رمضان على الأبواب، اغتنموه قبل أن يفوت
رمضان علي الأبواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
لقد كنا في الأيام القريبة الماضية نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء أن يبارك لنا في أعمارنا ويمنحنا فرصة بلوغ رمضان، وأعطينا أنفسنا عهوداً صادقة بأننا سنغتنم أيامه بكل طاعة وعبادة. وقد استجاب الله لدعائنا، ووهبنا هذه الفرصة العظيمة، فمد في أعمارنا حتى أدركنا الشهر الكريم.
وقد جاء رمضان، وكما هو حال الأيام المباركة، مر سريعاً، فما أسرع مرور لحظات الخير والبركة، فهي مثل قطار أو طائرة، من كان مستعداً منتظراً قدومها، استمتع بها وجنى ثمارها، ومن غفل عنها، فقد فاتته فرصة عظيمة دون أن يشعر بذلك.
لحظة تأمل:
وقد مر من رمضان الكثير ولم يبق سوى القليل، وهذا الوقت يدعونا جميعاً لمراجعة أنفسنا: ماذا قدمنا في ما مضى؟ وماذا ننتظر من ما بقي؟ يجب أن نحرص على أن لا يمر رمضان كما دخل، وأن نخرج منه وقد أضأنا قلوبنا بالعبادة والطاعة.
المحاسبة على الأعمال:
إن المحاسبة هي أحد أسس النجاح في الدنيا والآخرة، وهي السبيل لتحقيق الآمال وتوجيه النفس إلى الطريق الصحيح. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الحشر: 18). وقال صلى الله عليه وسلم: “الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت”. والمحازبة يجب أن تكون في كل وقت، لتقييم الأعمال وتقويتها.
دعوة للتقييم الذاتي:
لذلك، لنقف الآن ونسأل أنفسنا: هل استفدنا من رمضان كما ينبغي؟ هل أقبلنا على الطاعة؟ هل تغيرت قلوبنا وأصبحنا أقرب إلى الله؟ هل تحسنت أخلاقنا وسلوكنا؟ هل اجتهدنا في صيامنا وقيامنا، وابتعدنا عن المعاصي التي كنا نقع فيها؟
لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك من يصوم ولا يحصل من صيامه إلا الجوع والعطش، وهناك من يقوم ولا يحصل من قيامه سوى السهر. هؤلاء لم يعرفوا من رمضان سوى الامتناع عن الطعام والشراب، بينما جوهر رمضان هو تجديد التقوى والتوجه إلى الله.
إن شهر رمضان هو فرصة عظيمة لا تعوض، إنه أيام قليلة، لكنها مليئة بالبركات والطاعات التي تجعل الإنسان في حال أفضل من حيث التقوى والإيمان. لذلك، فإن الأيام المتبقية من رمضان تُمثل اختبارًا أخيرًا لنا لتقييم أنفسنا ومدى استفادتنا من هذا الشهر الكريم. كيف قصرنا في العبادة؟ وهل استثمرنا الوقت في تقوية علاقتنا مع الله؟ هل كانت توبتنا صادقة أم أننا تهاونا في تطبيق ما تعلمناه من هذا الشهر؟
لا يخفى على أحد أن هذا الشهر يعكس قدرة الله ورحمته، حيث تتجدد فيه الروح ويُعاد فيه صياغة القلوب. فلنحرص جميعًا على أن نكون من الذين تكتمل عباداتهم ويغفر الله لهم ذنوبهم في هذا الشهر المبارك. فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه”. فإن كانت النية خالصة والعمل مستمرًا، فهذه هي الفرصة الذهبية.
التفكر في النية والعمل:
من المهم أن نتفكر في نياتنا في هذا الشهر، فهل نعمل لرضا الله وحده أم أننا نسعى لشيء آخر؟ التوبة النصوح في هذا الشهر، والاجتهاد في العبادة والطاعات يجب أن يكون بمثابة نقطة تحول في حياتنا، ففي رمضان نتجدد ونعيد ضبط بوصلتنا نحو الله.
استغلال الأيام الأخيرة:
إن الأيام الأخيرة من رمضان هي أيام عظيمة، تحمل في طياتها فرصة عظيمة للتوبة والرجوع إلى الله، خاصة وأنها تحمل معها فرصة بلوغ ليلة القدر، تلك الليلة التي هي خير من ألف شهر. لذلك، لنحرص على أن نضاعف الجهود، أن نحيي ليالينا بالذكر والعبادة، وأن نقدم أفضل ما يمكننا من أعمال صالحة.
وبختام هذا الشهر، فإننا نسأل الله أن يوفقنا في أن نخرج منه ونحن أكثر إيمانًا وتقوى. أن نخرج منه وقد عُفي عن ذنوبنا، وأن نكون قد وصلنا إلى ما نصبو إليه من قرب إلى الله. وعلينا أن نعلم أن رمضان ليس مجرد شهر للامتناع عن الطعام والشراب، بل هو شهر للتهذيب النفسي والروحي، حيث نتعلم الصبر، والنقاء، والنية الصافية.
دعوة للعمل المستمر:
إن العمل الصالح لا ينتهي مع رمضان، بل هو بداية لمسيرة جديدة. فنحن بحاجة أن نحافظ على ما بدأناه في هذا الشهر من عبادة وطاعة، وأن نحاول أن تكون حياتنا مليئة بالخير والعمل الصالح طوال السنة. فلنحافظ على دعائنا، وصيامنا، وقيامنا، وصدقاتنا، لنحقق التكامل في حياتنا اليومية.
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار في هذا الشهر المبارك، واجعلنا من الذين بلغوا غايتهم في الطاعة والعبادة، ولا تجعلنا من المحرومين. آمين.
كل رمضان وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
الفرصة الأخيرة:
الأيام المتبقية من رمضان تمثل فرصة عظيمة لتكثيف العمل الصالح. لا تترك هذه الفرصة تمر دون أن تحقق أهدافك في العبادة والطاعة. اجعل من هذه الأيام أياماً للتنافس على الخير، وكن من السابقين في فعل الطاعات.

التزام السنة:
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان أكثر مما يجتهد في بقية أيام الشهر، وكان يوقظ أهله ويحيي ليله، ويسعى للحصول على ليلة القدر. فإذا اقتربت هذه الأيام من النهاية، فاجتهد وأحيِ ليلك وأيقظ أهلك، لعلك تكون من الفائزين بليلة القدر، ومن المعتقين من النار.
اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر المبارك، وبلغنا مرادنا بما يرضيك، واختم لنا بالصالحات، واغفر لنا ولأهلينا ولمن نحب، آمين.