نصائح وإرشادات قيمة للمرأة خلال شهر رمضان

سرّ رمضان وحكاية اتصال هاتفي

سر رمضان وقصة اتصال هاتفي

مع اقتراب نهاية شهر رمضان من كل عام، تتجلى مشاعر الحزن والأسى في قلوب الصائمين، إذ يودّعون أيامًا مباركة امتلأت بالروحانية والعبادة. يشعر الكثيرون باللوعة والأسف على رحيل هذا الشهر الكريم، الذي اصطفاه الله بفضائل وخصائص تميّزه عن باقي الشهور. وليس غريبًا أن يكون هذا الحزن عميقًا، بل لو امتلأت القلوب حسرةً عليه لما كان ذلك مستغربًا.

لكن هذا الشعور، للأسف، سرعان ما يتلاشى بعد أيام قليلة من شهر شوال، بل ربما يختفي عند البعض بمجرد حلول العيد! ولأسباب متعددة، لا يتسع المقام لذكرها، يجد كثيرون أنفسهم وقد عادوا إلى روتين حياتهم السابقة، دون أن يبقى لرمضان أثر في نفوسهم.

غير أن هناك سرًّا يحفظ بركة رمضان في القلوب لأشهر طويلة، بل حتى يحافظ عليها حتى حلول رمضان التالي. إنه مفتاح الاستمرارية، وجوهر رمضان الحقيقي، إنه العيش مع القرآن الكريم، تلاوةً وتدبرًا، بحيث يصبح القرآن جزءًا لا يتجزأ من حياة المسلم، يملأ قلبه وبصره وسمعه، كما قال تعالى:

“إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ” (ق:37).

أتذكر هذه الحقيقة دائمًا مع بداية رمضان، آملاً أن يكون هذا الشهر الكريم انطلاقة حقيقية لعلاقة أعمق مع القرآن الكريم. ولعل هذه القصة التي سأرويها تكون عزاءً لمن يفتقد أجواء رمضان، وتكون مفتاحًا لفهم المعنى الحقيقي له.

المكالمة الأولى: قلب يحتاج إلى الدواء

حدثت هذه القصة في رمضان عام 1425هـ، عندما تلقيت اتصالًا من أحد طلابي، وهو شاب يحفظ القرآن الكريم. طلب مقابلتي ليحدثني عن مشكلة بينه وبين زوجته، والتي أوصلته إلى قرار الطلاق!

حين جلست معه وبدأنا النقاش، تبيّن لي أن المشكلة لم تكن في زوجته، بل في قلبه هو! فسألته مباشرة: كيف هي علاقتك بالقرآن؟ فأجاب: “لا بأس، لكن لدي بعض التقصير”. كان يظن أنني أسأله عن مدى مراجعته لحفظه، فقلت له: “لست أسألك عن الحفظ، بل عن التدبر والعيش مع آيات القرآن!”

صمت قليلًا وكأنه فوجئ بالسؤال، ثم قال مترددًا: “لكن التدبر ليس سهلًا، ولا يفهمه إلا العلماء!” فقلت له: “هذا غير صحيح، فالتفسير العميق قد يحتاج إلى علماء، لكن التدبر متاح لكل من يقرأ القرآن بتأمل.”

أردت أن أوضح له الأمر بمثال، فطلبت منه أن يتأمل معي الآية الأخيرة من سورة النبأ:

“إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا” (النبأ:40).

سألته: “من هو الذي ينذر في هذه الآية؟” فأجاب: “الله!” فقلت له: “هل تدرك معنى أن يكون المنذر هو الله؟ إنه الذي بيده كل شيء، وهو الذي إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون! فكيف لا تأخذ تحذيره على محمل الجد؟”

ثم طلبت منه أن يتخيّل مشهد يوم القيامة، حيث تُفتح صحائف الأعمال، وتنقسم إلى حسنات وسيئات، وسألته: “ماذا ستتمنى في تلك اللحظة؟” فأجاب: “أن تُستر سيئاتي، وألّا يُفضح أمري!” فقلت له: “إذن، لماذا يتمنى الكافر أن يكون ترابًا؟” فأجاب: “لأنه يرى أن الحيوانات تُصبح ترابًا بعد الحساب، فيتمنى لو كان مثلها، بدلًا من مواجهة العذاب الأبدي!”

ثم قلت له: “هذا هو التدبر، فهل هذا صعب؟” فقال: “لا!”

طلبت منه أن يتمهّل في قرار الطلاق لأسبوعين على الأقل، وأن يستغل شهر القرآن في علاج قلبه من خلال التدبر. بعد أقل من أسبوع، اتصل بي مجددًا وقال لي: “لقد ألغيت قرار الطلاق!” سألته عن السبب، فقال: “اكتشفت أن المشكلة كانت في قلبي، ووجدت العلاج في تدبر القرآن!”

بل إنه بعد انتهاء رمضان، أخبرني أن هذا الشهر كان الأجمل في حياته، لأنه لأول مرة عاش مع القرآن، بدلًا من مجرد التلاوة السريعة المعتادة!

المكالمة الثانية: توبة غير مستقرة

أما القصة الثانية، فهي لامرأة اتصلت بأحد طلاب العلم قبل رمضان، تشتكي من أنها تتوب ثم تعود إلى المعصية، ثم تتوب ثم تعود مجددًا! وعندما سألها عن السبب، أجابت بأن البيئة المحيطة بها مليئة بالمعاصي، مما يجعلها غير قادرة على الثبات.

سر رمضان وحكاية اتصال هاتفي
سر رمضان وحكاية اتصال هاتفي

فسألها نفس السؤال: “كيف هي علاقتك بالقرآن؟” فأجابت بأنها مقصّرة في قراءته، فضلًا عن التدبر! وهنا كانت المشكلة الحقيقية، فالكثير من المسلمين لا يدركون أن القرآن ليس فقط شفاءً للأمراض الروحية، بل هو العلاج لأمراض القلوب أيضًا.

أوصاها صاحبي بأن تركز على تدبر جزئي “تبارك” و”عمَّ”، وأن تحاول فهم توجيهات القرآن في حياتها اليومية.

بعد ثلاثة أشهر، عاودت الاتصال به وقالت: “يا شيخ، أنا التي اتصلت بك سابقًا، وأريد أن أخبرك أنني لم أعد أواجه مشكلتي السابقة! بل والله، أصبحت أجد المعصية بلا طعم، ولا أشعر بلذتها، ولو وقعت فيها!”

الله أكبر! صدق الله حين قال:

“قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” (يونس:58).

إذا أدرك الإنسان قيمة العيش مع القرآن، وتأمله، والتماس الشفاء به، فإنه يجد فيه السعادة الحقيقية، والطمأنينة، والهداية، كما قال الله تعالى:

“وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ” (الإسراء:82).

وهل يمكن لمن يعيش مع القرآن أن يكون شقيًّا؟! لقد أنزل الله القرآن رحمةً وهدايةً ونورًا، ودليلًا يقود الإنسان إلى الجنة، فقال سبحانه:

“مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى” (طه:2).

خاتمة

هذه القصص ليست من حياة السلف الصالح، بل هي لأشخاص معاصرين مثلنا، مما يدل على أن القرآن لا يزال قادرًا على إصلاح القلوب، وإحداث التغيير الحقيقي في حياة الإنسان، متى ما قرأه بقلب حاضر، وتأمل آياته بروح متعطشة للهداية.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن، الذين يعيشون معه تدبرًا وتطبيقًا، ولا تجعله حجةً علينا يوم القيامة، والحمد لله رب العالمين.

مزيد من الخواطر الرمضانية