حلَّ رمضان، شهر التجديد
رمضان شهر التجديد
يُعد التغيير في حياة الأفراد والمجتمعات قضية محورية وسنة من سنن الله في الكون، حيث وضع الله عز وجل أساس هذا التغيير في قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
وقد فسّر ابن سعدي -رحمه الله- هذه الآية بأن الله لا يبدّل حال قوم من نعمة ورخاء إلا إذا غيّروا هم ما في أنفسهم، فتبدّلت طاعتهم إلى معصية، أو إيمانهم إلى كفر، أو شكرهم إلى جحود، فيسلبهم الله ما كانوا فيه من خير.
إن التغيير لا يحدث بالتمنّي أو الأحلام، بل بالعمل الجاد والنية الصادقة، فمن أراد الوصول إلى النجاح والنجاة، فعليه أن يُعدّ العدة بالتقوى والعمل الصالح، وإلا فلن يتحقق له مبتغاه.
رمضان: فرصة ذهبية للتغيير
يحلّ علينا شهر رمضان في وقت تمتلئ فيه الأمة بالجراح والآلام، من غزة المحاصرة إلى القدس المحتلة، ومن العراق الجريحة إلى أفغانستان المكلومة، حيث تتوالى الأزمات ويكثر السؤال: ما الحل؟
والإجابة تكمن في رمضان، فهو فرصة عظيمة لإصلاح النفس والعودة إلى الله، فمن لم يستثمره في زيادة الطاعات وتصفية القلوب من الأدران، فهو يساهم بشكل غير مباشر في تأخر التغيير المنشود.
لا تقل: من أين أبدأ؟ فطاعة الله هي البداية.
لا تقل: أين طريقي؟ فشريعة الله هي الهداية.
لا تقل: أين نعيمي؟ فجنة الله هي الكفاية.
لا تقل: سأبدأ غدًا، فقد لا يأتي الغد.
هل يحدث رمضان تغييرًا حقيقيًا في حياتنا؟
رمضان ليس مجرد شهر تتغير فيه العادات اليومية، بل هو فرصة لإحداث نقلة نوعية في حياتنا الروحية والجسدية. فإذا كان هذا الشهر الكريم قد غيّر الكون بأسره بفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، وتقييد الشياطين، ألا يستحق منا أن نغيّر أنفسنا ونتخلص من العادات السلبية؟
لكن التغيير ليس سهلًا، فهو يحتاج إلى إرادة قوية، وعزيمة صلبة، وقرار جريء. تأمل قصة الرجل الذي قتل مئة نفس، وكيف سعى للتوبة حتى وفّقه الله إليها، لأن التغيير يبدأ بالسعي الصادق نحو الله.
اغتنم رمضان لإصلاح نفسك
إصلاح القلب: رمضان فرصة لتنقية القلوب من الغلّ والحسد والبغضاء، والعودة إلى صفاء الفطرة، فقد قال النبي ﷺ: “صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وَحَرَ الصدر” [أخرجه البزار وصححه الألباني].
إصلاح اللسان: اللسان من أخطر جوارح الإنسان، وفي الصيام يمتنع المسلم عن قول الزور، واللغو، والكذب، والغيبة، والنميمة، مصداقًا لقول النبي ﷺ: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” [أخرجه البخاري].
إصلاح العادات: رمضان هو الوقت المثالي للإقلاع عن العادات السيئة واستبدالها بعادات حسنة، فالنفس إذا اعتادت على الطاعة خلال هذا الشهر، يسهل عليها الاستمرار بعده.
لا تدع رمضان يمر دون تغيير:
لنتمسك بالحق، ونعود إلى الله بقلوب صادقة، ونتخلص من اللهو والشهوات التي اعتدنا عليها، فالنفس تحتاج إلى مجاهدة مستمرة حتى تتغير، كما قال الشاعر:
“النفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم”
رمضان بداية جديدة لا تتكرر
إن أعظم ما يمكن أن يحققه الإنسان في رمضان هو أن يجعله نقطة تحول حقيقية في حياته، لا مجرد محطة مؤقتة يعود بعدها إلى ما كان عليه قبل دخوله. فرمضان ليس شهر الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل هو شهر تجديد الإيمان، وتقويم السلوك، وتعزيز الصلة بالله.
لنغتنم رمضان في بناء علاقة قوية مع الله
1. المحافظة على الصلاة في أوقاتها: فالصلاة عمود الدين، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.
2. الاجتهاد في قراءة القرآن: فرمضان هو شهر القرآن، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
3. الحرص على قيام الليل: فصلاة التراويح والتهجد فرصة عظيمة لمناجاة الله والاستغفار والتقرب منه.
4. الصدقة والإحسان: فرمضان هو شهر الجود والعطاء، وقد كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
5. الإكثار من الذكر والدعاء: فالدعاء في رمضان مستجاب، خاصة عند الإفطار وفي الثلث الأخير من الليل.
لا تجعل رمضان ينتهي وأنت كما أنت
التغيير الحقيقي لا يكون مؤقتًا، بل يجب أن يكون ممتدًا لما بعد رمضان، بحيث يصبح ما اعتدنا عليه من طاعات وأخلاق حسنة خلال هذا الشهر أسلوب حياة. فكما نجحنا في الصيام والصلاة والذكر والبعد عن المعاصي في رمضان، يمكننا الاستمرار في ذلك بعده.

خاتمة: رمضان فرصة لا تعوض
رمضان ليس مجرد أيام تمر وتنقضي، بل هو موسم نفحات ربانية، وفرصة عظيمة لمن أراد أن يبدل حاله إلى الأفضل. فمن كان بعيدًا عن الله، فليعد إليه. ومن كان مقصرًا، فليجتهد في الطاعة. ومن كان غارقًا في العادات السيئة، فليتحرر منها.
فاللهم أعنا على استغلال رمضان فيما يرضيك، واجعلنا فيه من الفائزين، ووفقنا للتغيير الحقيقي الذي تحبه وترضاه.
رمضان هو شهر التغيير، فلنلجأ إلى الله بصدق، ونطلب منه العون في تغيير أنفسنا نحو الأفضل، فهو القادر على إجابة دعوات المضطرين وإغاثة المستغيثين.