إشراقة رمضان وانعكاسها على واقع المسلمين

رمضان بوابة النصر وعزة الأمة! (اجعل من رمضان بدايةً للانتصار)

اجعل رمضان نقطة انطلاق نحو النصر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

تمر أمتنا اليوم بمرحلة دقيقة وحساسة تُعد من أصعب الفترات في تاريخها، وهي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع. لذا، لا بد من التحرك الجاد والعمل الدؤوب لإحداث التغيير المنشود، واستعادة مجد الأمة ومكانتها الحقيقية بين الأمم، كأمة قائدة لا تابعة، قوية لا ضعيفة، قادرة على حماية أبنائها والدفاع عنهم أمام كل الأخطار المحدقة بها.

إن السبيل الأساسي لتحقيق هذا التغيير يكمن في العودة الصادقة إلى الله والتوبة النصوح، مع بذل الجهود في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الوعي بين الناس. فهذه الخطوات هي مفتاح العزة والقوة والنصر، كما قال الله تعالى: “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ” (محمد:7)، وقال أيضاً: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الرعد:11). كما حذّر النبي ﷺ من الانشغال بالدنيا عن الدين، فقال: “إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” (حديث صحيح، الألباني).

رمضان فرصة حقيقية للتغيير

إن شهر رمضان ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو محطة سنوية للتجديد الروحي، وفرصة ذهبية لتحقيق التوبة والتقوى، والابتعاد عن كل ما يُغضب الله. فقد قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة:183).

والتقوى لا تقتصر على الإكثار من العبادات فحسب، بل تشمل الالتزام بأوامر الدين واجتناب المحرمات، وهي أعظم ما يُطلب من المسلم خلال رمضان وغيره، كما جاء في الحديث القدسي: “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه” (رواه البخاري).

إذا تأملنا في معاني الصيام وربطناها بواقع الأمة اليوم، فإننا سندرك أهمية التغيير والإصلاح، فهو ليس خيارًا، بل ضرورة مُلحة تستوجب العمل الجاد والدؤوب لتغيير أنفسنا، ومن ثم التأثير على من حولنا، مما يمهد الطريق لنهوض الأمة واستعادة عزتها.

صرخات المعاناة تدعونا للتحرك:

إن أنين الأمهات الثكالى، ودموع الأيتام، وآلام الجرحى، واستغاثات المظلومين، كلها أصوات تنادينا للعمل والتغيير، فكيف لنا أن نظل صامتين؟ إن قلوبنا يجب أن تتحرك لهذه الآلام، وعقولنا يجب أن تسعى لإيجاد حلول تعيد للأمة كرامتها.

اجعل رمضان بداية للتغيير الحقيقي:

مع دخول رمضان، ونحن نشهد هذه التحديات، علينا أن نغتنم هذه الفرصة العظيمة لنبدأ في إصلاح أنفسنا، والسعي في طريق الإصلاح، والعمل على ما يعين الأمة على النهوض من جديد. لا مجال للتأجيل، فالعمر قصير، والتحديات كبيرة، والأمة تنتظر منك الكثير. قال الله تعالى: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (النور:31).

وتذكر أن جزاء الاجتهاد في طاعة الله والاستقامة على طريق الحق هو الجنة، كما قال الله تعالى: “وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (الأعراف:43).

خطوات عملية للثبات على طريق الإصلاح

1. اختر الرفقة الصالحة، وابتعد عن الصحبة التي تبعدك عن طريق الحق، واستعن بالوسائل النافعة مثل الكتب والمحاضرات الدينية.

2. تجنب المؤثرات السلبية التي تضعف العزيمة وتُلهي عن الأهداف السامية، وتذكر قول الله تعالى: “الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ” (الزخرف:67).

3. استشعر واقع الأمة، فالتفكير في أحوال المسلمين حول العالم يدفعك للاستمرار في العمل والدعوة، ويذكّرك بمسؤوليتك تجاه أمتك.

4. ألحّ في الدعاء، واطلب من الله العون والثبات، فإن الدعاء سلاح قوي لمن أراد التغيير الحقيقي.

