أدركت رمضان ليَرينَّ اللهُ ما أصنع

(صوم التطوع وما نهي عن صومه) من بلوغ المرام

فضل صيام النوافل والأيام التي نُهي عن صيامها

استحباب صيام بعض الأيام

ورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة تبين فضل صيام بعض الأيام تطوعًا، ومن ذلك:

عن أبي قتادة الأنصاري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل عن صيام يوم عرفة، فقال: “يكفر السنة الماضية والباقية”، وسئل عن يوم عاشوراء، فقال: “يكفر السنة الماضية”، كما سئل عن صيام يوم الاثنين، فقال: “ذلك يوم وُلدت فيه، وبعثت فيه، وأُنزل علي فيه” (رواه مسلم).

→ هذا الحديث يدل على استحباب صيام يوم عرفة وعاشوراء والاثنين.

وعن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر” (رواه مسلم).

→ يفيد الحديث باستحباب صيام ستة أيام من شوال، سواء متتابعة أو متفرقة.

عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا” (متفق عليه).

→ يوضح الحديث فضيلة الصيام بشكل عام، خاصة عند الجهاد، بشرط ألا يؤدي إلى ضعف البدن.

كثرة صيام النبي – صلى الله عليه وسلم

روت السيدة عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان أحيانًا يصوم حتى يُظن أنه لا يفطر، ويفطر حتى يُظن أنه لا يصوم، ولم يُكمل صيام شهرٍ كامل إلا رمضان، وكان أكثر صيامه في شعبان (متفق عليه).

→ يبين الحديث أن صيام النبي لم يكن مقيدًا بشهر معين، لكنه كان يُكثر من الصيام في شهر شعبان.

عن أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر: “ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة” (رواه النسائي والترمذي).

→ يشير الحديث إلى استحباب صيام أيام “البيض”، ويمكن تعويضها بأي ثلاثة أيام من الشهر.

أحكام صيام المرأة والزوج

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه” (متفق عليه).

→ يدل الحديث على وجوب استئذان المرأة من زوجها في صيام التطوع إن كان حاضرًا.

أيام يُنهى عن صيامها

نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن صيام يومي عيد الفطر وعيد الأضحى (متفق عليه)، وهذا إجماع بين العلماء.

كما قال – صلى الله عليه وسلم -: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله” (رواه مسلم)، وهي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر.

→ الحديث يدل على كراهة صيام هذه الأيام، إلا لمن لم يجد الهدي في الحج، كما ورد عن عائشة وابن عمر – رضي الله عنهم.

نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام، إلا إذا صام يومًا قبله أو بعده (متفق عليه).

→ يدل الحديث على كراهة تفريد الجمعة بالصيام.

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا” (رواه الخمسة، واستنكره أحمد).

→ يفيد الحديث بكراهة الصيام بعد منتصف شعبان، إلا لمن له عادة في الصيام.

وعن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم” (رواه الخمسة).

→ الحديث يشير إلى النهي عن تخصيص يوم السبت بالصيام، إلا أن هناك حديثًا آخر يدل على أنه كان يصوم السبت والأحد، لمخالفة المشركين.

عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة (رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة).

→ يدل الحديث على أن الحاج لا يستحب له صيام يوم عرفة حتى لا يُضعف عن الدعاء والعبادة.

عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا صام من صام الأبد” (متفق عليه).

→ الحديث يحذر من صيام الدهر كاملاً، ويفضل الاعتدال، مثل صيام يوم وإفطار يوم كما كان يفعل النبي داوود – عليه السلام

يتضح مما سبق أن الصيام من العبادات العظيمة التي لها فضل كبير، خاصة في الأيام المستحبة مثل يوم عرفة، عاشوراء، والاثنين والخميس. كما أن هناك أيامًا يُنهى عن صيامها مثل العيدين وأيام التشريق. ومن المهم الاعتدال وعدم المبالغة في الصيام حتى لا يكون فيه مشقة على النفس.

استحباب صيام بعض الأيام المشهورة

1. صيام يوم عرفة

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية” (رواه مسلم).

يستحب لغير الحاج صيام يوم عرفة لما له من فضل عظيم في تكفير الذنوب، أما الحاج فيستحب له الفطر ليكون أكثر قدرة على الدعاء والعبادة.

