صيام رمضان بسبب العتق من النار

رمضان: بين القبول والرفض

رمضان بين القبول والرفض 

ها هو شهر رمضان قد رحل، تاركًا خلفه ذكرى عظيمة وأثرًا خالدًا في النفوس. مضت أيامه المباركة، وانقضت لحظاته التي كانت ساحة تنافس بين المتسابقين في الطاعة، وفرصة لتهذيب النفوس وتطهير القلوب. كانت أيامًا ترفع فيها الهمم، وتتوحد فيها القلوب على طاعة الله، بعيدًا عن الرذائل والمعاصي، في ظل دعوته لنا: “يا باغي الخير أقبل”.

لكن رمضان قد مضى، ويظل السؤال قائمًا: من منا كان من الفائزين الذين تجددت قلوبهم بقبول الطاعة؟ ومن كانت أعماله مردودة، فلا يبارك له في عمله؟ هذا ما نحتاج إلى التأمل فيه، فالربح في رمضان لمن اجتهد في العبادة، وأقبل على الطاعة، بينما الخسارة لمن غفل وتكاسل ولم يوفّق لطاعة الله.

لقد كانت قلوب بعض الناس مشغولة بالأمل في قبول الله تعالى لهم، بينما عاش البعض الآخر في غفلة، تاركًا أيامه تمضي دون أن يحقق فيها ما يرضي ربه. أما من أضاع وقته في اللعب واللهو، فلم يجد رمضان إلا فرصة للهروب من المسؤولية والتقصير في العبادة، فقد خسر. أما أولئك الذين بذلوا جهدهم، لكنهم لم يخلصوا في أعمالهم، فقد خسروا بسبب فساد النية وسوء الطوية.

إن الخوف من عدم قبول العمل هو سمة الأنبياء والصالحين. فالأنبياء أنفسهم كانوا لا يرضون بالعمل إلا إذا قبله الله منهم. إبراهيم عليه السلام، مع أنه كان يبني أعظم بيت في الأرض، كان يدعو ربه بقلوب خاشعة: “رَبَّنَا تَقَبَّلْ مَنَّا”. وكذلك امرأة عمران التي وهبت ما في بطنها لله، لم تكن تطلب إلا القبول من الله. هذا هو الهدي الذي يجب أن نقتدي به، أن نسعى دوما لإتقان الأعمال مع الإخلاص لله، وأن نطلب القبول منه سبحانه وتعالى.

ويظل المقياس الأسمى لقبول العمل هو الإخلاص والنية الطيبة. فالقلوب المؤمنة لا ترضى أن يعملوا شيئًا إلا وإذا كانت النية لله وحده. هؤلاء هم الذين يشعرون بالخشية من ألا يتقبل الله منهم، رغم أنهم يحرصون على أداء العبادات والطاعات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الذين يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ”. هؤلاء الذين يُسرعون إلى الخير وهم متواضعون، يعملون لله دون أن يتفاخروا أو يتحدثوا عن أعمالهم.

ومن أهم علامات القبول هو أن يستمر الشخص في عمل الخيرات بعد رمضان، وأن يكون حاله أفضل بعد الطاعة. فإذا لم يتحسن حالنا بعد رمضان، وجب علينا مراجعة أنفسنا والاعتراف بأننا قد قصرنا في إتمام عملنا مع الله. فالاستقامة بعد رمضان هي علامة من علامات قبول الأعمال.

وفي المقابل، فإن العودة إلى الذنوب بعد رمضان، والتخلي عن الطاعات، والكسل في العبادة، هو من علامات الرد. فلا يجب أن نسمح لأنفسنا بالعودة إلى المعاصي بعد أن صافحت قلوبنا الفضيلة في رمضان، فالشياطين قد أُطلقت بعد رمضان لتجد الفرصة للعودة بنا إلى ما كنا عليه من قبل.

اللهم اجعلنا من الذين يسيرون على درب الطاعة، ويستمرون في عمل الخير بعد رمضان. اللهم اجعلنا من الذين يداومون على العبادة دون فتور، ويحرصون على إتقان عملهم ونيتهم، وأن يكون قلبهم خاشعًا مطمئنًا بذكر الله.

نسألك يا الله أن تفتح لنا أبواب القبول، وأن تجعلنا من أهل المغفرة والرحمة، وتقبل منا كل عمل صالح قد قربنا به إليك. اللهم لا تجعلنا من الذين يضيعون ما كسبوه، ولا من الذين يهدمون ما بنوه من طاعات، بل اجعلنا من المخلصين الذين يسيرون في طريقك بثبات ويطهرون قلوبهم دائمًا.

اللهم اجعلنا من الذين إذا عملوا عملًا، فعلوه بأحسن صورة وأخلصوا فيه لك، ثم ألحوا عليك بالدعاء أن تقبله منهم. اللهم اجعلنا من الذين لا يلتفتون إلى أعمالهم، بل يعترفون بعجزهم، ويرجون رحمتك ومغفرتك.

رمضان: بين القبول والرفض
رمضان: بين القبول والرفض

اللهم اجعلنا من الذين يسيرون على هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تجعلنا من الذين يبتعدون عنك بعد أن عرفوا طريقك. اللهم اجعلنا من الذين يواصلون العمل الصالح في جميع أوقاتهم، ويغتنمون كل فرصة للخير في كل لحظة.

اللهم اجعلنا من الذين يبدؤون يومهم بكلمة طيبة، ويختمون ليلهم بدعوة صادقة. اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، وتقبل منا جميع أعمالنا، واغفر لنا ما فاتنا، وارزقنا التوفيق في كل خطوة.

اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، وأن يثبتنا على طاعته، وأن يتقبل منا أعمالنا. اللهم آمين.

مزيد من الخواطر الرمضانية