رمضان نفحة إلهية وفرصة ذهبية!
رمضان منحة ربانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
رمضان: هبة إلهية ومنحة ربانية
مع حلول شهر رمضان المبارك، يهل علينا زمنٌ عظيم الشأن، مليء بالخير والبركة. إن شهر رمضان ليس كغيره من الشهور، فهو موسمٌ للتوبة والعبادة، حيث تتضاعف فيه الحسنات، وتُكفَّر السيئات، وتُفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، وتُصفَّد الشياطين، ويكون جزاء الصائم عند الله دون حدٍّ معلوم.
فضائل شهر رمضان
لقد خصَّ الله سبحانه وتعالى هذا الشهر بفضائل عظيمة، منها نزول القرآن الكريم، كما قال تعالى:
“شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” (البقرة: 185).
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله أن رمضان كان الزمن الذي تنزلت فيه الكتب السماوية على الأنبياء.
من بركات هذا الشهر أيضاً أن الحسنات فيه مضاعفة بلا عدد، فقد جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل قال:
“كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي…”
وقد بيّن العلماء أن الصيام من أعظم الأعمال التي يُضاعف أجرها بلا حساب، كما قال الله تعالى: “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” (الزمر: 10).
رمضان: شهر العتق من النار
من أروع نعم الله في هذا الشهر أن يعتق فيه من شاء من عباده من النار كل ليلة، حتى إذا جاءت آخر ليلة، أعتق الله فيها عدداً مماثلاً لما أعتقه طوال الشهر. فما أعظم هذه المنحة الربانية! ومن فاته هذا الخير فقد خسر خسرانًا عظيمًا، كما جاء في الحديث: “رغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يُغفر له.”
لذا، يجب أن يغتنم المسلم هذه الفرصة العظيمة بالإكثار من الطاعات، والتوبة الصادقة، والاستغفار، والإقبال على الله بصدق وإخلاص.
رمضان: فرصة للتغيير
لقد جُبل الإنسان على النقص والتقصير، ومن رحمة الله بعباده أن جعل لهم مواسم للطاعات يملؤون بها الفراغ، ويجددون العهد مع الله. فرمضان فرصة ثمينة لمن أراد التغيير:
للتائبين: حيث تُصفَّد الشياطين، وتُفتح أبواب الجنة، وتُهيأ القلوب للعودة إلى الله.
لأهل العزائم: لتقوية الإرادة وكبح الشهوات وتهذيب النفس.
لتربية النفوس: على الأخلاق الكريمة والعادات الحسنة، والسمو بالروح نحو مقامات الصالحين.
للتذكير بنعمة الله: حيث يشعر الصائم بحرمان الفقراء، فيتولد لديه الإحساس بالرحمة والعطاء.
قال النبي ﷺ: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.”
رمضان: شهر القرآن
إن رمضان هو شهر القرآن الكريم، كما جاء في الحديث: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة…”
وكان السلف الصالح يعكفون على تلاوة القرآن، ويهجرون كل ما سواه في هذا الشهر المبارك. فقد كان الإمام مالك إذا دخل رمضان، ترك تدريس الحديث، وأقبل على قراءة القرآن.
رسالة إلى الأمة الإسلامية
ونحن نعيش فرحة رمضان، لا ننسى إخواننا المستضعفين في كل مكان، الذين يعانون من ويلات الحروب والمآسي. فلنجعل لهم نصيباً من دعواتنا، ولنمد لهم يد العون بكل وسيلة ممكنة.
لنجعل رمضان محطة تغيير حقيقية في حياتنا، ولنجتهد فيه بالطاعة والعبادة، سائلين الله أن يتقبل منا، ويعتق رقابنا من النار، ويرزقنا مغفرته ورحمته.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية: التضامن مع الأمة في رمضان
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون،
لقد جاء رمضان بفرحه ونوره وبركاته، لكنه جاء أيضاً يحمل في طياته هموم الأمة الإسلامية، فبينما نفرح بقدوم هذا الشهر، هناك إخوان لنا في الدين والعقيدة يعانون من الكرب والابتلاءات في بقاع شتى من الأرض.
نصرة المظلومين والتضامن مع المستضعفين
إن مما ينبغي علينا في هذا الشهر الكريم أن نتذكر أحوال إخواننا الذين يكابدون الألم والمعاناة، وخاصة في بلاد الرباط والجهاد، حيث يواجهون أعداء الله الذين يعيثون في الأرض فسادًا. فكم من بيت هُدِم، وكم من طفل يُتِّم، وكم من أمٍّ ثُكِلت، والعالم كله يشاهد ولا يحرك ساكنًا!
أيها المسلمون، إن قلوبنا لا بد أن تبقى حيَّةً بنصرة المظلوم، فالمسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله. ولا يجوز لنا أن نخذل إخواننا أو نتهاون في دعمهم، فالعقوبة قد تصيب الجميع إن نحن قصرنا في واجبنا.
كيف ننصر إخواننا؟
بالدعاء الصادق: فرمضان شهر الدعوات المستجابة، فلنكثر من الدعاء لإخواننا في السجود، وعند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل، بأن يفرِّج الله كربهم، وينصرهم على أعدائهم، ويرفع عنهم البلاء.
بمد يد العون: من خلال الصدقات والإعانات، كلٌّ بحسب استطاعته، فمن جاد على إخوانه في شدتهم، جاد الله عليه يوم حاجته.
بنشر قضيتهم: وعدم نسيانهم في وسائل الإعلام ومنابر الوعظ والتوجيه، حتى تبقى قضيتهم حيَّة في قلوب المسلمين.
قال رسول الله ﷺ: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.”
رمضان: مدرسة في الصبر والتقوى
إن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تهذيب للنفس، وتدريب على الصبر، وتنقية للقلب من الشهوات والذنوب.
فوائد الصيام الروحية والتربوية:
كسر الشهوات وتقوية الإرادة: فحينما يصوم العبد، يعتاد على ضبط نفسه، مما يساعده في مجاهدة الشهوات والابتعاد عن المحرمات.
تعزيز التقوى: حيث يجعل الصيام العبد أكثر خشوعًا وإحساسًا بمراقبة الله، مما يدفعه إلى الإخلاص في العبادة.
تعويد النفس على البذل والكرم: فقد كان النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان، وكأن الريح المرسلة في سخائه وكرمه.

رسائل رمضانية للأمة
1. إلى المتهاونين بالصلاة: رمضان فرصة عظيمة للعودة إلى الله، فلا تفوتوا هذا الشهر دون أن تصلحوا علاقتكم بالصلاة، فهي عمود الدين وأول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة.
2. إلى المقصِّرين في القرآن: رمضان هو شهر القرآن، فاجعلوا له نصيبًا من وقتكم، ولو بتخصيص ساعة يومية لتلاوته وتدبره.
3. إلى أهل المعاصي: رمضان باب مفتوح للتوبة، فلا تؤجلوها، فكم من شخص أدرك رمضان ثم لم يتمكن من صيامه في العام التالي.
ختامًا: دعاء ورجاء
اللهم اجعلنا من عتقاء هذا الشهر، واغفر لنا ذنوبنا، وتقبل صيامنا وقيامنا، وأعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، وارفع عنهم الظلم والعدوان، وأهلك الطغاة والمجرمين، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.