نصائح لقارئي القرآن في شهر رمضان

حراس القلوب وعساس الليل

حراس القلوب وسكينة الليل

لحظة نور في عمق الظلام

في كل ليلة، عندما يهدأ الكون وتخفت ضوضاء النهار، يتجلى لطف الله ورحمته في الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل سبحانه إلى السماء الدنيا وينادي عباده:

“من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.”

تأمل هذه اللحظة العظيمة! لماذا اختار الله هذا الوقت تحديدًا ليكون مظلة للاستجابة والمغفرة والقبول؟ أليس الزمن كله بيده، وهو من يمنح البركة للأوقات ويجعل لبعضها خصوصية وروحانية تفوق غيرها؟

أهل الليل أصحاب القلوب المنكسرة

يعلم الله ضعف القلوب حين تسدل ستائر الليل، وتنكشف الحقيقة خلف ستار القوة الظاهرة في النهار. ففي ظلمة الليل، تسري الأحزان، وتنبثق الذكريات، وتتساقط الأقنعة، ليجد الإنسان نفسه في مواجهة صادقة مع خالقه، يبحث عن سكينة تواسي روحه المتعبة.

إن الإقبال على الله في لحظات الانكسار يختلف عن الإقبال في أوقات الرخاء، فهناك دعاء المضطر، وطلب المحتاج، واستغاثة المهموم، وهذا ما يحبه الله من عباده. فهو قريب من القلوب المنكسرة، والمفتقرة إلى رحمته، والساعية إليه بأمل لا ينقطع.

قلوب الساهرين سراج في ظلمة الحياة

أدرك الصحابة رضوان الله عليهم سر هذه اللحظات، وعلموا أن للقلوب حاجات لا تُقضى إلا في هدوء الليل. ففي حين يغفو الناس، هناك من ينتظر العون، وهناك يتيم بحاجة إلى كفالة، وأرملة تنتظر من يجبر كسرها، ومظلوم يحتاج إلى نصرة، ووحيد يفتقد الأنس، ومهموم يتمنى مواساة.

أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان نموذجًا فريدًا في هذا الجانب، فلم يكن يطلع الفجر إلا وقد زار المحتاجين، وواسَى المرضى، ومد يد العون لكل من طرق بابه. حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى فعاله، قال: “لا أستطيع منافسته في شيء أبداً.”

لكن عندما رحل الصديق، حمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشعلة، فأرسى سنة العسس ليلاً، ليس للمراقبة والتجسس، بل للبحث عن المحتاجين، ليكون يد الله التي تجبر القلوب المنكسرة.

قصص من نور عمر بن الخطاب وعساس الليل

ألم يكن هو الذي رأى الرجل المفزوع ليلة ولادة زوجته، وهو لا يعرف كيف يساعدها؟ فذهب بنفسه وأحضر زوجته لتعين المرأة، وجلس بجوار الرجل يطمئنه حتى أطل الفجر ومعه الفرج؟

ألم يكن هو الذي تعهد برعاية الأرامل، قائلاً: “لئن سلمني الله، لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً.”؟

ألم يكن هو من حمل الطعام على ظهره للأيتام، وطهى لهم بيديه؟

ألم يكن هو من شعر بوحدة زوجة صبية اشتاقت لزوجها الغائب في الجهاد، فأقر قانونًا يمنع غياب الرجل عن بيته أكثر من ستة أشهر؟

رسالة لكل قلبٍ نابض

وراء ستائر الليل، هناك قصص لم يروها العشاق، ولم تكتبها الروايات. هناك قلوب تئن، ونفوس تتوجع، وأرواح تبحث عن نور في ظلمة الأحزان. فطوبى لمن جعله الله جسراً لإيصال رحمته إلى عباده.

أيها الغافلون، إن في ظلمة الليل قلوبًا أرهقها التعب، وأثقلتها الوحشة، فلا تغفلوا عنهم. اجعلوا قلوبكم مأوى لمن يحتاجون، وألسنتكم سبيلاً للدعاء لهم.

وختامًا، تذكروا أن هناك حقوقًا للقلوب في الليل لا تُقضى في النهار، وحقوقًا في النهار لا تُقضى في الليل. فكونوا ممن يضيئون الدروب ويجبرون الكسور، علّكم تكونون سببًا في إدخال السكينة على قلوب الآخرين

إضافة لمسات ختامية أكثر تأثيرًا

إن سكينة الليل ليست فقط وقتًا للراحة، بل هي فرصة لإعادة ترتيب القلوب، لتقديم العون لمن يحتاج، ولمد يد الخير بصمتٍ لمن لم يسأل. فكل منا لديه دوره في أن يكون نورًا في ظلمة الآخرين، سواء بالدعاء، بالمواساة، أو بالمساعدة المباشرة

حراس القلوب وعساس الليل
حراس القلوب وعساس الليل

كم من دمعة جففها ساهرٌ في جوف الليل، وكم من قلبٍ انشرح بدعوة صادقة في ظهر الغيب! فليكن كل واحد منا “حارسًا للقلوب” على طريقته، وليكن ليلنا شاهدًا على رحمة تتسع، وخير يمتد، وأرواح تنال الطمأنينة والسكينة.

في كل ليلة، عندما يهدأ الكون وتخفت ضوضاء النهار، يتجلى لطف الله ورحمته في الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل سبحانه إلى السماء الدنيا وينادي عباده

وختامًا، لا تدعوا الليل يمر دون أن تتركوا أثرًا، فربما تكون لحظة عطاء واحدة في ظلمة الليل سببًا في سعادة قلب وإنارة درب.

مزيد من الخواطر الرمضانية