5. قلل من الترفيه الزائد، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها الأمة، فالأولوية الآن للعمل والاجتهاد.

6. تأمل في قصر الدنيا، وسرعة زوالها، فهذا يساعدك على التركيز على العمل الصالح.

7. تذكّر الموت والآخرة، فالحياة قصيرة، والموت قد يأتي في أي لحظة، فلنكن مستعدين.

8. اجعل رمضان نقطة انطلاق حقيقية، فالعبرة ليست في رمضان فقط، بل في الاستمرار بعده على طريق الإصلاح.

الثبات بعد رمضان علامة الصدق والإخلاص:

إن أعظم ما يميز المؤمن الصادق هو استمراره في الطاعة بعد انتهاء شهر رمضان، فليس الهدف أن نكون صالحين في رمضان فقط، ثم نعود إلى التهاون بعده، بل أن نجعل من رمضان نقطة تحول دائمة في حياتنا.

قال رسول الله ﷺ: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” (رواه البخاري ومسلم).

فالثبات بعد رمضان هو المقياس الحقيقي لقبول العمل، وهو علامة الإخلاص، فمن وجد نفسه محافظًا على الطاعة بعد رمضان، فليبشر، فإن الله قد قبل منه، ومن وجد نفسه يعود إلى التقصير، فليجاهدها حتى يثبت على طريق الخير.

كيف نحافظ على روح رمضان طوال العام؟

1. الاستمرار في العبادات:

حافظ على الصلاة في أوقاتها، وخاصة صلاة الفجر.

اجعل لك وردًا ثابتًا من القرآن يوميًا، ولو بآيات قليلة.

لا تهجر الصيام، فصيام الاثنين والخميس أو الأيام البيض يعينك على البقاء قريبًا من الله.

2. ملازمة الصحبة الصالحة:

احرص على مجالسة الصالحين الذين يذكّرونك بالله.

ابتعد عن الرفقة التي تضعف إيمانك وتشغلك عن الطاعات.

3. المداومة على الدعاء:

اسأل الله دائمًا أن يثبتك على الطاعة، فقد كان النبي ﷺ يقول: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك” (رواه الترمذي).

4. مواصلة أعمال الخير:

لا تجعل عملك مقتصرًا على رمضان، بل استمر في الصدقة، ومساعدة المحتاجين، والإصلاح بين الناس.

5. التأمل في حال الأمة والعمل لإصلاحها:

كن جزءًا من التغيير الإيجابي في مجتمعك، فالأمة بحاجة إلى رجال ونساء مخلصين يعملون لإصلاحها.

لا تكتفِ بالحزن على أحوال المسلمين، بل اسعَ لإحداث فرق، ولو بكلمة أو نصيحة أو دعوة.

رمضان بوابة النصر وعزة الأمة! (اجعل من رمضان بدايةً للانتصار)
رمضان بوابة النصر وعزة الأمة! (اجعل من رمضان بدايةً للانتصار)

لا تتراجع فطريق العزة يحتاج إلى ثبات

إن من يطلب المعالي لا يرضى بالقعود، ومن يسعى لنصر الأمة لا يلين أو يتراجع، فالأمة بحاجة إلى جهود صادقة، تبدأ بإصلاح النفس، وتمتد إلى إصلاح المجتمع، حتى يعود الخير وينتشر النور، ويعود مجد الإسلام كما كان.

قال تعالى:

“وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (الأعراف:43).

فلنكن من هؤلاء الذين ورثوا الجنة بأعمالهم، ولنبدأ المسير بقوة وثبات، مستعينين بالله، صابرين على الطريق، واثقين بوعده، حتى يتحقق النصر، وتعود العزة لهذه الأمة.

وبإذن الله بدأ المسير، ولن نقف حتى نصل إلى الهدف.

لنبدأ اليوم، ونتحرك نحو التغيير، فبإذن الله، هذه أولى خطوات استعادة العزة والمجد.

مزيد من الخواطر الرمضانية