2. صيام يوم عاشوراء

ورد في الحديث: “صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية” (رواه مسلم).

ويستحب صيام يوم قبله أو بعده لمخالفة اليهود الذين كانوا يصومونه وحده.

3. صيام يومي الاثنين والخميس

قال النبي – صلى الله عليه وسلم – عن يوم الاثنين: “ذلك يوم وُلدت فيه، وبعثت فيه، وأُنزل عليّ فيه” (رواه مسلم).

وجاء عنه أنه كان يحرص على صيام يومي الاثنين والخميس، حيث تُرفع فيهما الأعمال إلى الله، وكان يحب أن يُرفع عمله وهو صائم.

4. صيام ستة أيام من شوال

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر” (رواه مسلم).

يمكن صيام هذه الأيام متتابعة أو متفرقة في الشهر.

5. صيام الأيام البيض (13 و14 و15 من كل شهر قمري)

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر” (رواه النسائي والترمذي).

صيام هذه الأيام يعادل أجر صيام الدهر كله بسبب مضاعفة الأجر في الحسنات.

6. صيام داوود عليه السلام

أوصى النبي – صلى الله عليه وسلم – عبدالله بن عمرو بأن يصوم يومًا ويفطر يومًا، وقال: “ذلك صيام داوود، وهو أفضل الصيام” (متفق عليه).

هذا النوع من الصيام يحقق الاعتدال ولا يُرهق البدن.

الأيام التي يُنهى عن صيامها

1. يومي العيد (الفطر والأضحى)

اتفق العلماء على تحريم صيامهما، لأنهما يومان للأكل والشرب والفرح.

2. أيام التشريق (11، 12، 13 من ذي الحجة)

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله” (رواه مسلم).

لكن يُستثنى من ذلك من لم يجد الهدي في الحج، حيث يجوز له الصيام.

3. إفراد يوم الجمعة بالصيام

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده” (متفق عليه).

يُكره تخصيصه بالصيام منعًا للمبالغة في تعظيمه.

4. إفراد يوم السبت بالصيام

جاء في الحديث: “لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم” (رواه الترمذي وأحمد).

بعض العلماء يرون أن النهي ليس مطلقًا، بل المقصود عدم إفراده بالصيام، إلا إذا وافق عادة صيامية مثل الأيام البيض.

5. النصف الثاني من شعبان

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا” (رواه أبو داود والترمذي).

يُكره البدء في صيام التطوع بعد منتصف شعبان لمن لم تكن له عادة صيام.

6. صيام يوم الشك (يوم 30 شعبان إن لم يُر الهلال)

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه” (رواه البخاري ومسلم).

يُنهى عن صيام هذا اليوم خشية أن يكون من رمضان أو أن يكون تشددًا غير مطلوب.

7. صيام الدهر (الصوم المستمر بلا انقطاع)

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا صام من صام الأبد” (متفق عليه).

(صوم التطوع وما نهي عن صومه) من بلوغ المرام
(صوم التطوع وما نهي عن صومه) من بلوغ المرام

أفضل الصيام هو صيام يوم وإفطار يوم كما كان يفعل النبي داوود عليه السلام.

خلاصة الأحكام والفوائد

✅ أيام يستحب صيامها:

يوم عرفة (لغير الحاج).

يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده.

الاثنين والخميس

ستة أيام من شوال.

الأيام البيض من كل شهر قمري.

صيام يوم وإفطار يوم (صيام داوود).

❌ أيام يُنهى عن صيامها:

يومي العيد (الفطر والأضحى).

أيام التشريق الثلاثة (إلا للحاج الذي لم يجد الهدي).

إفراد يوم الجمعة أو السبت بالصيام.

النصف الثاني من شعبان لمن لم تكن له عادة صيام.

يوم الشك (30 شعبان إذا لم يُر هلال رمضان).

صيام الدهر المتواصل بدون إفطار.

الهدف من الصيام في الإسلام

الصيام في الإسلام ليس فقط عبادة بدنية، بل هو وسيلة للتقرب إلى الله، والتدرب على الصبر والانضباط، والشعور بالفقراء، بالإضافة إلى تحقيق الفوائد الصحية للصوم المتقطع. كما أنه يُعزز التقوى، حيث قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

مزيد من الخواطر الرمضانية