سلفنا الصالح وأحوالهم في رمضان

سلفنا الصالح وأحوالهم في رمضان

سلفنا الصالح 

*الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ، نحمدُه ونستعينُه، ونستهديه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين، فبلّغ الرسالةَ، وأدّى الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهاده حتى أتاهُ اليقين، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وعلى آلِه وأصحابِه، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أما بعدُ:

أوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي المقصّرةَ بتقوى اللهِ -جل وعلا-، فهي وصيةُ اللهِ للأولينَ والآخرين، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

أيّها الأحبّةُ الكرام، ها نحنُ في أيامٍ تَسْرعُ مَضَيًّا، وشُهُورٍ تنقضي كلمحِ البصر، فها هو شهرُ رمضانَ قد انتصف، وكأننا بالأمسِ كنا نستقبله، فسبحانَ من جعلَ الأيامَ تتوالى، واللياليَ تتسابق، والأعمارَ تمضي.

لقد كانَ سلفُنا الصالحُ يدركونَ قيمةَ هذا الشهرِ الفضيل، ويحرصونَ على اغتنامهِ في الطاعاتِ والقرباتِ، ولم يكن يمرُّ عليهم لحظةٌ منه إلا وهم بين تلاوةِ القرآنِ، وقيامِ الليلِ، وبذلِ المعروفِ، والصدقةِ، وإحياءِ سننِ النبيِّ العدنانِ -صلى الله عليه وسلم-.

أبرزُ أعمالِ السلفِ في رمضان:

أولًا: تلاوةُ القرآنِ والتفرّغُ له:

كانَ سلفُنا الصالحُ يجعلونَ من شهرِ رمضانَ شهرًا للقرآنِ، فيكثرونَ من تلاوتِه آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار. فقد كان الأسودُ بنُ يزيدَ يختمُ القرآنَ كلَّ ليلتين، وكان قتادةُ يختمُ في سبعٍ، فإذا جاءَ رمضانُ ختمَه كلَّ ثلاث، وفي العشرِ الأخيرةِ كان يختمُ كلَّ ليلة.

وكانَ الإمامُ مالكٌ -رحمه الله- يتركُ مجالسَ الحديثِ في رمضانَ ويتفرّغُ لقراءةِ القرآنِ، وكذلكَ كانَ حالُ الإمامِ سفيانَ الثوريِّ، وغيرِهم من الأئمةِ الأعلام.

ثانيًا: قيامُ الليلِ والاجتهادُ في التهجد:

قيامُ الليلِ دأبُ الصالحين، فقد أثنى اللهُ على أهلِه بقولهِ: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان: 64].

وكان الصحابةُ والتابعونَ يُحيونَ لياليَ رمضانَ بالصلاةِ والقيام، فقد رُوي عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ أنَّ الناسَ كانوا يصلّونَ في رمضانَ حتى يُسرعوا بالسحورِ خوفًا من طلوعِ الفجرِ.

وكانَ عمرُ بنُ الخطابِ -رضي الله عنه- يجمعُ الناسَ على صلاةِ التراويحِ بعشرينَ ركعةً، وكانوا يُطيلونَ في قراءتِها حتى يُقرأَ بالمائتين.

ثالثًا: الجودُ والإنفاقُ في رمضان:

كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ، حتى شبّهتْه السيدةُ عائشةُ -رضي الله عنها- بالريحِ المرسلةِ في كرمهِ وعطائه.

ولذلكَ كانَ السلفُ الصالحُ يُكثرونَ من الصدقةِ في رمضانَ، فهذا ابنُ عمرَ كان لا يُفطِرُ إلّا معَ المساكينِ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ كان يؤثرُ فطورَهُ على غيرِه وهو صائمٌ.

رابعًا: الاعتكافُ وتحري ليلةِ القدر:

الاعتكافُ سنّةٌ نبويةٌ عظيمةٌ، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يعتكفُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ حتى توفّاه اللهُ، تحرّيًا لليلةِ القدرِ، التي هي خيرٌ من ألفِ شهر.

قالتْ عائشةُ -رضي الله عنها-: “كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلتْ العشرُ الأواخرُ شدَّ مئزرَهُ، وأحيَا ليلَهُ، وأيقظَ أهلَه”.

خامسًا: حفظُ الجوارحِ عن المحرّمات:

كان السلفُ الصالحُ يحرصونَ على تزكيةِ أنفسِهم، والبعدِ عن المعاصي، وحفظِ الجوارحِ من كلِّ ما يُبطلُ الصيامَ أو ينقصُ من أجرِه، وكان أبو هريرةَ -رضي الله عنه- يقولُ: “إذا كنتَ صائمًا فلا تجهلْ ولا تسابَّ أحدًا، وإنْ جُهلَ عليكَ فقلْ: إنِّي صائمٌ”.

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي بلغَنا شهرَ رمضانَ، وأعانَنا على صيامِه وقيامِه، له الحمدُ حتّى يرضى، وله الحمدُ إذا رضي، وله الحمدُ بعدَ الرِّضا، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ الورى، نبينا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.

سلفنا الصالح وأحوالهم في رمضان
سلفنا الصالح وأحوالهم في رمضان

أما بعدُ:

عبادَ اللهِ، ها هي أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ من النارِ توشكُ على الرحيل، فأينَ التائبونَ؟ وأينَ المقبلونَ على الله؟ فليكنْ صيامُنا صيامَ مودِّع، وقيامُنا قيامَ مودِّع، ولنصلِّ صلاةَ مودِّع، ولنجتهدْ في العشرِ الأخيرةِ علّنا نُدركُ ليلةَ القدرِ.

إنَّ اللهَ -عزَّ وجل- يُعتقُ كلَّ ليلةٍ من رمضانَ عبادهُ من النار، فلا تحرموا أنفسَكم هذا الفضلَ العظيم.

فيا أيُّها المحسنُ، اثبُتْ على طاعتِك، ويا أيّها المفرّطُ، تبْ إلى اللهِ، فمَن لم يربحْ في رمضانَ فمتى سيربح؟

اللهم اجعلْنا من عُتقائك من النارِ في هذا الشهرِ المباركِ، واكتبْ لنا القبولَ، واغفرْ لنا الذنوبَ والآثامَ.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم اجعل لنا في هذا الشهر المبارك نصيبًا من رحمتك، وحظًا من مغفرتك، وعتقًا من نيرانك. اللهم اجعلنا من المقبولين، ووفقنا لقيام ليلة القدر، واكتب لنا فيها الأجر العظيم.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات.

اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واغفر لنا تقصيرنا وإسرافنا في أمرنا، وتجاوز عن سيئاتنا، ووفقنا لكل خيرٍ تحبه وترضاه.

عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

هذا، وصلّوا وسلّموا على رسولِ الله، فإنَّ اللهَ أمرَكم بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

مزيد من الخواطر الرمضانية